السُّمعة.. معيار النجاح أو الفشل

 

هلال بن سالم الزيدي

تهتم الكثير من المؤسسات بمسألة إدارة السُّمعة، لما تُمثله من أهمية في استمرارها ونجاح خططها الإستراتيجية، ولا سيما تلك السُّمعة المرتبطة بالجمهور أو الرأي العام، لذلك فإنَّ الكثير من الدراسات والبحوث أكّدت على أهمية وضرورة بنائها، من أجل تقوية أواصر التَّواصل مع المُجتمع لبناء الثقة التي تتشابك فيها المصالح العامة بعضها البعض، فكلما كانت سمعة المؤسسة طيبة وإيجابية فبالتأكيد أنَّ خدماتها تسير وفق متطلبات الأفراد ويكون سقف الرضا متنامياً، بحيث يُعطي ذلك مؤشراً إيجابياً على ضرورة التفكير في زيادة مساحة التَّقارب المجتمعي وابتكار أفضل الخدمات وتجويدها من أجل تكريس الصورة الذهنية الحسنة في نظر المستهدفين.

وعليه فإنَّ بناء السُّمعة يعتمد على رأس الهرم في المؤسسة، فكلما كان الرأس متصالحاً مع المجتمع في تعاملاته من حيث تبسيط الإجراءت، كلما انعكس ذلك على بقية الموظفين لديه، أما إذا كان نسيج تلك المؤسسة مترهلًا فبالتأكيد سيكون هناك موظفون "مدمرون للسُّمعة" حيث ستكون لهم دواعٍ ورغبات شخصية في تخليص مُعاملات المُستفيدين، فواحد منهم سيهدم سمعة المؤسسة ويقلبها رأساً على عقب نتيجة تصرفاته الحمقاء والغوغائية والتي لا تنم عن عمل مؤسسي مُنظم، وهذا ما يُؤرق الكثير من المؤسسات لأنَّها لا تتعامل مع موظفيها بحزم على الرغم من كثرة الشكاوى من طريقة تعاملهم مع المستفيدين والعمل وفق أهوائهم الخاصة.

لقد قرأنا وسمعنا الكثير عن فلسفة تعامل موظف المؤسسات الخدمية مع "الزبائن" حيث اشتغلت المؤسسات العالمية على تدريب وتأهيل الصف الأوَّل من موظفيها، وهم أولئك الذين يستقبلون المُراجعين بشكل يومي إلى جانب منحهم الكثير من المزايا، من أجل إعطاء صورة صادقة عن المؤسسة، في مُقابل ذلك تتَّبع الكثير من المؤسسات فلسفة العقاب لبعض الموظفين غير المُنتجين وغير الملتزمين بالحضور والانصراف، بإبعادهم إلى النافذة التي تطل منها المؤسسة على جمهورها، فيتحوَّل العقاب إلى انتقام، إذ يمارس ذلك الموظف الانتقام العكسي ويبدأ في هدم السُّمعة، حتى يدفع الجمهور أو المستفيدين إلى الاحتقان والمُطالبة بتغيير الموظف المعقد الذي يقف ضد المجتمع بأكمله، وربما هذه الفلسفة تطبقها تلك المؤسسات أو الجهات ذات الأفرع المُتعددة، أي: تلك التي تقدم خدماتها المجتمعية إلى المُجتمع بأكمله خارج المركزية، كالمُديريات العامة في المُحافظات أو الدوائر الممثلة لتلك الجهة في الولايات، هنا تغيب الأعين الرقابية عن تصرفات الموظفين وبالتالي يتمادون في عرقلة مُعاملات المواطنين وتأخيرها أو ربما تغييبها، من هنا تكثر التذمرات وتزيد الفجوة بين دور الحكومة في المُجتمع.

ما دعاني لطرح هذه القضية هي تلك الرسالة التي تمَّ تناقلها الأسبوع المنصرم والتي تعبر عن فرحة عارمة لسكان إحدى الولايات العريقة في السلطنة والتي تمثل تركزا سكانيا وتنمية عُمرانية كبيرين، حيث توجهوا بشكرهم الجزيل على نقل أحد الموظفين في إحدى الدوائر الحكومية من قسم إلى آخر، حيث عدوها بشرى وفرحة عارمة لأهالي تلك الولاية، بعد قرار وزاري بنقل ذلك الموظف، فقد قالت الرسالة المتناقلة إنّه تم توزيع العصائر والأكلات الخفيفة على مدخل الولاية.. وعليه تبادرت إلى ذهني العديد من علامات الاستفهام: ما هو الدافع الذي حدا بأبناء تلك الولاية إلى الاحتفاء بذلك القرار؟ ألا يُعد ذلك دعوة إلى ضرورة مُراجعة المؤسسات الحكومية للكثير من الأمور التي تجري في المُديريات والدوائر الحكومية المُختلفة؟! أليس من العدالة الاجتماعية أن يأخذ أصحاب القرار بالشكاوى التي ملّت منها المجالس وتناولتها جميع وسائل الإعلام علناً وسرًا لوضع حد للمعاملة السيئة التي يُعاني منها المواطنون أثناء تخليص مُعاملاتهم؟! أما آن أوان مُعاقبة المسيئين لدولة المؤسسات علناً حتى يكونوا عبرة لمن يعتبر؟

إنَّ اتساع مساحة الاستياء من جودة الخدمات الحكومية لا يأتي اعتباطا أو انتقاداً وإنما هي واقع علينا الاعتراف به، وخصوصًا الخدمات الإسكانية مع عدم إنكارنا للجهود المبذولة، إلا أنّ الحاجة إلى السكن إحدى الشرائع التي نصّ عليها النظام الأساسي للدولة فبالتالي هي ملزمة للمسؤولين، وعليهم أن يكونوا "خدماً للمواطنين"، حتى لا يتأثر النسيج الاجتماعي ويتشتت البناء.

همسة:

من السهل هدم السُّمعة، لكن من الصعب بناءها، لذا من الضروري أن يقف "الوزراء" في مؤسساتهم على ما تخلفه ندبات التصرفات غير اللائقة من قبل موظفيهم في حقوق المواطنين، فاليوم نحتفي بإبعاد الشوك عن الطريق وغدا نتظاهر ضد قطع الورود، فكن أيها الموظف وردا لا شوكا لتكون إنسانا بمعنى الكلمة.

 

كاتبٌ وإعلامي

abuzaidi2007@hotmail.com