عُمان وإفريقيا.. التوأم غير الشقيق

حمد العلوي

تُرى هل نسينا أم تناسينا إفريقيا التي هببنا في الماضي لنجدتها؟ وحمايتها من الغزاة الطامعين، ودفعنا دماءنا العُمانية أنهاراً من أجل السلم والعدالة الكونية، وحللنا بأرض الأفارقة بدعوة منهم للحماية.. لا بظلم منّا للتعاسة، ذلك كما يفعل الآخرون، الذين لا يتحلّون بخلق الدين الإسلامي الحنيف، كما كنا نفعل في حماية حق الضعيف، أمام القوي الغاشم، فأضفينا على أفريقيا وبعض أجزاء من آسيا شيئاً من هيبتنا، وأمننا وإيماننا بعدالة الله في الأرض، حتى إنّ ملكة سقطرى طلبت الزواج لنفسها من السلطان العُماني في ذلك الزمان، لكي يضم مملكتها إلى الإمبراطورية العُمانية فخراً بها، وما عرفته عن هذه الإمبراطورية من قوتها وعدالة سلطانها، وأنشأنا دولا في المحيط الأطلسي، كجزر القَمَرْ وغيرها ليعم الأمن والسلام، وذلك حيث وصلت سفن أساطيلنا العُمانية حول كوكب الأرض.

أنّ إنهاء الدولة العمانية في زنجبار عام 1964م ليس فقط لأنّ الشيخوخة دبّت في أوصال تلك الدولة العربية العُمانية، فقد حدث لها ذلك لأنّها كانت تقف على صهوة زمن عظيم من القوة والعدل والاستقامة، فكانت خاتمة لمخطط طويل الأمد، قادته إمبراطورية الشر الدفين في العالم القديم، وهي تؤمن بالكيد والغدر لتحقيق أهدافها في استعمار الكون، وذلك بالخبث والدهاء وعقيدة "فرق تسد" ظفرت بما خططت، ونحن العُمانيون بطبيعتنا المطواعة، تركنا الأرض وغادرناها بنفس حسن النية التي قدمنا بها إلى هناك أول مرة، فالمراقب لسيرتنا سيرى أننا لم نفرض عليهم لغتنا، ولا ديننا ولا ثقافتنا، كما فعل الاستعمار الغربي، الذي يقلب كل شيء رأساً على عقب أينما حلّ، وسل الجزائر ودول شمال إفريقيا ماذا فعل بها الاستعمار، أمّا نحن هكذا كنا نفعل أينما اتجهنا، فلم نقهر أحداً بالقوة والبطش، ولم نرشِ المال حتى يحبنا الناس، أو يحبون ديننا أو مذهبنا، ذلك كما فعل بعض العرب، وإنّما اكتفينا بالخلق الحميد والقدوة الحسنة، وهذه العقيدة لم ترق إلا لنخبة المجتمعات من ذوي الألباب، والعقول الراسخة.. وبالطبع هم قلة على الدوام، وتلك طبيعة الحال في هذا العالم.

تُرى لمصلحة من نعطي الظهر لإفريقيا؟ وذلك في هذا الزمن الذي تتجه الدول العظمى والمتقدمة إليها، لأنّ إفريقيا هي مستقبل سكان الأرض، فهي أرض بكر وتزخر بالكثير من أسباب الثروة بشكل عام، ونحن العُمانيون اليوم نغفل أننا أكثر الأمم مُتَقَبّلة في إفريقيا، أليس نحن من كان يأمر بقرع الطبول على ضفاف البحيرة العظمى في وسط إفريقيا، فيرقص الناس على السواحل طرباً بالأمن من الجوع والخوف، إذن عندما نعود نحن كتجار ومستثمرين، حتماً سنلقى الترحيب العظيم هناك، ونحن كعُمانيين نعرف لغتهم، ونعرف ثقافاتهم وعاداتهم أكثر من غيرنا.

