إيران بعيون عُمانيّة

 

 

فايزة محمد

 

أبدا تحن إليكم الأرواح، ووصالكم ريحانها والراح

وقلوب أهل ودادكم تشتاقكم، وإلى لذيذ لقائكم ترتاح

بهذه الأبيات للعارف الصوفي الفارسي شهاب الدين السهروردي المعروف بالقتيل تم استقبالنا في افتتاح مؤتمر الحوار الثقافي العربي الإيراني الذي انعقد مؤخرا في العاصمة الإيرانية طهران في الفترة من 21 إلى 23 يناير الجاري، ومثلت هذه الأبيات مع أشعار أخرى عرفانية رسالة إيرانية محملة بكثير من الرسائل الهامة وفي مقدمتها الدعوة إلى حوار يقوم على الأخوة  والصراحة والمكاشفة، ولذا حرصنا منذ اللحظات الأولى للمؤتمر أن نكون صرحاء مع أنفسنا ومع الإيرانيين؛ لأنّها بداية  الحوار الحقيقي الجاد من أجل الوصول إلى نتائج إيجابية تسهم في رفع درجة التقارب بين العرب وإيران. لقد كنا نعرف تماما أن المهمة صعبة؛ لأن ما أفسدته السياسة لا تستطيع الثقافة إصلاحها بسهولة، ولكن، ما لنا وللسياسة! لقد جئنا إلى هنا من أجل الحوار الثقافي كما هو واضح من عنوان وبرنامج المؤتمر، ولذا حرص الجميع من الضيوف والبلد المضيف على الابتعاد عن السياسة، وكان ذلك منتهى الحكمة. لقد كان استقبال الإيرانيين للوفد العماني المشارك في المؤتمر حافلا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ابتداءً من مطار الإمام الخميني حتى وصولنا إلى فندق الاستقلال حيث كان في استقبالنا كبار المسؤولين في رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية رغم أن الوقت كان فجرا. وفي افتتاح المؤتمر كانت سعادتي لا توصف عندما اتجهت نحوي امرأة إيرانية وعرفتني على نفسها بأنّها من عرب إيران من سكان مدينة خرمشهر، وقالت: بأنها سعيدة جدا بأن تلتقي مع العمانيين والعمانيات في هذا المؤتمر، وقالت لي أخرى باللغة العربية: الله يحفظم يا أهل عمان ويحفظ سلطانكم، فأنتم بنهج السلام والاعتدال الذي تلتزمون به تجعلون جميع المحبين للسلام في العالم يفتخر بكم. هذه الحفاوة في الاستقبال جعلتني أشعر بالفخر والاعتزاز بأنني عمانية ومن أبناء هذا الوطن العزيز، وهل هناك فخرٌ أكبر من أن تجد لوطنك هذه السمعة الحسنة في الخارج، كما اهتمت وسائل الإعلام الإيرانية بالمشاركين العمانيين في المؤتمر وأجرت مقابلات عديدة معهم، وأجرت معي شخصيا عدة مقابلات تلفزيونية وصحافية. وقد شاركتُ في المؤتمر بورقة عمل عن "المرأة والهوية" وأشرت فيها إلى المرأة العمانية وكيف استطاعت أن تصل إلى مراكز متقدمة في الدولة، وقد أشاد الجميع بالورقة وبالدور الكبير الذي لعبته المرأة في النهضة العمانية في ظل القيادة الحكيمة لجلالة السلطان المعظم حفظه الله. كما كان المؤتمر فرصة للتعرف على بعض الشخصيات النسائية في العالم العربي مثل الإعلامية التونسية كوثر البشراوي، والدكتورة إشراقة مصطفى حامد من السودان وتعيش في النمسا، والدكتورة فاطمة بن محمود من تونس الخضراء، والدكتورة كافية رمضان من الكويت والدكتورة بتول من جامعة الزهراء، والدكتورة زهراء وكوثر من إيران، ورئيسة جامعة الزهراء بطهران، وغيرهن.

