◄ الطائي: "جائزة الرؤية" تدعم التوجه نحو اقتصاد المعرفة من خلال تحفيز الإبداع والفكر البناء
◄ المعولي: الاقتصاد الجديد يقوم على أسس الإبداع والذكاء والمعلومات
عبري - ناصر العبري
احتضنت فرع غرفة تجارة وصناعة عمان في محافظة الظاهرة، الندوة التعريفية بجائزة الرؤية الاقتصادية في نسختها السادسة 2017؛ وقد رعى الندوة المكرم حاتم بن حمد الطائي عضو مجلس الدولة رئيس تحرير جريدة الرؤية المشرف العام على الجائزة.
وحضر الندوة علي بن صالح الكلباني عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عمان رئيس فرع الغرفة بالظاهرة، والسيد علي بن بدر البوسعيدي، والدكتور ناصر بن راشد المعولي مدير مركز البحوث الإنسانية بجامعة السلطان قابوس، وعدد من المسؤولين بالمحافظة والمهتمين من أصحاب الأعمال وطلبة وطالبات الكليات والمعاهد من أبناء المحافظة. وتهدف الجائزة إلى إبراز النماذج الناجحة في السلطنة التي يحتذى بها في مجالات الاستثمار والمشاريع الصغيرة والمتوسطة ومشاريع المرأة المنزليّة ومشاريع ومبادرات المسؤولية الاجتماعيّة ومشاريع القطاعين الحكومي والخاص للمساهمة في تقديم قيمة مضافة للقطاع الاقتصادي بالسلطنة.
وألقى علي بن صالح الكلباني رئيس فرع الغرفة بمحافظة الظاهرة كلمة قال فيها إنّ جائزة الرؤية الاقتصادية تعد إحدى مبادرات جريدة الرُّؤية، والتي تهدف لإيجاد نماذج اقتصادية ناجحة كأمثلة وطنية يحتذى بها؛ في إطار خطط تطوير وتنويع اقتصادنا الوطني. وهي أيضا مُبادرة نوعيَّة لاستكشاف المشاريع التنموية الناجحة، وتكريم أصحابها وإداراتها، والتعريف بأفكارهم الإبداعيّة. وأضاف أنّ الجائزة تساهم في إبراز المشاريع الاقتصادية العُمانية الناجحة، وتسلط الأضواء على أهميتها؛ وذلك من منطلق الدور الذي يضطلع به الإعلام، من خلال دعم وتشجيع المشاريع الوطنية وروَّاد الأعمال العُمانيين؛ بما يُحقِّق استراتيجية تنويع مصادر الدخل بأيادٍ عُمانية ذات كفاءة.
دعم الإبداع
فيما ألقى المكرم حاتم بن حمد الطائي رئيس تحرير جريدة الرؤية المشرف العام على الجائزة كلمة قال فيها: "سعيد بتواجدي معكم هنا في محافظة الظاهرة، وأتوجه بالشكر إلى رئيس فرع الغرفة بالظاهرة وغرفة الظاهرة بشكل عام على ما يقومون به جهود من أجل خدمة اقتصاد الظاهرة والشباب العماني". وحثّ الطائي الشباب على التحلي بالروح الإيجابية وروح المبادرة، إذ أنها تمثل الفكر والمنهج اللذان تسير عليهما جريدة الرؤية وتتواصل بهما مع المجتمع. وأوضح أنّه من منطلق نهج المبادرات الذي دشنته الرؤية قبل سنوات عدة، تأتي جائزة الرؤية الاقتصادية كأول مبادرة طرحتها الرؤية قبل 6 أعوام مضت، بهدف تسليط الضوء على الإنجازات الوطنية في مختلف المجالات المرتبطة بعالم الاقتصاد.
وقال الطائي إنّ الإنسان الذي ينتظر حدوث معجزة له يستند في ذلك إلى أفكار خاوية تعكس مدى تقاعسه وكسله، لذلك تعمل جائزة الرؤية على تكريم أصحاب الفكر والرؤى الاقتصادية البناءة التي تسهم في تحريك المنظومة الاقتصادية بالبلاد.
