رئيس فريق المشروع: البيت العُماني الصديق للبيئة مركز للأفكار والحلول المُبتكرة لجامعة السلطان قابوس

الإنجاز نتيجة عمل جماعي تُشارك فيه عدة تخصصات وتعكس تكاملية العلوم

حرصنا على استدامة الموارد وحماية البيئة في التصميم والبناء والتنفيذ

نوظف الألواح الشمسية أعلى سطح البيت لتوفير الطاقة اللازمة للإنارة

مسقط – الرؤية

يرعى سعادة نجيب بن علي الرواس وكيل وزارة البيئة والشؤون المناخية صباح اليوم الأربعاء حفل افتتاح البيت العُماني الصديق للبيئة بكلية الهندسة في جامعة السلطان قابوس وذلك بحضور سعادة الدكتور علي البيماني رئيس الجامعة وبعض مُمثلي مجلس البحث العلمي وعمداء الكليات وأساتذتها وطلابها.

تشرف على هذا المشروع كلية الهندسة بدعم من مجلس البحث العلمي، وقد استمر العمل فيه لسنوات منذ 2013 وحتى الآن، وهو فكرة وتطبيق جديران بالتأمل في عالم يتَّجه بسرعة كبيرة صوب المدن الذكية والبيوت والمباني المُستدامة صديقة البيئة، وحول هذا البيت وما يمثله من قيمة وإضافة للجامعة والمجتمع العماني، التقينا البروفيسور عوني شعبان الأستاذ بقسم الهندسة المدنية والمعمارية بكلية الهندسة ورئيس فريق مشروع البيت العماني الصديق للبيئة.. وكان هذا الحوار..

· بداية ما قصة مشروع البيت العُماني صديق البيئة؟

المشروع هو نتاج جهد جماعي لفريق مُتكامل، من زملاء أساتذة وطلبة من اختصاصات الهندسة المدنية والمعمارية وقسم الكهرباء وقسم الميكانيكا.

بدأت فكرة البيت مع سعادة رئيس الجامعة منذ بضع سنوات وشرعنا في وضع التصميم الأولي ثم بدأت مرحلة البحث والتصميم واستمرت لبضع سنوات حيث أجريت البحوث لكل متطلبات الاستدامة ومتطلبات التقنية، التي تمت دراستها وانتقلنا بعد ذلك إلى مرحلة التصميم الهندسي بمعنى نقل الفكرة البحثية إلى حيِّز التنفيذ وهذا استغرق سنة ونصف السنة، والتنفيذ كان المرحلة الأكثر تعقيداً حيث المُقاولين الذين ساهموا بمعداتهم وبتأثيرات مُتعددة، ثم وصلنا لمرحلة القياسات المُتعددة لكفاية البيت العماني الصديق للبيئة، وقابلية العيش فيه وغيرها من القياسات المُهمة حتى بلغنا المراحل النهائية وسيتم افتتاحه رسميًا اليوم.

· البيوت الصديقة للبيئة هل تعد من المشاريع الجديدة في سلطنة عُمان؟

فكرة البيوت الصديقة للبيئة ليست جديدة في عُمان وكذلك في المنطقة العربية وفي الخليج، فقد بدأت منذ سنوات في العالم كله، وفي سلطنة عمان هناك 5 مشاريع للبيوت الصديقة في الكليات والجامعات ونحن في جامعة السلطان قابوس نمثل أحدها "البيت الخامس"، وقد دخل المشروع في مراحله النهائية.

· ماذا عن الموقف الراهن الآن وهل انتهى العمل بالبيت أم أوشك على الانتهاء؟

الحمد لله اكتمل التنفيذ، والآن بدأنا مرحلة أهم وهي مرحلة الفحص والتدقيق ورفع وقياس الأداء، بمعنى أننا نضع مجموعة من الأجهزة لقياس أداء البيت وهذا سيستمر لمدة سنة، فهذا الموضوع الصعب يستهدف في النهاية التحقق من عدة أمور من بينها، هل حقق هذا البيت أهدافه العلمية، الجواب يكون من خلال نتائج القياسات، التي تضع البيت أمام تحديات تتعلق بالاستدامة، حيث ندرك جميعاً أنَّ العالم مقبل على صعوبات كثيرة في الطاقة والمياه ومواد البناء وكل ما يتعلّق بصناعة البناء، فهل البيت العماني الصديق للبيئة قادر على مواجهة هذه التَّحديات؟ لهذا نحن نفضل أن نطلق على هذا المشروع "البيت المستقبلي" لمواجهة تحديات الاستدامة، فهو يعتمد في الكهرباء على الطاقة الشمسية كلياً، لهذا الهدف وضعنا طرق القياس كل يوم أثناء النهار لرصد وقياس استهلاك كل جزء من الطاقة طوال النهار، ونحن نصدر الطاقة الفائضة في النهار إلى شبكة الكهرباء الوطنية ونستورد الطاقة من شبكة الكهرباء بالليل، علماً بأنَّ الطاقة المصدرة أكبر من الطاقة المستوردة.

