نائب رئيس البنك الدولي لـ "الرؤية": "عمان 2040" تستشرف المستقبل وفق رؤية استراتيجية.. وندرس تأثر السلطنة بالأوضاع الاقتصادية العالمية

◄ "أجندة التنمية 2030" تتطلب الاستفادة من كل سبل التمويل المتاحة

◄ انحسار دور الوقف الإسلامي قلّص أشكال تمويل المشروعات

◄ التمويل الإسلامي يحتاج إلى تحصينات لصد "الصدمات المفاجئة"

◄ التمويل الإسلامي قادر على الإسهام بدور بارز في القضاء على الفقر

الرؤية- نجلاء عبدالعال

أشاد الدكتور محمود محيي الدين نائب رئيس البنك الدولي بجهود السلطنة نحو وضع أطر لاستراتيجية 2020- 2040 كخطة طويلة المدى، مشيرا إلى أن فريقا من البنك الدولي يقدم ما يمكنه من مساهمة فنية في إعداد هذه الخطط، مثلما فعل مع دول أخرى من بينها الصين.

وأكد محيي الدين- في حوار خاص مع "الرؤية"- أهمية الاستفادة من سبل التمويل المتاحة والمبتكرة لتمويل الخطط التنموية وبصفة خاصة في إيجاد فرص عمل للشباب. وقال محيي الدين إن أجندة التنمية 2030 الخاصة بأهداف التنمية المستدامة في العالم، تتطلب العمل على الاستفادة من كل سبل التمويل المتاحة، ومنها الوقف الإسلامي، أو التمويل القائم على المعاملات الإسلامية بشكل عام. وأوضح أنّ التمويل الإسلامي قادر على الإسهام بدور بارز في مسار التنمية والقضاء على الفقر، لكنه يعاني من انحسار في دوره ما قلص أشكال التمويل بصفة عامة حول العالم. وأكد نائب رئيس البنك الدولي أنّ قطاع التمويل الإسلامي يحتاج إلى بناء تحصينات لصد الصدمات المفاجئة، من خلال وضع الأطر التنظيمية والقواعد القانونية اللازمة.

والدكتور محمود محيي الدين يشغل حاليا منصب النائب الأول لرئيس البنك الدولي لأجندة التنمية لعام 2030 وعلاقات الأمم المتحدة والشراكات، وشغل سابقا منصب وزير الاستثمار بجمهورية مصر العربية، ومنصب المدير المنتدب للبنك الدولي.

** ما هي رؤيتكم للوضع الاقتصادي في المنطقة وخاصة في السلطنة؟

في إطار الزيارات التي أقوم بها في المنطقة سنحت لي عدة فرص للقاء عدد من المسؤولين العمانيين، وقد لمست أنّ السلطنة تجتهد الآن في وضع تصور لـ "رؤية عمان 2040" لأن الرؤية القادمة والخطط الخاصة برؤية 2020 أصبحت على بعد عامين من الآن، وهذه خطوة محمودة لأنها تتيح للدولة بناء خططها لتحقيق الأهداف الكبرى عبر سنوات تطبيق هذه الرؤية الاستراتيجية. ونظرا لأنني معني بالأساس بموضوع التنمية المستدامة وتحقيق أجندة 2030 لأهداف التنمية المستدامة، لذلك نحاول أن ننظر في إمكانية قيام البنك الدولي بطرح بعض الأفكار، وتقديم خبراتنا في إعداد مثل هذه الرؤى، كما فعلنا من قبل؛ حيث كان للبنك الدولي إسهام في إعداد الخطط المستقبلية لبعض الدول مثل الصين في رؤيتها 2030، وبجانب مساهمة البنك الدولي في إعداد الرؤى المستقبلية لبعض الدول، فإنّ البنك أسهم كذلك مع مؤسسات الدول الوطنية في إعداد الرؤية الخاصة بالقطاعات، مثل القطاع الصحي والتنمية الحضرية، وساهمنا مع فيتنام في إعداد رؤيتها 2035 ونسهم في إعداد بعض الرؤى المستقبلية لبعض الدول.

وهناك فريق آخر في البنك الدولي يتابع سبل تقديم المساهمة الفنية لعمان والحكومة ووزارات الدولة والمؤسسات المالية فيما يرتبط بالتعامل مع الأوضاع الحالية وتأثيراتها المختلفة للتغيرات الاقتصادية العالمية وتأثيرها على الاقتصاد العماني، وأنا معني مع فريقي بالرؤية المستقبلية 2030 وتحديد أهدافها وأولوياتها وتوفير التمويل اللازم لها والمتابعة الفنية لمدى تطورها أيضا.