وتابع الطائي أنّ المثابرة والعزيمة والإخلاص في العمل هم الأساس لأي نجاح يتحقق، بما ينتج عنه في نهاية المطاف بناء عمان القوية بأبنائها من المجيدين والمبدعين في شتى محافل المعرفة والعلم. ودعا الطائي خلال كلمته إلى تبني مفهوم الشراكة والإنتاج التعاوني، مشيرا إلى الشراكة بين جريدة الرؤية وفرع الغرفة بالظاهرة وغيرها من المؤسسات الحكومية، والتي تستهدف الارتقاء بالعمل وتجويده.
ووجّه الطائي حديثه للشباب وقال إنّ من يجلس على شبكات التواصل الاجتماعي وينتقد بكل سلبية دون أن يأخذ الخطوة المناسبة فهو إنسان سلبي، يحرق طاقته في أمور لن تعود عليه بالنفع، بل ستؤثر على سيرورة عمله وإنجازه الحقيقي في الحياة.
تحديات اقتصادية
وأوضح الطائي أنّ التحديات التي تواجه السلطنة اقتصاديا تتمثل في كيفية خلق وظائف جديدة، والمحافظة على النمو الاقتصادي الذي انطلق قبل 46 عاما، في ظل انخفاض حاد بأسعار النفط، مشيرا إلى أنّ المقام السامي دعا في عام 2010 إلى المحافظة على منجزات النهضة المباركة، وكانت دعوة سباقة لكل التحديات التي تواجهها عمان والمنطقة في الوقت الحالي؛ إذ تعكس هذه الدعوة الرؤية السامية الثاقبة القادرة على استشراف المستقبل، والتي تلتها مرحلة ما يسمى بـ"الربيع العربي"، والتي عصفت بالكثير من دول المنطقة، سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية. وشدد رئيس تحرير جريدة الرؤية على أهميّة التزام الطريق الصحيح وعدم فقدان البوصلة الموجهة لكل خير وإنجاز، مشيرًا إلى ضرورة أن ينظر الإنسان العماني إلى ما آلت إليه الأحوال في كل من الدول التي ضربتها الانقسامات السياسية وعصفت بها التناحرات المذهبية والفكرية، ودمرتها الحروب الأهلية، بسبب نزاعات على السلطة والثروة.
وأشار الطائي إلى أنّ تعاطي الحكومة وتعاملها مع أزمة وتحديات أسعار النفط، كان إيجابيًا من خلال البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي "تنفيذ" من خلال وضع استراتيجيات عمل وخطط بناءة لطرح بدائل للدخل بعيدا عن النفط، وبالفعل نجحت مختبرات تنفيذ في أن تطرح 112 مشروعًا في مختلف القطاعات الواعدة التي أقرها البرنامج. وتابع أنّ تنفيذ مثل هذه المبادرات سيمنح عمان القدرة على التخلص من الاعتماد على النفط بصورة كبيرة، وسيكون العائد من النفط غير أساسي كما هو الحال الآن. وأكّد الطائي أنّه لكي ينجح برنامج تنفيذ في تحقيق الأهداف التي وضع من أجلها، ينبغي تكاتف جميع الجهود، سواء كان القطاع الخاص أو الشباب المثابر أو الحكومة، من خلال أن يقوم كل طرف بتطوير أدواته التي يستطيع من خلالها إنجاز مختلف المشروعات وبلوغ النجاح المأمول. وعرج على هذه النقطة بالقول إنّ جائزة الرؤية الاقتصادية تأتي لتحفيز القطاع الخاص وتحفيز رواد الأعمال وتحفيز كل شخص يسعى ويجتهد نحو تطوير القطاع الخاص بما يضمن تطوير منظومة الاقتصاد الوطني وتحويله إلى اقتصاد إنتاجي بدلا من الوضع القائم حاليًا على النظام الريعي.
إلى ذلك، قدم ناصر العبري مراسل جريدة الرؤية في عبري، عرضا مرئيًا عن الجائزة وأهدافها وشروطها.
الاقتصاد الجديد
ومن ثمّ انطلقت الندوة المصاحبة بعنوان "الاقتصاد الجديد"، وقدمها الدكتور ناصر بن راشد المعولي مدير مركز البحوث الإنسانية وأستاذ الاقتصاد المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة السلطان قابوس.
