كيف تصنع نجاحك؟


حميد بن مسلم السعيدي
الإنسان قادرٌ على قيادة التغيير في حياته، فكلما كان لديه إيمان قوي بأنَّه يمتلك من القُدرات والإمكانيات العقلية ما يؤهله للوصول إلى ما حققه الآخرون، كان أكثر مقدرة على خلق إنجاز حقيقي في حياته، فلا يوجد في قائمة الناجحين ما يُسمى الفشل أو الإخفاق، ولا يوجد نجاح دون أن يمر بمرحلة من التَّحديات والصعوبات، ولكن الناجحين فقط هم من يمتلكون زمام المُبادرة لمواجهة الواقع وصناعة التميز عن غيرهم، فهم القادرون على إدارة إمكانياتهم وقدراتهم بما يؤهلهم لتحقيق طموحاتهم، الأمر الذي لا يأتي دون أن يمر الإنسان بمراحل البناء، وهذه المراحل تتطلب منه أن يكون على مقدرة عالية على التَّحدي، لذا فالتغيير من داخل الفرد ومن عقليته هو المسار الوحيد الذي يقوده نحو خلق حياة جديدة مُختلفة عن السابقة، حيث إنَّ التغيير لن يحدث في حياة الفرد ما لم يكن هناك تغيير في التفكير ونمط الحياة، ويقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز) إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ( (11) سورة الرعد.
فطالما أنَّ هناك إيمانا لدى الفرد بأنَّه قادر على أن يُخطط لحياته ويُحقق نجاحاته، فإنِّه قادر على أن يكون له إنتاج في مُختلف المجالات وفقًا لتوجهاته وإمكانياته، فما تحقق اليوم على مستوى العالم من إنجازات فكرية وأدبية وتقنية وصناعية تجاوزت الحياة على سطح الأرض؛ لم يأتِ لأن هؤلاء حققوا إنجازاتهم من التجربة الأولى وإنما خاضوا العديد من التجارب وربما مئات الآلاف منها، ولكن سر نجاحهم هو دافعيتهم ورغبتهم في الوصول إلى تحقيق الأهداف، فهم يمتلكون الضبط الذاتي الذي يُمثل الدافع الحقيقي لهم في مُواجهة التَّحديات، ويعملون على عصف عقولهم بحيث تحقق ما يصبون إليه، فتوماس أديسون مُخترع المصباح الكهربائي قام بأكثر من ألف تجربة حتى تمكَّن من إنارة أوَّل مصباح، ومن أن يحقق اختراعاً عظيماً غيَّر حياة الإنسان على سطح الأرض، وهذه الاختراعات لا تُحقق من التجربة الأولى وإنِّما هناك الكثير من الإخفاقات والأخطاء حتى تصل إلى الهدف المرغوب الوصول إليه، ولكن كيف تصنع نجاحك؟!
الكثيرون يذهبون للبحث عن النجاحات في كُتب التنمية البشرية ليبحث عن ضالته أو الطريق الذي يُغير حياته، ولكنه يتفاجأ بأنه لم يحدث ذلك التغيير الذي يطمح فيه، ولكن لم يتساءل هل كانت قراءته ذات معنى وفهم؟
الراغبون في التَّغير عليهم القراءة ثم القراءة وحدها فقط ما تغير من عقلية الفرد، وتُعيد بناء أفكاره ونمط حياته، وهنا أدركت معظم الشعوب أنَّ القراءة هي مفتاح بوابة المُستقبل وتغير الحياة، ثم البحث عن الملهمون الذي يغيرون من أفكارنا، فقد تسمع كلمة واحدة قد تغير من حياتك، وأخرى قد تنهي مُستقبلك، فهنا تكمن مقدرة الفرد على التَّعامل مع الآخرين، فهناك الإيجابيون الذين يرسمون المستقبل، وهناك المحبطون والسلبيون والمثبطون الذي يخربون العقول ويغرسون الفساد والضلالة للفرد بما يقوده نحو الكسل والتَّراخي عن العمل من أجل تغيير حياته.