** هل تعتقد أنّ التمويل يمثل العائق الأكبر الآن أمام جهود التنمية والتطوير؟

التمويل بشكل عام هو الجانب الأبرز الآن في إطار الاهتمام بتحقيق أهداف التنمية المتواصلة، وكذلك مكافحة الفقر، وتوفير فرص التعلم وتوفير الرعاية الصحية، والاستثمار في البنى الأساسية لإتاحة فرص العمل، والاهتمام بالأبعاد البيئية، علاوة على القضايا الخاصة بحماية المجتمع من التقلبات البيئية والمشكلات الصحية وغيرها، وهذا الموضوع يتطلب تمويلا ضخما، سواء جاء عبر الروافد المعتادة مما يعرف بوسائل التمويل التقليدية، أو إذا كانت هناك بعض الثقافات تعطينا أفكارا جديدة حول إتاحة التمويل. لذلك نجد أن هناك الآن دورا كبيرا لصناعة التمويل المعتمدة على أفكار التمويل الإسلامي التي تعتمد على نظم المشاركة في الربح والخسارة وتربط القطاع المالي بشكل قوي بالاقتصاد الحقيقي والتنمية الاجتماعية.

وللتمويل الإسلامي عناصر كثيرة بداية مما يعرف بالصيرفة الإسلامية أو نماذج تمويل إسلامي مثل صناديق التمويل الإسلامي المختلفة، إضافة إلى إعادة إحياء بعض الأفكار التي تطورت عبر الزمن مثل فكرة الوقف، والأوقاف الإسلامية والأوقاف الأهلية والمدنية أيضا، والتي كانت منتشرة في الدول الإسلامية وكان لها الفضل في إنشاء مراكز صحية ومدارس، بل وجامعات، قبل أن يعرف العالم هذه الأشكال من التمويل، لكن للأسف حدث قدر من الانحسار في دور الأوقاف وإن كانت هناك بعض الدول بما في ذلك بعض الدول العربية والخليجية وبعض الدول الإسلامية تعيد إحياء دور الوقف في نماذج جديدة، وتربطه وفقا لقواعد قانونية ونظم رقابية محكمة بتحقيق بأهداف التنمية، فهناك وقف يتكفل بموضوعات خاصة بالتعليم وآخر بالصحة وآخر بخدمات اجتماعية وغيره باعتبارات البيئة إلى آخره.

** ماذا عن مفهوم الوقف؟ وما مدى إمكانية تطويره في الوقت الحالي؟

مفهوم الوقف نفسه تطور عبر الزمن وإن كانت الفكرة نبعت من الثقافة العربية والإسلامية، إلا أن تبنيها الآن في دول أخرى حقق طفرات ونقلات نوعية فيها، والآن ليس فقط مطلوب العودة إلى الجذور، وهذا جانب مهم، لكن أيضا من الضروري جدا أن نرى كيف توصلت الدول المختلفة- والمتقدمة خصوصا- إلى حسن استخدام أموال الوقف ووضعها في إطار مؤسسي، وحسن استخدام المحافظ المالية للاطمئنان على استدامة أموال الوقف، وأن تجدد نفسها وأن يكون هناك نوع من أنواع الاستمرارية لها؛ لأن ما يحدث في بعض الأحوال، أن سوء إدارة بعض هذه الأوقاف يؤدي إلى تآكلها وشح مصادرها التمويلية، غير أن إحكام السيطرة على قواعد الكفاءة الخاصة بإدارة أموال الوقف، قادر على تجديد هذه الأموال على عكس ما نراه في بعض الأحوال.

وهناك أطر قانونية جيدة ويمكن الاستفادة من التجارب، من خلال حل بسيط وهو كيف يمكن للناس أن يقوموا بتعبئة كافة الموارد الممكنة لعملية تمويل التنمية، خاصة وأنّ الفجوة التمويلية ضخمة للغاية، وأتصور أن وجود مزيج من مؤسسات مالية دولية وخبرات محلية وإقليمية يمكن أن يطرح بعض الأفكار الجديدة حول مسألة الرجوع إلى الجذور وربط هذه الهياكل بالنظم الحديثة والمتطورة.

** لا توجد دولة إسلامية إلا وتضم وزارة أو هيئة للأوقاف، يفترض أن تديرها وفق أفضل سبل الاستثمار.. هل لدى البنك الدولي نماذج أو أطر يمكن أن تقدمها للدول لتعزيز هذه الاستفادة؟

البنك الدولي يقوم بعدة أدوار؛ حيث إنه بنك يقدم تمويلا للحكومات بناء على طلبها، ويشارك مع القطاع الخاص من خلال مؤسسة التمويل الدولية في تنفيذ المشروعات، كما يقدم الضمانات أيضا للاستثمارات الأجنبية إذا ما قامت بالاستثمار في دول نامية، لكن يعادل هذا كله أهمية أنّ البنك الدولي يزخر بالخبراء فيما يعرف ببنك المعرفة، والذي يقوم بدور محوري فاعل حين تطلب دولة ما المساعدة الفنية، حيث يقوم البنك بإرسال الخبراء والمستشارين بالتعاون مع المختصين في بعض الدول ذات الخبرة، ويتم العمل على تعزيز الاستفادة من الموارد في هذه الدولة إذا طلبت ذلك، وإذا ما قامت دولة معنية بطلب مساعدة نقدمها سواء لتطوير الأوقاف الأهلية أو الأوقاف بشكل عام.

