ما الذي يقلق رحمة الغابشية؟

 

أحمد بن سيف الهنائي

 

كنتُ رفقة أحد الأصدقاء في رحلة علاجٍ إلى الأردن قبل سنوات، قاصدين "طبيبةً" ذاع سيطها، وهي إلى جانب مهارتها في العلاج تتمتع بلياقةٍ عالية في ذوق المُعاملة، ما أذهلني يومها أن قالت: "كيف تأتون إلينا وفيكم الدكتورة رحمة"!.

من هنا، بدأ اسم "رحمة" يتردَّد في مسمعي، وهي استشارية أولى للنساء والولادة بالمُستشفى السلطاني، وواحدة من أهم الأعمدة الطبية في السلطنة في هذا المجال، ولها حضورها اللافت سواءً على مستوى الخدمة العلاجية أو في مجال التدريس والمُحاضرات، بل والأعمال التطوعية.

المُثير في الأمر أنَّ الدكتورة رحمة في العام 2012 حظيت بتجربة مُميزة بالمملكة العربية السعودية في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث كذلك، بحصولها على شهادة الزمالة في طب الإخصاب، كان ذلك بمثابة سطوع اسم عُماني لدى الكثير من النسوة اللواتي أحببنها، كما أشارت إلى ذلك الطبيبة البريطانية من أصولٍ فلسطينية د. غادة غراب بقولها: "شاءت الأقدار أن أتزامل مع طبيبةٍ عُمانية، كانت مثالاً رائعاً في الخلق، مع مهارتها التي جذبت إليها الأنظار في تخصصها، حتى غدت مثار اهتمام الكثيرين، هي نموذج خليجي وعربي رائع، ومن الصعب أن تجمع جلال الخلق مع قوة التخصص وكسب قلوب النَّاس، وهذا ما تحترفه الغابشية بهدوء عجيب ومحبة كبيرة".

كثيرة هي عروض العمل التي جاءتها على صحن مرمر من بلدانٍ خليجيةٍ وعربية، لكنها تصر دائماً على أنَّ الوطن بحاجةٍ إليها، وأنَّها لن تجري خلف مُغريات المادة ما دامت قادرة على أن تُقدم خدماتها لأبناء وطنها، دون مثاليةٍ مفرطة، وهو ما جعلها أيضاً ترفض "الشراكة" في بعض المراكز الطبية التجارية داخل السلطنة، إيماناً منها بأنَّ العمل في المستشفيات الحكومية واجبٌ وطني مُقدس.

 في إحدى اللقاءات ذكرت عبارةً شعرت بتجليات الصدق فيها، وهي ما جعلتني أحترم هذه المرأة كثيراً، وهي تقول: "لا أحب التميز أو أن يُشار لي بالبنان، هذا يقلقني جداً"، تجد البساطة ديدناً لها، ولا تلتفت إلى المبالغة في المظهريات البراقة، فأقرب صديقاتها هنَّ من الرعيل الأول ممن لا يجدن حتى القراءة والكتابة.

رغم مشاغلها كطبيبة في المُستشفى السلطاني ومسؤولياتها الإدارية في المستشفى ووزارة الصحة والمجلس العماني للاختصاصات الطبية وكلية الطب بجامعة السلطان قابوس والرابطة العُمانية لأمراض النساء والولادة؛ لا تتردد في الاستجابة لأيّ عملٍ تطوعي أو مُجتمعي يلامس تخصصها واهتماماتها، عطفاً على حرصها الشديد على تقديم يد المساعدة الطبية لمن حولها بابتسامةٍ عامرة بالارتياح، كل ذلك دون جلبةٍ أو ضوضاء.

من يقترب منها، يشعر بجمال المرأة العُمانية في لطفٍ وتهذيبٍ وكمال خلق، تقدم درساً مثيراً في التواضع ومحبة الآخر وتقبله والاجتهاد في مساعدته، كما أنّها أنموذج رائع للفتاة العمانية التي تنطلق في مجالات العلم والطب في أرضيةٍ صلبة وسقفٍ عالٍ لا يحده فضاء.

كم أدهشتني إجابةً لها في إحدى اللقاءات التي جمعتني بها عندما أجابت عما تفخر به وما حلمها؛ قائلةً: "أفخر أني كنتُ متطوعةً مع جمعية الرحمة منذ نشأتها، وكنت قريبةً من شخصيةٍ عظيمة مثل أم هود، وأتواصل مع شخصية عظيمة أخرى مثل أم سارة، أما حلمي الذي أدعو الله أن يوفقني في تحقيقه هو أن أتحول إلى طبيبةٍ متطوعة أجوب البلاد وأقترب من الناس أكثر في أماكن معاناتهم مثل الدكتور عبد الرحمن السميط".

صدقاً نفتخر بهذه المرأة التي جعلت حب الوطن نصب عينيها، واجتهدت في أن تكون متفوقةً في مجالها، وسفيرةً رائعة للطبيبة العمانية أينما حلّت وارتحلت، وهي تؤكد دوماً على أن الوطنية الحقة في ألا تكون أنانياً فما ضيّع أوطاننا شيءٌ كإغراقنا في حب الذات على حساب التزاماتنا ومسؤولياتنا وأخلاقنا وجعلنا مشتتين غير قادرين على الإنجاز بذهنيةٍ صافية.