وهدفت محاضرة "الاقتصاد الجديد" إلى محاولة نشر مفهوم الاقتصاد الجديد وهي مرحلة اقتصاديّة متقدّمة مبنية على الاقتصاد القائم على المعرفة يقوم بتوظيف وتفعيل تقنيات المعرفة في الأنشطة الإنتاجية المختلفة وتشكلت ملامح الاقتصاد الجديد مع بداية الثورة الصناعية الرابعة وتتسم مرحلة الاقتصاد الجديد بالوقع الهجين، أي تناغم الإنسان مع التكنولوجيا؛ حيث يتقلص فيه دور الإنسان في تنفيذ الكثير من مهام الحياة اليومية.
وقال المعولي إنّ الاقتصاد الجديد لا يعتمد على عوامل الإنتاج التقليدية (الأرض والعمال ورأس المال)، بل يستند في أساسه على الإبداع والابتكار والذكاء في تحقيق التنمية الاقتصادية. وناقش المعول خلال المحاضرة العديد من المحاور التي تخص الاقتصاد الجديد مثل الإطار المفاهيمي للاقتصاد القائم على المعرفة، حقائق وأرقام تصف واقع الاقتصاد الجديد، علاقة التعليم بالاقتصاد القائم على المعرفة، تطبيقات الاقتصاد الجديد أو ما يُعرف بـ "التكنولوجيا الهادمة"، واستشراف مستقبل الاقتصاد الجديد في ظل التغيرات السريعة والمتلاحقة في عالم التكنولوجيا وتقنية المعلومات.
وتطرق المعولي إلى التعريف بالاقتصاد المعرفي، وقال إنه الاقتصاد الذي يركز على إنتاج وإدارة المعرفة مثل عمليات البحث والتطوير والتدريب، أما الاقتصاد القائم على المعرفة فهو عبارة عن مرحلة متقدمة من الاقتصاد المعرفي يقوم بتوظيف وتفعيل تقنيات المعرفة في الأنشطة الإنتاجية، الجدير بالذكر أنه يوجد أربعة مرتكزات يرتكز عليها الاقتصاد القائم على المعرفة وهي: النظام التعليمي حيث يجب توفر نظام تعليمي يدمج تقنية المعلومات والاتصالات والمهارات الإبداعية في المناهج التعليمية، البنية التحتية: حيث يتوجب توفير بنية تحتية قائمة على تقنية المعلومات والاتصالات حتى يتسنى النهوض بالاقتصاد المعرفي، الابتكار: ويعنى به وجود نظام ابتكار فعال يربط المؤسسات التجارية والمؤسسات الأكاديمية، وأخيرا الأنظمة والسياسات: حيث يجب توفر الأنظمة والأطر القانونية التي تهدف إلى زيادة الإنتاج.
تجارب دولية
وأوضح المعولي أنّ هناك العديد من التجارب الدولية التي يمكن الاستدلال بها على نجاح وفاعلية الاقتصاد القائم على المعرفة، ما يؤكد أهمية الاعتماد على مقومات الاقتصاد الجديد في عملية التنمية الاقتصادية. وضرب المعولي أمثلة للتجارب الاقتصادية في كل من فنلندا وكوريا الجنوبية وسنغافورة؛ حيث استطاعت هذه الدول وخلال فترة وجيزة أن تنهض باقتصاداتها الوطنية اعتمادا على الاقتصاد المعرفي، وخير مثال على ذلك شركة نوكيا الفنلندية الرائدة في صناعة الهواتف النقالة، والتي كانت معتمدة على صناعة الورق سابقا، وشركة سامسونج الكورية التي بدأت عملها كشركة تبيع السكر والأرز قبل أن تتوجه لتصنيع الإلكترونيات، أمّا اليوم فهي ثاني أكبر شركة برمجيّات في العالم. وأضاف المعولي أنّ هناك العديد من الشركات على مستوى العالم يمكن أن يضرب بها المثل كنماذج ناجحة للاقتصاد المعرفي مثل واتس آب "Whatsapp" وفيسبوك "Facebook" وآبل "Apple" وغيرها. وأوضح أن هذه الشركات استطاعت أن تحقق أرباحا هائلة اعتمادا على مقوّمات بسيطة، مشيرا في هذا السياق إلى أن الأرض والعمالة ورأس المال لم تعد هي المحددات الرئيسية للإنتاج ومسارات النمو الاقتصادي وإنما الاقتصاد الجديد القائم على الإبداع والذكاء والمعلومات هو من يفعل.