 كما حرصتُ أثناء المؤتمر على القيام بجولة في شوارع وأسواق طهران ومشهد من أجل التعرف عن قرب على الحياة في إيران، وكيف يعيش الناس وبماذا يفكرون، وأعجبني جدا الدور الكبير الذي تقوم به المرأة هناك، حيث تجدها في الجامعة والكلية والوزارة والأسواق ومربية في داخل البيت، وحرصتُ بالتنسيق مع الأخ مصطفى محسن اللواتي  الذي كان معنا في المؤتمر على زيارة عائلة إيرانية من أجل التعرف عن قرب على الحياة الاجتماعية للأسر الإيرانية، وعلمت بأنّ حوالي 90% من الإيرانيين يعيشون في شقق بسبب صعوبة الحصول على بيت أو قطعة أرض للبناء عليها، خاصة وأنّ التعداد السكاني في إيران وصل إلى الثمانين مليون نسمة وربما تجاوز هذا الرقم الآن، كما تحرص الأسرة الإيرانية على التقليل من الإنجاب والاكتفاء بالطفل الواحد أو الإثنين على أكثر تقدير؛ فصعوبة الحالة المادية والوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه البلد الذي يعاني من حصار خانق منذ عام 1980 يجعل من الصعوبة الإكثار من الإنجاب، كما أن كثيرا من النساء الإيرانيات اللواتي لديهن أبناء يضطررن إلى الجلوس في البيت والتفرغ لتربيتهم بسبب ساعات العمل الطويلة التي تبدأ من التاسعة صباحا إلى الخامسة مساءً، وهذه نقطة تحسب للمرأة الإيرانية التي رغم الأوضاع الاقتصادية فإنها تفضل تربية الأبناء على العمل.

ومن ملاحظاتي في إيران أننا لم نصادف متسولا واحدا في الشارع، رغم أننا مكثنا خمسة أيام بلياليها في طهران ومشهد، وجُبنا في كثير من شوارعها وأسواقها ومحلاتها التجارية الصغيرة والكبيرة، وحتى في مشهد الإمام الرضا رضي الله عنه الذي يكتظ بالزوار من جميع دول العالم وخاصة العربية فإنّ النظام كان هو سيد الموقف هناك، ولم نلاحظ فوضى في دخول المشهد أو الخروج منه؛ وإنما يتحرك الجميع بانتظام وهدوء ودون أي ضجيج، وعملت أنّ هناك خمسة آلاف شخص متطوع يعملون على تنظيم حركة الزوار داخل المشهد، وهؤلاء يعملون بنظام الـ 24 ساعة ثم يستبدلون بخمسة آلاف آخرين، ويستمرهذا التناوب لمدة ثمانية أيام، ويبلغ العدد الإجمالي للمتطوعين أربعين ألف متطوع، وهناك عشرات الآلاف في الانتظار وكثير منهم يتوفاه الله دون أن يأتي دوره بسبب العدد الكبير جداً من الذين يرغبون في التطوع. وتجد هذا النظام أيضا في الأسواق والشوارع والمتنزهات والحدائق.

من ضمن النقاط التي لفتت انتباهي في إيران أيضا أن الطائرة التي كان من المفترض أن تنقلنا من مدينة طهران إلى مدينة مشهد لحضور الجلسة الختامية لمؤتمر الحوار الثقافي العربي الإيراني ثم المشاركة في حفل تدشين مدينة مشهد عاصمة للثقافة الإسلامية تأخرت عدة ساعات بسبب سوء الأحوال الجوية وتساقط الأمطار والثلوج بكثافة في مشهد، وطلب منّا الإيرانيون في مطار مهراباد في طهران الانتظار إلى حين تحسن الظروف الجوية، وبعد أقل من ثلاث ساعات من الانتظار جاء الفرج وانطلقت الطائرة إلى وجهتها، وبعد أن وصلنا إلى الفندق الذي نسكن فيه في مشهد وكان بالقرب من ضريح الإمام الرضا واجهتنا مشكلة أخرى وهي تأخر حجز الغرف في الفندق، هذا الحدث من تأخر الطائرة ثم التأخر في حجز الغرف يعتبر عاديا جدا خاصة وأن سوء الأحوال الجوية هو السبب في تأخر الطائرة وليس السلطات الإيرانية، ولكننا فوجئنا في الجلسة الختامية للمؤتمر بالاعتذارات الشديدة تنهال علينا من جميع الشخصيات الإيرانية الرسمية التي حضرت الحفل الختامي، من وزير الثقافة والإرشاد الإيراني الدكتور أميري إلى رئيس جامعة فردوسي مرورا بالشخصيات الأخرى، وهذا إن دل على شيء فإنّما يدل على الاهتمام البالغ من المسؤولين في هذا البلد بالضيوف الذين حلوا ببلدهم ضيوفا عليهم. والحديث عن إيران يطول

fayzamohd@gmail.com.

تعليق عبر الفيس بوك