· من الأمور المُنتظرة من هذه النوعية من البيوت، الأداء البيئي المحترف بمعنى استدامة موارد الطاقة بأنواعها المُختلفة وقابلية العيش في البيت وغيرها من الأمور فهل قمتم بقياس وتقويم ذلك؟

بدأنا بالفعل وقبل أشهر مرحلة قياس الأداء الحراري للبيت العُماني الصديق للبيئة وذلك بواسطة نظام رصد البيانات، ويتم نشر البيانات المُستخرجة على الموقع الإلكتروني للمشروع، وتشتمل الاختبارات ما يلي: منطقة الراحة الحرارية: وذلك من خلال تثبيت درجات الحرارة في جميع فراغات المعيشة في نطاق 25º إلى 26º، أما الرطوبة النسبية فكانت في حدود 50٪ إلى 70٪.

كما تمَّ قياس توازن الطاقة وذلك بمُقارنة الطاقة المُنتجة من الألواح الشمسية مع الطاقة المستهلكة لتشغيل كافة الأنظمة والأجهزة المنزلية.

كذلك قياس كفاءة سخان المياه الشمسي من خلال توفير 150 لترًا من الماء الساخن بدرجة حرارة 43º في المتوسط وذلك خلال فترة 30 دقيقة، بالإضافة إلى قياس كفاءة الأجهزة المنزلية كالثلاجة والطباخة والغسالة بالإضافة إلى الأجهزة الإلكترونية.

· وماذا عن إدارة واستدامة المياه في البيت العُماني الصديق للبيئة؟

الكل يعلم أنَّ العالم يُعاني من ندرة المياه، والمياه بحد ذاتها من التحديات الكبيرة في عُمان ولقد وضعنا هذا التحدي في الحسبان ويعتمد البيت على تدوير المياه وتنقيتها وتحويلها إلى مياه تسقي النباتات في الحديقة وبالتالي فإنّ كميات المياه المستهلكة ليست 100%، يتوقف الأمر أيضاً في حجم استهلاك المياه على حجم العائلة التي تقطن في البيت.

· هل مواد البناء المُستخدمة في البيت تراعي البيئة وتفي بمتطلبات الاستدامة؟

 حرصنا في مواد البناء تحديدًا على تحقيق الاستدامة، حيث استعملنا مواد بناء تستهلك كميات قليلة من الطاقة ومن المُمكن تدويرها في المستقبل وهذه المواد يجب أن تساهم في تقليل الحمل الحراري بواسطة مميزات العزل التي تخفض النفاذ الحراري من الخارج إلى الداخل بنسبة 50%تقريباً لتقليل ضغط البيئة الحرارية، وقد اعتمدنا نظام البناء ذي الغلافين والمقصود بذلك وجود غلاف للبيت يتصدى للطاقة الشمسية، حيث يتم استثمار الواحة وصفوف الألواح الخشبية بينها لتغطية السقف، أما الجدران فمن سعف النخيل المحلي والنباتات التي تنمو عموديا وتتسلق بذلك نكون حققنا كبحاً كبيراً للطاقة الشمسية على الجدران وخفضنا الحمل الحراري بشكل كبير، وتجدر الإشارة إلى أنَّ النباتات المُحيطة بالمبنى والمؤدية للبيت لم توضع هكذا عشوائياً ولكن وفق خطة مُحددة فهي ليست نباتات زينة وإنما نباتات أختيرت بعناية وحددنا مواقعها بكل دقة لهدف تقليل وتخفيف الانعكاس الشمسي على البيت، يتسق ذلك كله مع شكل البيت نفسه والذي بُني بحيث يوفر التهوية الطبيعية، التي نستثمرها خلال 4 أشهر من السنة وبالتالي لا تحتاج إطلاقاً إلى أجهزة التكييف فالتهوية الطبيعية مع طريقة تصميم النوافذ بارتفاعات محدودة تسمح بدخول الهواء البارد وتقابلها نوافذ صممت لطرد الهواء الحار، وبالتالي نستطيع القول إنّ نظام التهوية في البيت يعتمد كلياً على الطبيعة وعلى التصميم الهندسي المتميز للنوافذ التي تجلب الهواء البارد وتطرد الهواء الحار ولا تحتاج إلى التكييف.