إذن علينا أن نُغيّر من نظرتنا الحالية تخوّفاً من التحسُّس الإفريقي من عودتنا كطامعين في حكم، أو طلبي استعادة سلطة، ونحن نعلم أنّه قد أزف زمنها، فنحن إذ لم نُلمِّح يوماً مجرد تلميح عن رغبتنا في عودة الانضمام طوعاً لمن خرج عنا برغبة منه هو، وهو كان جزءا منّا إلى زمن قريب، فحتماً أولئك الذين خرجنا عنهم برغبتهم هم، كما كان قدومنا إليهم قبل مئات السنين، لن يخشوا من سوء النوايا منا، لأنّهم لم يجربوا علينا سوء نيّة من قبل، ولأنّ تأريخنا يشهد لنا بحسن النية، والخلق الحميد دوماً، فلماذا لا نعود إليهم طالبين التعاون معهم، وذلك في الاستثمار الزراعي والحيواني على سبيل المثال، وهناك الكثير من الأشخاص من ذوي الأصول العُمانية، يمتلكون الأراضي الزراعية، ويُشرّفهم التعامل مع أهلهم في عُمان، بل ويدعم بقاءهم على تلك الأرض، ويقوِّي تواجدهم هناك، وهم أولى بالاستثمار فيهم، ومعهم من الذهاب بعيداً عنهم، كالاستثمار الذي أعلن عنه مع السودان، وهو البلد البعيد وغير مستقر سياسياً كذلك، أمّا زنجبار ودول شرق إفريقيا فأقرب لعُمان، ليس في المسافة الجغرافية وحسب، وإنما تأريخاً ولغة وعلاقة قديمة.

إنّ إهمال النظر إلى إفريقيا، يُعد غفلة متعمدة منا كعُمانيين، وهذا التغافل أتاح الفرصة لبعض الدول العربية الحديثة، أن تنسب بناءً على قلاعنا وحصوننا هناك، وأن تتعمد هدم مساجدنا لتجددها لنشر المذهبية والشر معاً، وتمحي مَجْدُنا الذي أريق فيه الدُّم والعَرَقْ العُماني، وهذا يمثل قمة الخبث والمكر منهم علينا، وإلاّ من أراد أن يبني أمجاداً جديدة، فهناك متسع في الأرض الإفريقية، إذن علينا أن نغير النظرة المستقبلية باتجاه إفريقيا، ونحن الأولى بها من غيرنا، وعلينا أن نحقق مطلب قائد النهضة العُمانية الحديثة، وهو الطُّموح الذي حدده جلالته - حفظه الله وعزّه وأيّد خطاه - يوم توليه مقاليد الحكم في البلاد، إذ قال:(كان وطننا في الماضي ذا شهرة وقوة، وإنْ عملنا باتحاد وتعاون فسنعيد ماضينا مرة أخرى، وسيكون لنا المحل المرموق في العالم..) إذن، علينا أن نتأمل هذه العبارات، ونفهمها فهماً عميقاً معمقاً.

 إذن، لقد آن الأوان لمراجعة تحديد أولويات أهداف المستقبل، وألا نعود في الاعتماد على الذهب الأسود، وألا ننتظر عودته إلينا، لأنه بمثابة تخدير موضعي لا يدوم، فهو الذي سوّد علينا اقتصادنا مرتين خلال فترة ثلاثين سنة مضت، وألا نجلس ننتظر حتى يخطط لنا غيرنا مستقبلنا، فيجب النظر إلى أكثر من وجهة لجلب الرزق، وعلى رأسها النظر إلى إفريقيا، وأن نأخذ بيد الأشخاص الذين يحملون جنسيات تلك البلدان، ولهم جذور في عُمان، وأن نتواصل معهم ونمد لهم يد العون والمساعدة، وذلك من خلال وكلاء لهم في مسقط يقومون بجلب ثمار مزارعهم إلينا، وجلب اللحوم على مختلف أنواعها من هناك، وأن نسهّل لهم التنقل والإقامة في عُمان، ليكونوا رُسُلُ خير في التجارة والاقتصاد ومد الجسور، وعامل ارتباط للأخوّة والصداقة بين عُمان وبلدان إفريقيا، كزنجبار وكينيا وبروندي ورواندا وغيرها من تلك الدول، وألا ننسى وجود الكثير من الخامات والمعادن المهمة هناك، التي من شأنها رفد مصانعنا الحديثة بالمواد الأولية، وأن نحفظ التوأمة القديمة بين إفريقيا وعُمان.. هذا، والله من وراء القصد.