لماذا نطالب بربط الأحزمة ؟!

على المطاعني

عندما نطالب بشدة بربط الأحزمة على البطون عندما تداهمنا الأزمات؛ وعندما نطالب بتغيير ثقافة الاستهلاك في المجتمع، فإننا نفعل ذلك من منطلق حرص وحب لهذا الوطن ولأجياله القادمة، كما إنّه ليس دفاعا عن الحكومة أو محاولة للوقوف معها، فهي لا تحتاج لهكذا دعم، فهي تملك مفاتيح القدرة من خلال أجهزتها ووحداتها وموظفيها. فعندما نتناول مثل هذه القضايا الملحة أو الشائكة والحاسمة والمؤلمة أحيانا على الفرد والمجتمع فإننا ننطلق من منطلقات مفادها أنّ المجتمع والحكومة هما في الحقيقة كيان واحد، وبالتالي ليس هناك مفهوم لمعنى مع أو ضد، فالحكومة تعمل في الأساس من أجل الموطن، وسُخِّرت من أجل إسعاده بكل طاقاتها وإمكانيّاتها. وهذا ما تجسد في أرض الواقع منذ بواكير النهضة المباركة عبر خطط التنمية المعلنة برامحها وأهدافها والمستمرة بغير توقف حتى اليوم.

 فمن الخطأ القول إنّ الحكومة يتعين عليها الاستجابة وبشكل فوري لكل نداء لحظي بشأن مسار ما من مسارات التنمية، فالموازنات ترصد بنحو دقيق عبر الدراسات السابقة للإعلان عن الخطط التنموية المتعاقبة والمستمرة، لاسيما وأنّ الظروف الراهنة والمعروفة للجميع فرضت لونها الداكن والمعروف لدى الجميع. وعليه وفي إطار استئساد هذا اللون وفي الظروف الراهنة؛ فإنّ المطالبة والتمادي فيها بإعطاء الفرد أو المجتمع كل ما يريد بدون مواءمة مع الظروف لا يعد نهجا صحيحا أو عادلا للوطن وللأجيال القادمة أيضا، والصحيح والأولى بالاتباع هو أنّ علينا تحمّل تبعات المرحلة بإيجابياتها وسلبياتها، وتذوق شظف العيش كما تذوقته شعوب في المعمورة شتى لعدة أمور:

أولها حقيقة أنّ استنزاف الموارد الطببعية كالنفط والغاز والمعادن بشكل أكثر من اللازم لتغطية الزيادات في النفقات الجارية وتلبية لمطالب شعبية دون مراعاة لحقوق الأجيال القادمة، فيه هضم لحقوق أبنائنا وأنانية زائدة عن الحد، خاصة وأنّ احتياطيّاتنا النفطية التجارية لا تتجاوز الـ5 مليارات برميل فقط وفق الدراسات، مقارنة بمئات المليارات من البراميل في الدول الأخرى.

فثرواتنا من النفط أو غيره ناضبة في حدود 20 إلى 30 عامًا كما تشير الدراسات أيضًا، وقس على ذلك غيرها من الثروات، فالحفاظ على هذه الموارد لا يتأتى إلا من خلال تحمّلنا جزءًا من المسؤولية في مواجهة الظروف الحياتية بتغيير سلوكيّاتنا الاستهلاكيّة، وليس عبر مطالبات للحكومة بدعم المشتقات النفطية وغيرها التي لا نستفيد منها وحدنا، فهذه ليست سلعة أساسيّة لكي تدعم كغيرها من السلع والخدمات التي تسدي لها كل صنوف الدعم، فإذا أسرفت الحكومة في استخدام هذه الثروات لمواجهة زيادة الطلبات الآنية و‏تغطية الاحتياجات المتزايدة وإسكاتا لكل ضجيج، فماذا يبقى للأجيال القادمة من هذه الثروات؟

الأنانية الزائدة تحرم أجيال المستقبل من ثروات وطنهم وتحيلهم لقارعة الطريق يتسوّلون على موائد الدول المانحة بعد أن أرقنا نحن ماء وجوههم جهلا، فهم على الأقل لا يستحقون منّا هذا المصير وإذ هم أصلا فلذات الأكباد، فهل نرضى أن تلعننا الأجيال القادمة لقاء ما فعلناه بهم ولهم؟ يوم فرطنا في حق لهم معلوم إرضاءً لنهم أنفسنا الأمّارة بالسوء.