· اعطنا فكرة عامة عن شكل البيت ومكوناته ومساحته وقابلية العيش فيه؟

تمَّ تشييد مشروع البيت العُماني الصديق للبيئة داخل الحرم الجامعي في إطار مُسابقة وطنية لجميع لكليات والجامعات في السلطنة بتمويل من مجلس البحث العلمي وجامعة السلطان قابوس، بهدف تصميم وبناء وتشغيل منازل عالية الكفاءة في استخدام الطاقة، وكذلك تهدف إلى تعزيز الوعي العام حول المنازل الصديقة للبيئة في السلطنة.

استجاب البيت الصديق للبيئة إلى القيم الجمالية التي تجمع التراث المعماري العماني والواقع المعاصر من حيث الحجم الخارجي للبيت ومسطحات الفتحات الصغيرة للشبابيك، وكذلك تم استخدام ألوان خارجية محدودة تتناسق مع الألوان الطبيعية للعمارة التراثية مع إدخال التعديلات المطلوبة طبقاً لاشتراطات بلدية مسقط.
واعتمد التصميم على الملامح المعمارية التراثية في التشكيلات العمودية الطويلة للنوافذ ذات الفتحات السفلية والعلوية للتهوية. وقد استخدمت الأروقة والأعمدة الخارجية في إيقاع منتظم مع التأكيد على تباين المدخل الرئيسي. واستجاب التصميم للعادات الاجتماعية المحلية من خلال فصل فضاء الضيوف عن فضاء العائلة فالمدخل الرئيسي يؤدي مُباشرة إلى غرفة المجلس الذي تمَّ فصله عن المناطق الداخلية الأخرى، أما مدخل الأسرة فهو في الجهة الأخرى ويؤدي إلى غرفة المعيشة الرئيسية للأسرة.

· قلتم من قبل إنّ تصميم البيت يجمع بين الأصالة والمُعاصرة ويأخذ شكل حرف الـ H باللغة الإنجليزية فهل يمكن توضيح المقصود بذلك؟

يتميز التصميم في الجمع بين الفناء الداخلي التقليدي وملاقف الهواء الداخلية والخارجية فقد تم تصميم البيت على شكل حرف "H" يحتوي على فناء شمالي وآخر جنوبي يكونان في اتصال مباشر مع غرفة المعيشة الرئيسية، وبذلك تمّ تعزيز التفاعل بين الفضاءات الداخلية والخارجية. كما تحتوي الجدران الشرقية والغربية على الحد الأدنى من النوافذ المحمية من الشمس بواسطة مظلات عمودية مُسطحة موازية للجدران.

تمَّ اعتماد تصميم نظام الغلاف المزدوج وذلك باستحداث غلاف ثانوي خارج المبنى الرئيسي لاعتراض وتبديد معظم أشعة الشمس قبل أن تصل إلى الغلاف الرئيسي للمبنى.
كما تمَّ إنشاء نظام الخلايا الضوئية لإمداد المنزل بطاقة 20 كيلووات من خلال 80 من الألواح الشمسية التي تميل بمقدار 23.5 درجة للاستفادة القصوى من الإشعاع الشمسي. وتم تقسيم اللوحات الشمسية إلى مجموعات يحتوي كل منها على 14 لوحًا ترتبط بمحولات كهربائية لتغيير التيار المباشر إلى تيار متردد متوافق مع الشبكة المحلية. ويتم تصدير فائض الطاقة خلال النهار إلى الشبكة المحلية، بينما يتم استيرادها في المساء وفقًا لاتفاق مع شركة الكهرباء بحيث يتم حساب كميات التصدير والاستيراد من خلال عداد ثنائي الاتجاه والذي يتم تجريبه لأوَّل مرة في السلطنة. وتشير عدادات القياس إلى أنَّ الطاقة المصدرة إلى الشبكة المحلية نهاراً كانت أكبر من الطاقة المستوردة مساءً.

