الإدارة بالأهداف.. فنٌ أتقنته وزارة تنبض بالحياة

 

 

حمد العلوي

إنَّ التقليد الذي دأبتْ عليه وزارة النقل والاتصالات منذ بضع سنوات، يُعدُّ أمراً متميزاً لوزارة تشعر بشفافيتها كمواطن، وليس ذلك فحسب، وإنما تشعر بأنها وزارة تنبض بالحيوية والحياة، فلا يتفاعل الأموات مع الأحياء، وهذا الفارق بين من مات معنوياً ولم يعد له حراك يدلل عليه، ولا أبالغ إذا قلت إنها تكاد تكون الجهة الوحيدة، التي أرضتْ المواطن بما تقدمه من خدمات في مستوى حاجاته في كافة أرجاء السلطنة، وهي الوحيدة التي تعدُّ خططاً لتحقيق أهدافاً محددة، فترسم لها الوقت للتنفيذ، وتتابع خططها على الواقع، وما ينجز تعلن عن إنجازه، وما تأخر إنجازه عالجته بحكمة الحريص، ولا تجد حرجاً أن تعلن سبب الإخفاق أيضاً متى وجد، وهذا ما يجعل المواطن متابعا لتلك الجهود التي يبذلها المسؤولون عن الوزارة، فلا عجب إن أعلن لها عن شكره ورضاه، وهذه الشفافية التي يتمناها المواطن، ويطمع أن يجدها من قبل كل الجهات الخدمية في الدولة.

إنَّ اللقاء السنوي الذي تعده وزارة النقل والاتصالات، والذي رأسه معالي الدكتور أحمد الفطيسي وزير النقل والاتصالات، وحضره أيضا وكلاء الوزارة، وغيرهم من كبار المسؤولين فيها، فعرضوا بتواضع جم ما أنجزوه في العام المنصرم، وهو الشيء العظيم ولا ريب، وأستعرضوا خطط الوزارة التي رسمت لها أهدافها للإنجاز في العام الجاري، بوعد منهم صدقوا في أمثاله في الأعوام الماضية، بأن يستعرضونه في لقاء العام القادم، وهذا نهج بالطبع يرضي المقام السامي للقائد المفدى قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله وأبقاه- لأنَّ هكذا كان نهجه الكريم، فعندما يجوب البراري والجبال، ويلتقي المواطنين حيث هم، فإن جلالته -أعزَّه الله- يشرح للمواطنين إنجازات النهضة العُمانية المباركة، ويعبِّر عن طموحه في إنجاز المزيد، وهو كقائد للوطن يرسم نهجاً يحتذى على الواقع، وكان يأمل من المسؤولين في الحكومة، أن يحتذوا هذا النهج القويم، ففهمته القلة وغفلت عنه الكثرة.

لقد تابعنا العروض المرئية بذهول كبير، وليس فقط من كان في قاعة العرض تابع ذلك، وإنما تابعه كافة المواطنون، وربما المسؤولون أيضاً، وذلك عبر قناة عُمان مباشر، فظل جميع مسؤولي الوزارة، يشرحون ما تم إنجازه خلال فترة العام الماضي، على مدى أربع ساعات تقريباً، ويبشرون في نفس الوقت بمشاريع كثيرة قادمة، وهي في مدى العام الجاري، وهذا الأسلوب سهل معرفته وقياسه، أما من يعد الناس بالإنجاز في عام 2040م فهذا ليس إلا هروباً إلى الأمام، عندما يعدون بما سينجزه غيرهم في المستقبل البعيد.