علاقة التعليم بالاقتصاد
وأكد المعولي أن التعليم يعد من أهم مرتكزات الاقتصاد القائم على المعرفة؛ حيث إنّه لا يمكن أن يقوم اقتصاد معرفي قائم على الإبداع والابتكار دون وجود نظام تعليمي يعمل على جعل الطلاب يستخدمون كل مهاراتهم وقدراتهم في سبيل النهوض بالاقتصاد الجديد. وأضاف أنّ دور الجامعات يكمن في المساهمة في عملية إيجاد اقتصاد معرفي في 3 عناصر رئيسية؛ هي: التعليم وإنتاج كفاءات معرفية، بحث علمي وصناعة المعرفة، التقانة والابتكار والشراكة المجتمعية وبالتالي إيجاد مجتمع معرفي، ما يؤكد أن المؤسسات التعليمية اليوم يجب عليها أن توسع أدوارها لتشمل الابتكار والتقانة والشراكة المجتمعية.
وتطرق أستاذ الاقتصاد المساعد بجامعة السلطان قابوس إلى الحديث عن آفاق المستقبل وأثرها على الاقتصاد الجديد، مسلطا الضوء على أبرز ما تضمنه تقرير أكاديمية دُبي للمستقبل المُسمى بتقرير "استشراف المستقبل العالمي"، والذي تمّ عرضه في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس؛ حيث يستعرض التقرير 112 تنبؤا مستقبليا في سبعة قطاعات استراتيجية، وهي قطاع الطاقة المتجددة، وقطاع المياه، وقطاع التكنولوجيا، وقطاع الصحة، وقطاع التعليم، وقطاع النقل، وقطاع الفضاء.
وأوضح المعولي أنّه في قطاع الطاقة المتجددة تمثلت أهم التنبؤات في أنّه بحلول عام 2035 ستصبح 90 في المئة من المركبات كهربائية وذاتية القيادة، وفي قطاع المياه يتوقع أن ينتهي الصراع العالمي على الماء في عام 2050، أمّا بالنسبة لقطاع التكنولوجيا فمن المرجح أنّه في عام 2036 سيمتلك كل شخص روبوتا خاصا به، وفي قطاع الصحة يُتوقع في عام 2048 أنّ الحكومات ستعمل على توفير العلاجات الجينية على شكل لقاحات بالمجان، أمّا بالنسبة لقطاع التعليم، وهو أهم القطاعات المتعلقة بالاقتصاد المعرفي، فيتوقع له أن يتم في عام 2030 إيجاد عقاقير تعطي قدرة دماغية قويّة تعمل على تسهيل تعلم الأشياء المعقدة، وفي قطاع النقل يتوقع أنّه خلال الثلاث سنوات القادمة أي بحلول 2020 سيتم تجربة القطار فائق السرعة (Hyperloop) وللمرة الأولى، وأخيرًا في قطاع الفضاء، يتوقع التقرير أن يشهد العام 2018 إطلاق أقوى تليسكوب في العالم بقوة تصل إلى 100 ضعف التليسكوب الحالي.
وبين المعولي أنّه تمّ إعداد هذا التقرير من قبل خبراء من وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" ومركز لانجون الطبي التابع لجامعة نيويورك، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الأمريكي، وشركة كونسين سيس للإنتاج، ومؤسسة سنس العالمية للأبحاث وشركة تويوتا العالمية. وأشار المعولي في نهاية الندوة إلى الثورة الصناعية الرابعة، وقال إنها انطلقت في عام 2011 مع ظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات (الإنسان الآلي)، وشهدت تحقيق معدلات عالية من التنمية الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، كما سجلت خفضا واضحا في تكاليف الإنتاج، لكن بالمقابل أدت هذه الثورة الصناعية إلى زيادة نسبة الباحثين عن عمل كما أدت إلى تغير القيم الثقافية والاجتماعية في مختلف المجتمعات حول العالم.