إذن من الأفضل لنا أن نشد الأحزمة على البطون فعلا لا قولا ونتجاوز الأزمات بالمزيد من الإصرار والعزيمة والصبر، ثم علينا أن نلقى نظرة موضوعية للشعوب الأخرى في محيطنا العربي والإسلامي والعالم كله، لنستبين كيف تعيش وتعايش شظف العيش، لكنّها وفي المقابل لا ترفع عقيرتها بالصراخ كالأطفال لقاء أدنى زيادة في تعرفة البنزين أو غيره، تلك شعوب بلغت مرحلة الرشد حقًا.

الجانب الآخر الأكثر أهميّة هو حقيقة إذا كانت موارد الحكومة قليلة وطلبات ومطالبات شعبها كثيرة كما حاصل لدينا الآن فماذا عساها فاعلة الحكومة؟ من الطبيعي أن تقترض من الداخل والخارج؛ وتزايد القروض بالطبع يزيد حجم الديون، وبذلك سنورث وطننا وأجيالنا القادمة تلك الديون، بعد أن نهرب نحن من الوجود، وبالقطع لن نستمع للأنين الصادر من نياط قلوبهم، إذ هم يحملون أثقالا لا طاقة لهم بها وأوزارًا لم يرتكبوها، نحن بذلك أخذناهم ظلما وعتوا إذ عليهم أن يدفعوا أقساط ديوننا لسنوات أو لعقود طوال، هذا كلّه على حساب رغد عيشهم وعلى حساب رفاهيتهم التي أحلناها إلى رماد، ثم تركناهم تحت سياط ورحمة الدول والمؤسسات المالية الدولية التي ستفرض عليهم شروطها الجزائية وأجندتها المعلنة والخفية، وتتدخل في كل أمور حياتهم كما هو حاصل في بلدان كثيرة من العالم؛ ذاك عينه هو الاستعمار الجديد.

فإذا كان العجز المالي السنوي يبلغ 5 مليارات ريال وفق معدلات الإنفاق والإيرادات الراهنة، فإنّه يغطي بالسحب من الاحتياطي أو الاقتراض من الخارج، فكلاهما عبء؛ ثم إنّ تراكم هذا المبلغ أي خمسة مليارات كدين فإننا في الواقع لا نعرف كم ستكون الديون بعد تراكمها لعدة سنوات، ثم هل نستطيع تغطيتها بالفعل بدون عثرات، والعثرات تعني بالتأكيد المزيد من التراكم على جيلنا والجيل القادم بل على الأجيال القادمة حتمًا.

إنّ بناء الأوطان لا يتأتى بطرح مطالبات تفوق الاحتياجات وطلبات أكثر من العطاءات وعدم نكران للذات، فاليوم نحن أمام اختبار صعب في مواجهة المحن والصعوبات بالمزيد من العزيمة والإرادة التي لا تلين أمام الهزّات البسيطة، التي لا تعدو إلا أن تكون مخاضا لمواقف أصعب، فغدا سوف تطبق ضريبة القيمة المضافة، وبعدها ضريبة الدخل، فماذا سنفعل عندها؟ أليس الأحرى بنا أن نتهيأ لمثل هذه الظروف القادمة لا محالة، أم نظل في دوامة الصراخ، وادعاء الفقر والعوز، فكما يقولون من ادعى الفقر أفقره الله والعياذ بالله.

نامل أن نراجع أنفسنا قليلا، ونشكر المولى عز وجل على ما حبا به بلادنا من نعم، فبالشكر تدوم النعم "مصداقا لقوله تعالى "لئن شكرتم لأزيدنكم" ومن خلال الالتفات إلى أجيالنا القادمة فإننا نخفف عنهم الأحمال سواء بالحد من استنزاف الثروات لمواكبة زيادة المطالب وتلبيتها من الحكومة، أو نقلل من الاستهلاك للحد من تراكم الديون، فإنّها همٌّ بالليل وذُلٌّ بالنهار "والله على ما نقول شهيد"..