عندما يُتخَذ القرار.. فأنت تختار

 

مريم اللمكية

 

الحياة ذلك النظام الفريد المُتكامل الذي يدب في كل ما ينبض في هذا الكون العجيب من مخلوقات تنوعت وتعددت أجناسا وألوانا وأشكالا وسمات لا حصر لها، تذهلك بمواقفها وأحداثها المتوالية حينًا والمتصارعة أحياناً أخرى. إنها سلاح ذو حدين إما لك وإما عليك نعم مُسَيَّر أنت في بعض الأمور التي تدخل في دائرة القضاء، ولكنَّ خالق الأكوان قد وهبك فرصة ذهبية بين يديك لتحيا حياتك كما تُريد إنه القدر حيث تتعدد وتتنوع خياراتك. لذلك فإنّ ما كنت عليه وما أنت عليه الآن وما ستكون عليه مما يدخل في دائرة القدر والاختيار هو من صنع أفكارك فهل تمتلك يا ترى القدرة على صناعة القرارات التي:

  • إما أن تضني حياتك وتجعل منها مساحة زمنية ومكانية صغيرة، تضيق عن الاتساع لطموحاتك وأحلامك التي تصغر أو تتلاشى لتغدو طيفاً عابرا يزورك في منامك نادرا، ويثير في نفسك شجونا من الهزيمة والانكسار أمام تحديات هزمتك لضيق الأفق وضعف شغف التحدي لديك.
  • وإما أن تشكل نقطة تحول إيجابية تثري حياتك وتحيلها إلى عوالم واسعة من الأمجاد والإنجازات المتوالية.

إنَّه القرار جوهر صناعة الحياة، ومن لا يمتلكه يضيع في متاهات دروبها وعند مُفترقات تفاصيلها اليومية أحياناً، تلك التفاصيل التي تسرق منا شوق الحياة  فننسى معها أن نحيا. ذلك الشوق المتجسد في طموح يستعر في النفوس العظيمة، وهو الذي أدركته الحكمة الشابيَّة وبساط الحياة يُسحب من تحت أقدامها قضاء لا قدرًا واختيارًا حين نطقت:

ومن لم يُعانقه شوق الحياة// تبخر في جوها واندثر (أبو القاسم الشابي).

إنَّ الإنسان الذي لا ينتزع حقه في صناعة فيتو خاص لنفسه لا يتملك حياته، ويصبح كريشة في مهب الريح تتقاذفها الأنواء والأرزاء، بل إنّ الضوضاء من حوله تعلو على صوته الداخلي "وليس هناك أكثر بؤسا من المرء الذي أصبح اللاقرار هو عادته الوحيدة" (وليام جيمس).

ولا ينبني القرار الجيِّد خاصة في مسيرة الطموح التي لا تنتهي إلا على أهداف جادة وتحليلات منطقية سليمة، والعقول الواعية والنفوس العظيمة تدرك تماماً هذه المعادلة، ولها في ذلك حسابات قد تكون باهظة الثمن ورغم ذلك تجريها بالإرادة القوية؛ لتترك لذاتها بصمة واضحة في عالم الحياة والأحياء، فترك الأثر هو المُهمة الأصعب في الحياة وفي نفس الوقت هو المهمة الأسمى. ولو قسنا هذا الأمر كما قاسته الدراسات والاستطلاعات الميدانية لأدركنا أنَّ الحياة طاقة هائلة ومتجددة، فقد توصلت بعض الدراسات في المجتمعات الغربية على وجه التحديد – ومحور وحالة الحديث هنا إنسان- إلى أنّ الإنسان العادي يستثمر ما نسبته 3% أو 4% من القدرات والطاقات التي وهبه إياها الله سبحانه وتعالى، أما الإنسان العبقري فيستثمر ما نسبته 7% فقط من تلك القدرات والطاقات!! أفلا تؤدي قراراتنا وخياراتنا بعد هذا دورا كبيرا في ما يمكننا أن نستثمره من تلك القدرات والطاقات؟ ألا يتعين علينا أن نقف للحظة لنفكر في ما كان أو فيما سيكون بإمكاننا أن ننجزه، ونستشعر لذة النجاح والتفوق في مواجهة التحديات مع كل تلك القدرات والطاقات؟ في حقيقة الأمر إن الشعور متناه في السعادة والجمال إلى حد لا يوصف، وفي المُقابل فإنّ "أقسى هزيمة شخصية يمكن أن يعاني منها أي إنسان هي أن يجد أن هناك فرقاً كبيراً بين ما كان يستطيع فعله وما أصبح عليه بالفعل".

ويبقى لك القرار في خياراتك، تلك النعمة العظيمة التي خصَّ بها الله سبحانه وتعالى بني الإنسان عندما شاء سبحانه وتعالى وما شاء فعل أن يخلق الإنسان قال تعالى: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً" [الحديد:30]، حيث قضت الحكمة الإلهية بأن يكون هذا المخلوق مخلوقًا وسطاً يحظى بنعمة الاختيار واتخاذ القرار ضمن أمور القدر قال تعالى: " ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ" [سورة الأعراف:129].

فتذكر عندما تتخذ القرار في سلسلة من المواقف التي تعبرها أو تعبر هي حياتك فأنت تختار وأنت بهذا تصنع حياتك؛ لأنّ الحياة عبارة عن سلسلة من التجارب والخبرات المتصلة والتي هي في حقيقتها تتشكل وتتكون بناء على خياراتك وقراراتك، فإن أحسنت فلها -أي حياتك- وإن أسأت فعليها.

تعليق عبر الفيس بوك