لقد هالنا العمل العظيم في إنجازات الطرق، خاصة إذا نظرنا إلى طبوغرافية الجغرافيا العُمانية الصعبة، فيهول النفس تلك الجبال العالية، التي حولتها عزيمة الرجال، إلى شرائح طولية تتدرج كتدرج الأهرامات الفرعونية في مصر، أو للتوائيتها كمن يصعد برج سمراء "سر من رأى" في العراق أحد عجائب الدنيا السبع؛ إذن هي مكابرة عظمى من الإنسان العُماني، وذلك في جعل الصعب سهلا ممهداً لشوارع ناعمة كالحرير، ذلك كي تعبره مسيرة النهضة العصرية، وبما يوافق احتياجات الناس للطرق اليوم، ولن تتوقف الأفكار المبدعة في هذه الوزارة، على عكس جهات كثير، ظلت وستظل تدخل وتخرج من نفس الأبواب، دون إحداث تغيير في العمل، وأحياناً يتفتق ذهنهم عن فكر بغيض، ألا وهو كيف يجعلون المراجع يقف عند الأبواب الخارجية، مرة ببصمة الأصابع، ومرة بالبطاقة الممغنطة، وتارة بتكديس الحراسة في متاريس، واجبها طرد المراجعين، ذلك تحت شعار التنظيم، وهذا التنظيم لا يجاوز الأبواب الخارجية إلى حيث تكون له فاعلية على الأداء.

إنَّ وزارة النقل والاتصالات، لا تصدُّ مُراجِعاً، ولا تتهيَّب من مقابلة الناس، ولا يشغلها واجبها العظيم عنهم، وهي تنحت فنًّا يرتسم على جبال عُمان، أكان صعوداً بالتسلق على جبال كانت بالأمس صعبة، أو بالشق الأفقي تفرد الجبال عن بعضها، أو بالثقب المحوري لعمل أنفاق في الجبال، وعدم المس بكياناتها الخارجية، كالذي يجري حالياً في جبال مسندم، إذن هي تُسهم في تأسس تاريخ عظيم، لا يقل روعة عن الأفلاج العُمانية المعجزة، التي عجز العقل البشري عن تصديق واقعها، فنسبها -لهول عظمتها- إلى عفاريت نبي الله سليمان بن داود -عليه السلام- وكأنَّ سليمان بن داود لم يحكم سوى عُمان، أو أنه جعلها منحة خاصة لأهل عُمان، دون سواهم من أهل الأرض، وهو النبي العادل، الذي أكرمه الله جلَّ في علاه بالريح تجري بأمره، ووقتها لم يبدأ الإنسان العبث في الأرض، وتقاسمها ككيانات صغيرة محددة المعالم، ولها أسوار وشباك كالذي مُدَّ في بلدان العرب، أو كالذي يبتدعه اليوم الرئيس ترامب في أمريكا.

هنيئا لعُمان هذا الجهد الكبير، وهنيئاً لجلالة السلطان قابوس المعظم -حفظه الله ورعاه- هذا العطاء التاريخي العظيم، فلكم يا سيد عُمان تُحنى الرؤوس شكراً وتقديراً ووفاء، لقد تُرجمت توجيهاتكم إلى واقع مختلف جديد كما أنتم تريدون، فلم تعد عُمان تسير على أربعة كيلومترات من الطرق المرصوفة، ولا تُعدُّ مدارسها بثلاث مدارس محدودة، ولا مستشفياتها بواحد في مطرح يتبع المبشر الإرسالي (طومس) لقد رفدتم الحضارة العُمانية، بما يوازي قدركم كقائد عظيم، ليس مُجدداً للتاريخ فحسب، وإنما صانعاً لتأريخ موازي لعمق التاريخ العُماني العريق، وشكراً وألف شكر للرجال المخلصين في وزارة النقل والاتصالات، وعلى رأسهم معالي الدكتور أحمد بن محمد الفطيسي الموقر، وأصحاب السعادة وكلاء الوزارة، وكل رجالها الأوفياء، فعُمان السلام والوفاء، ترقى اليوم أنجم السماء، وذلك في ظل قيادة سلطان الحكمة الذي سكن قلوب أهل عُمان، وكل من عرفه في هذا العالم الكبير.