مرحبا بلقاء أُسد الحكمة وصنَّاع السلام

حَمَد العلوي

أنْ ينزل صاحبُ السُّمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت الشقيقة، في "زيارة دولة" رسمية للسلطنة؛ فتلك هي المرة الأولى يزور فيها السلطنة، ولكنه زارها عشرات المرات زيارات مختلفة كزيارة عمل، أو زيارة خاصة، أو حتى زيارة استراحة وترفيه عن النفس من عناء العمل، ولا يحتاج مثل سموه لدعوة رسمية لزيارة عُمان، ونحن في عُمان نلتقي مع سمو أمير الكويت في مواقف كثيرة، ليس أقلها التواضع والبساطة؛ فهو شخصيًّا يروى كيف أحب بقعة هادئة في منطقة الشويمية العُمانية، وهي منطقة ساحلية مطلة على بحر العرب، وكان دليله إليها (نوخذة عُماني) يعمل لديه في زورقه بالكويت.

إن عُمان عندما تقيم له هذا الاستقبال البهيج في مسقط العامرة، فهي تعلم تواضعه وخلقه الرفيع، ولكنها تريد -ولو مرة واحدة- أن تكرِّم فارس الإنسانية.. ومُحب السلام، كنوع من المكافأة على جهده الكبير، ونبله العظيم في مواقفه الوطنية المطُلية بعبق العروبة والإسلام، وذلك في وقت انشغل العرب في حبك الدسائس والمشاكل، وتعقيد عُرى الوفاق بين العرب والعرب، وحتى بينهم والجوار، وكأنهم لا يريدون أن يستريحوا يوماً واحداً في حياتهم، وكأن هذه الشقاوة فرضت عليهم فرضاً لا فكاك منه، إذن تأتي هذه الزيارة في زمن تقلبت فيه القلوب، وكثُرتْ فيه الخطوب، وتعلو فيه نبرة الأحقاد بين الشعوب، وأصبح الصديق عدواً، والعدو صديقا، فالعرب اليوم انعكس واقعهم جحيما لا يصدَّق، وله مستفيد واحد الشيطان الرجيم، والعدو الإسرائيلي ومن ورائهم أُناس كُثر.

إنَّ عُمان تذكر لأمير الكويت مواقفه الطيبة الحميدة، حيث فتحت الكويت صدرها لتلقي توافد أبناء عُمان إليها، وفتحت مدارسها وجامعاتها للعُمانيين، ولم يفعل فعلتها الحميدة، إلا بعض دول خليجية وعربية.

وهنا اليوم لن نتحدث عمَّن كان يقاسمنا لقمتنا برضانا طبعاً، وكنا في شح عيش.. وشظف حياة، ولأننا آثرناه على أنفسنا، لنغنيه حتى لا يمد يده إلى الغريب فيخزيه، فحفظنا كرامته.. لأنه كان منا، ولكنه عندما أغناه الله من فضله، فأبطرته المعيشة والشبعة، فلم يشكر الله عز وجل، فعذرناه نحن في عُمان بعد ذلك من أن يشكر البشر، وقد علَّمتنا الحياة أنَّ الأيام دُول، فلا نسعى لخلقها بأيدينا، فهي تأتي من تلقاء ذاتها، وبتقادير من الله خالق الكون، ومقسِّم النعم؛ لذلك لزمنا فعل الخير، نحن وإياكم (عُمان والكويت) وآمنا بحكمة الله القائلة "لو خلت لفنت". إذن؛ سيظل الأمل معقوداً في نواصي الخيل العُمانية والكويتية، وسيظل جلالة السلطان قابوس مع شقيقه سمو الأمير صباح، يمتطيا خيول السلام من أجل الإنسانية والمحبة والوئام.

وإن الراكضين وراء سراب الأحلام، لن يحققوا شيئاً من أحلامهم، إلا غضب الله والبشر عليهم، ولن يظفروا إلا بخيبة المسعى، وهذا ليس حسداً منا عليهم، فلا أحد يحسد أخا على شر، وذلك نقوله عن يقين، مهما اختلفت وجهات النظر، ولكن ما زلنا وسنظل -كمواطنين- في الدولتين ندعم -بلا توقف- كلَّ مساعي الخير لزعيمي الإنسانية والسلام، آملين منهما نُصرة دين الإسلام؛ بما يخدم أمة العرب، والمسلمين في دفع الشر عن أوطاننا، ليس لأننا أخوة في العروبة، والإقليم والدين، ولكننا ندعو ذلك لكي نغلِّبُ الخير على الشر في العالم أجمع، وأن نلزم الآخرين باحترام مصالحنا، وقيمنا وعادات وتقاليدنا وثقافتنا، وأننا نرفض أن نذوب في أتون أعداء الأمة والدين، وذلك بأمر من يملك القوة، ولا يملك الأخلاق والعدل، ونحن من أختصنا الله بقوة الحق والأخلاق والعدل قبلهم أجمعين، وإن نجاحهم بإزاحتنا عن الحق، هو نصر للشيطان الرجيم، وثباتنا على هذا الحق نصر لله رب العالمين.

نكرِّر الترحيب بزعيم القلوب سليل العتوب، فأنت تزور أرض عُمان التي جعلها الله أرض سلام، فرسول الله -صل الله عليه وسلم- أدخل أهلها الإسلام ببروة في يد ابن العاص، وقد صل إلى عُمان مع بضع نفر يؤنسون وحدته في الطريق، وهذه الأرض المباركة، ظلت كذلك على الدوام، تقيم دولة مستقلة في مملكة أقر بثباتها المصطفى عليه السلام، فألف مرحباً بزيارتكم سمو أمير دولة الكويت، وقد رأيت كم هو الشعب العُماني فرحاً بمقدمكم الكريم، وألف سهلاً في زيارتكم العزيزة لأرض مُجدِّد مَجْد عُمان جلالة السلطان قابوس الهمام، فأنْ يجتمع أُسد السلام على أرض عُمان، فهو فأل خير للأمة جميعها، ونرجو التوفيق من الله لسعيكم الصادق دوماً، بأن ينعم بالخير ليس الشعبين العُماني والكويت وحسب، وإنما شعوب المنطقة في الإقليم، والشرق الأوسط، بل في الكون قاطبة.. فدُمتم في عزٍّ ومحبَّة.