** وما هي التحديات التي يمكن أن تعيق نمو هذا القطاع؟

التحديات التي تواجه البشرية ودول منظمة التعاون الاسلامي أبرزتها أهداف التنمية المستدامة، ووضعت حلولا طموحة جدا، وهدفت من وراء ذلك إلى مساعدة الدول الإسلامية. ورغم التطور الاقتصادي الذي شهدته الكثير من الدول، إلا أنّ هناك الكثيرين مازالوا يرزحون تحت الفقر وندرة فرص العمل، والأغلبية من هؤلاء تحت خط الفقر، والإحصاءات تؤكد أن 17 دولة أعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي تقبع تحت مستوى الفقر، وأن 21 دولة إسلامية أكثر من نصف عدد السكان فيها لا تتوفر لهم الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء، ويموت عدد كبير من الأطفال تحت سن الخامسة. لذلك فإنّ أهداف التنمية المستدامة ترمي إلى مجابهة هذه التحديات التي تواجهها غالبية دول العالم الإسلامي.

ويمكن القول إنّ هناك دورا للتمويل الإسلامي- بحسب كثير من الدراسات- يمكن أن يساهم في تذليل التحديات التي يشهدها العالم اليوم، والبنك الدولي حاول وضع تقرير يركز على التمويل الإسلامي، ويهدف هذا التقرير أساسا إلى نشر فهم أكبر لآلية عمل التمويل الإسلامي ومراجعة التطورات الأخيرة لقطاعات التمويل الإسلامية مثل الصيرفة وسوق المال والاستثمار الاجتماعي وكذلك تحديد سياسات وآليات التدخل ليكون لدى صناع القرار القدرة الأكبر على توظيف التمويل الإسلامي في تحقيق أهداف تنموية في المجتمعات المختلفة، وفعليا فإنّ لدى سبل التمويل الإسلامي هذه القدرة إذا ما أحسن توظيفه.

** على مستوى المنطقة العربية.. ما هي أبرز تحديات عمل البنك الدولي؟

يواجه البنك الدولي بعض التحديات بجانب الإيجابيات في تنفيذ برامجه في الدول العربية، ولاحظنا أن الدول العربية أدرجت الكثير من الآليات في برامجها وتسعى قدما إلى تحقيق توصيات أجندة 2030 للبنك الدولي، ومؤسسات التمويل الإسلامي قادرة على مواكبة المتغيرات التكنولوجية؛ حيث يمكن للتمويل الإسلامي الدخول في الكثير من مجالات الاستثمار، وعبر الدراسات فإنّ التمويل الإسلامي أكثر وقعا في الاقتصاد الحقيقي، من خلال أموال الزكاة أو الصدقات أو الوقف.

لكن هذا القطاع يحتاج إلى بنية تنظيمية وقواعد وقوانين تنظم عملية المنافسة، وتبني تحصينات ضد الصدمات المفاجئة. وفي جانب المشاكل التقنية يمكن للتمويل الإسلامي أن يواكب التغيرات التقنية بدلا من أن يشكل تحديا لها. لذلك لابد من تحريك التمويل وتقريبه من المستثمرين، وتقليل الكلفة والإجراءات، كما أنّ التحدي الأكبر يتمثل في كيفية وصول المستثمرين للتمويل والدخول لمجالات الصحة والتعليم وتوفير رأس المال البشري في هذه القطاعات، وهذه من المجالات يتوقع للتمويل الإسلامي أن يسهم بدور فعّال فيها، وهو ما ينبغي السير على طريق تحقيقه. ومن المميزات ما يتمتع به التمويل الإسلامي من مرونة، وإذا ما وضعت له الأطر الأفضل وتطبيق معايير محكمة، يمكن أن يكون له الدور الأكبر في القضاء على الفقر.

لكن بشكل عام، هناك الكثير من التحديات أمام التمويل الإسلامي أولها حجم الاحتياج إليه، ووفقا للأرقام المتاحة فإن أكثر من 125 مليون شخص هُجروا أو رحلوا عن أوطانهم خلال العام الماضي بسبب الحروب والنزاعات، والنسبة الأكبر منهم كانوا يعيشون في دول إسلامية، وأن 1.4 مليون شخص منهم يعيشون في أوضاع صعبة، وأن أكثر من نصفهم ينتمون لدول العالم الإسلامي، وهناك حالات فقر مدقع ونقص في خدمات الصحة والتعليم في هذه الدول. لذلك فإن توظيف سبل تمويلية مثل التمويل الإسلامي واستثمار الوقف والصدقات والزكاة وغيرها، يمكنها أن تقدم الكثير من المطلوب عمله لحل هذه الإشكاليات.

تعليق عبر الفيس بوك