وحتى لا نصنع لأنفسنا وهماً؛ فهناك فرق بين النجاح والإنجاز وهنا أود الإشارة إلى شخصية تاريخية رسمت صورة عن الماضي ونقلته للحاضر، وما زالت كتبه تدرس وتحقق في الجامعات ومراكز الأبحاث، وهو "ابن بطوطة والذي خرج من المغرب وهو في الحادية والعشرين من عمره ذاهباً لأداء مناسك الحج، فاستغرق في رحلته إلى مدينة مكة قرابة ستة عشر شهراً متنقلاً من قافلة إلى أخرى، ومن مدينة إلى أخرى رغبة منه في تحقيق هدفه، ولكنه في طريق العودة لم ير المغرب لمدة أربعة وعشرين عاماً" زار العديد من مُدن العالم وحقق إنجازاً ظل ليومنا هذا يحمل اسمه، وخلال رحلته هذه واجه الكثير من التَّحديات وربما كان مهدداً بفقدان حياته، ولكن الإرادة الداخلية هي الحافز الرئيسي في استمرارية التَّحدي لدى الفرد.
فالإنجاز يُقاس بالأثر الذي تُخلفه لغيرك، هكذا يرسم الناجحون مسار حياتهم، وحينها يُعلنون عن مدى رضاهم عن حياتهم وما تركوا من تغيير ليس على أنفسهم فحسب وإنما على الآخرين، فالنجاحات التي تترك أثراً هي الإنجازات الحقيقية، فالوظيفة والمنصب والشهادة والمال تُعد نجاحًا وليس إنجازاً، لأنها تزول بانتهاء وجودك على وجه المعمورة، ولكن الآثار التي تتركها لغيرك لاحقًا هي التي تُعد نجاحاً، فمن يتخذ قرار بناء حياته بصورة جديدة، بما يمكنه من إرضاء ذاته وقناعاته، وفقًا لما يمتلكه من قُدرات تساعده على أن يصنع لنفسه نجاحاً، ويؤكد إبراهيم الفقي أنَّ "النجاح في الحياة لا يأتي مصادفة، ولكنه نتيجة للتخطيط والجهد، فإن أردت أن تتنبأ بمستقبلك فقم ببنائه الآن، وكل نجاح عظيم بدأت شرارته الأولى بقرار"، نعم نحن بحاجة إلى ذلك القرار الذي يدفعنا نحو العمل بما يُساعدنا على تحقيق آمالنا التي تترك أثراً لنا، ولكن هذه الآمال بحاجة إلى الدوافع التي تُعد المنشط الأساسي الذي يلهم الفرد القدرة على التَّحدي، فمن يرغب في النجاح عليه مواجهة الحياة بصعوباتها وتحدياتها، "ويروى أنَّ شاباً ذهب يتلمس الحكمة عند حكيم صيني فسأله عن سر النجاح، فأرشده أنَّها الدوافع، فطلب صاحبنا المزيد من التفسير، فأمسك الحكيم برأس الشاب وغمسها في الماء، الذي لم يتحرك لبضعة ثوانٍ، ثم بدأ هذا يحاول رفع رأسه من الماء، ثم بدأ يقاوم يد الحكيم ليخرج رأسه، ثم بدأ يجاهد بكل قوته لينجو بحياته من الغرق في بحر الحكمة، وفي النهاية أفلح. في البداية كانت دوافعه موجودة لكنها غير كافية، بعدها زادت الدوافع لكنها لم تبلغ أوجها، ثم في النهاية بلغت مرحلة متأججة الاشتعال، فما كان من يد الحكيم إلا أن تنحت عن طريق هذه الدوافع القوية"، لن يقف أحد في حياتك، حتى طبيعة الحياة ومساراتها لن تتمكن من إيقاف رغبتك في النجاح، فقط من يمتلكون رغبة التحدي هم القادرون على التواجد في هذا العالم، علينا أن نُغيِّر من تفكير عقولنا لنصنع نجاحنا.

Hm.alsaidi@gmail.com