شِدَّة وتزول

 

سُلطان الخروصي

 

يبدو ثَمة حالة من الحيرة تُخاِلجُ تفاصيل حياة الناس منذ الربع الأخير من العام المُنصرِم، وقد بلغت ذروتها مطلع فبراير من العام الجاري؛ فلماذا بدأتْ ترتفع وتيرة عدم الرضا في المجتمع؟ وما دلالة بعض التصرفات غير المسؤولة التي يقوم بها البعض عبر نشر مواد وصور يراد بها تأجيج الموقف؟ ثم يردفها بتعليق كاذب بأنها اليوم وفي المنطقة الفلانية؟!

لكن، لماذا كل هذا ذلك؟ وما الهدف الذي ترتجيه بعض الأقلام الخبيثة في مواقع التواصل الاجتماعي عبر خلق جو كاذب في الوسط العماني وإظهاره للعالم الخارجي ووسائل إعلام أجنبية لا تريد الخير لنا؟

جُملة من الأسئلة يحق للشارع العماني ومن ينعم على أرض السلطنة أن يطرحها بملء فيه على المعنيين. والسؤال البسيط المتداول: لماذا يتحمل المواطن البسيط تبعات الأزمة الاقتصادية دون أي مساعدة أو دعم؟ بعد سنوات من الرخاء الاقتصادي وتنمية ازدهرت في ربوع الوطن؟! إنَّ الدولة بمختلف مؤسساتها تشكل قيمة معنوية واعتبارية في خلق الولاء والانتماء والتشبث بخلق فُرصِ الإنتاج والتطوير للبلد؛ حينما يكون المقابل إحقاق الحقوق وإجزال العطاء وانتقاء الخطط الإستراتيجية الوطنية الناجحة عبر دراسات الجدوى المحققة والبعيدة عن الاحتماليات وعدم النجاح.. من هنا، فإنَّ رأس مال الدولة العصرية في الوقت الحالي هو "المواطن" وليس السلعة (البترول مثلا)؛ حيث إنَّ لغة الاقتصاد الحديث تتحدث بأرقام نوعية حول تطوير الموارد البشرية والتي لا تأتي إلا بضخ الأموال والتسهيلات والتحفيز، والابتعاد كل البُعد عن أن يكون أحد أضلع "الاستغلال" لسد ميزانية المشاريع أو المناقصات أو الموازنات السنوية هو المواطن البسيط.

وفي المقابل، هناك من يتصيد في الماء العكر لإدخال البلاد في دومات من الشد والجذب، ولنا فيما يحدث حولنا في عالمنا العربي الأسوة والعبرة. وعلى الرغم من أن هذا البلد الأغر قد عانق صنوفا من الأمثلة في الذودِ عن حياض الحياة الكريمة والعزة والأنفة، إلا أنه أيضا كان ولا يزال يُشعل فوانيس المُساءلة والمُحاسبة وقراءة ما وراء الأحداث؛ فالوضع الحالي يتطلب من الجميع في مختلف القطاعات إعادة هيكلة الإستراتيجيات الوطنية بصورة تخدم في المقام الأول توفير مزيد من الحياة الكريمة للمواطن.

إنَّنا بحاجة إلى التحول نحو زيادة الاهتمام بقطاعات التنمية التعليمية والاجتماعية والثقافية والفكرية، فلا يمكن أن يستمر الوضع كما هو عليه الآن، وانتظار الفرج عبر مرور الوقت؛ ففي ذلك زيادة من التأخر عن مواكبة مستجدات العصر، علاوة على فقد الكثير من رؤوس الاستثمار العربي والأجنبي. وفيما يتعلق بالولاء الوظيفي للموظف أو العامل، فسيشهد تراجعا عندما يجد نفسه يرواح مكانه دون أي ترقية أو زيادة في راتبه، علاوة على فقد فرصة حصوله على التنمية الوظيفية من خلال الدورات الداخلية والخارجية، وانتهاج سياسات الترشيد على حساب متطلبات الوظيفة ماديا ومعنويا.

إنَّ الوضعَ الاقتصاديَّ الحالي به من التحديات الكثير، وذلك يتسبب في زيادة أعداد الباحثين عن عمل، والتي بلغت -حسب قاعدة بيانات وزارة القوى العاملة، وما ذكره معالي الشيخ الوزير أمام مجلس الشورى- أكثر من 45000 باحث وباحثة عن عمل، ناهيك عن تبعات ارتفاع أسعار الوقود ومشتقاته على حياة الناس اقتصاديا واجتماعيا ومعيشيا.

لا شكَّ أنَّ عُمان طيبة بأهلها وأرضها وكل ما عليها، وما نحن فيه إلا "شدة وتزول" بعد حين، بشرط أن تكون الصورة واضحة للعيان.. فأين نحن؟ وماذا نريد أن نفعل في قادم الوقت؟ حقيقة القول إن المرحلة تتطلب من الحكومة مراجعة القرارات التي قد تضر بمعيشة الناس بمختلف أطيافهم، ولعل من المؤكد أن المواطن حينما ينعم بحقه ويجد مؤسسته تتنافس في تقديم أجود السلع والخدمات، وأنها تسعى لحمايته من الظروف المختلفة، وأنها تُجزل له العطاءات وزيادة؛ فإنه لن يدخر جهده في تقديم المُقترحات والتنازلات لمثل هكذا ظروف تمر بها البلاد.. حفظ الله السلطان والوطن والشعب.

sultankamis@gmail.com