· وماذا عن الراحة الحرارية والعزل الحراري للبيت؟

تتحقق الراحة الحرارية في البيت خلال 4 أشهر في السنة بالاعتماد كلياً على التهوية الطبيعية دون الحاجة إلى أجهزة التكييف من خلال: الضغط الناتج من الفارق الحراري للهواء حيث يدخل النسيم البارد من الفتحات السفلية ويطرد الهواء الساخن من الفتحات العلوية.

وفي الفناء الجنوبي تـمَّ إنشاء نافورة ماء تعمل على نظام التبادل الحراري في خزان مياه عميق يعمل على تبديد الحرارة من الماء إلى التربة العميقة المجاورة، ثم يتم ضخ المياه المبردة إلى النافورة والتي تعمل بدورها على تبريد الهواء المجاور الذي يتوجه إلى الفتحات السفلية في البيت. كما روعي في البيت العزل الحراري وهو من سمات التصميم المُهمة، فقد تمّ بناء الجدران من طبقتين تتمتعان بمقاومة حرارية عالية، حيث يكون سمك الطبقة الداخلية 20 سم والخارجية بسمك 10 سم مع وجود 5 سم من العَازل الحراري بينهما، أما الأسقف فقد تمَّ تزويدها بطبقة من العازل الحراري بسمك 10 سم.

وتقوم مجموعات من الألواح الشمسية بتسخين الماء لتغطية الاستعمالات للغسيل والحمامات والطبخ.
واعتمدت في البيت وسائل ترشيد استهلاك الماء في عموم المنزل، كما تتم تنقية الماء المستعمل ثم يتم استعماله في ري النباتات.

واعتمدت وسائل ترشيد الطاقة الكهربائية في الإنارة وعموم الأجهزة المنزلية.
وتم استحداث مشروع مساعد بعنوان الحدائق الطبيعية المُستدامة بالاشتراك مع طلاب وأعضاء هيئة التدريس في كلية العلوم الزراعية والبحرية ومهندسين من حدائق عمان النباتية.
وسيتم في المرحلة القادمة افتتاح البيت كمعرض ومركز دائم للمعلومات من خلال عقد المحاضرات العامة والندوات وحلقات العمل، وإعداد خطة قصيرة الأمد لإنجاز الفحص التجريبي للمفردات المبتكرة في المبنى، ثم تليها خطة بعيدة الأمد للتوسع في إجراء البحوث التجريبية في المُبتكرات المستجدة.

وبُني البيت في مساحة 284 متراً على أرض إجمالي مساحتها 600 متر، بمعنى أننا أمام بيت صغير بمقاييس البيوت المُتعارف عليها لأنَّ هدفنا الاقتصاد في البناء، والتوازن بين التَّكلفة الإنشائية مع عدم هدر مساحات وفراغات ضائعة، ويتكون البيت كما قلنا من طابقين فقط وهذا التقسيم وفقاً للمساحة الكلية والخارجية متوازنة من حيث الأداء الحراري وهذا كله يسمح بتطبيق أفكار مبتكرة في تبريد الطاقة والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة وتبريد المياه واستخدام النباتات الطبيعية لتحقيق بيئة مستدامة مستخدمة المواد المُناسبة لتحقيق البيئة الحرارية الجيِّدة.

· ماذا تطمحون من وراء هذا البيت بعد افتتاحه؟

يُمكن النظر إلى البيت باعتباره واحة علوم مُصغرة متكاملة، تعنى بالتعليم والبحث العلمي نظراً لتشابك التخصصات التي تقف خلفه في كل مراحله من الهندسة الإنشائية المعمارية والكهرباء والبيئة والميكانيكا والمياه فقد كانت لدينا العديد من الابتكارات التي وظفناها في البيت ونأمل أن يكون له فائدة كبيرة في المستقبل لأننا ننظر له في حقيقة الأمر باعتباره مُختبراً تجريبياً وتعليمياً ومحطة لكل المُختصين في القطاع الهندسي والمجتمعي بشكل عام. ونأمل أن يكون محط الأنظار في المُستقبل حيث سنفتح الباب لكل التخصصات الهندسية وغير الهندسية لزيارة البيت وتقديم أفكار مبتكرة وحلول صناعية متقدمة وخدمات بحثية شاملة تخدم الجامعة والكليات والمُجتمع العماني بوجه عام، بمعنى آخر نأمل اعتماد البيت كمركز لتنسيق جهود الباحثين والمهنيين على المستويين المحلي والعالمي لتبادل المعلومات والخبرات والتوسع في إنجاز البحوث المشتركة في مجالات المباني المستدامة.

تعليق عبر الفيس بوك