الملكية الفكرية في عُمان.. التحديات والحلول (1-2)

 

 

د. يحيى الريامي

* خبير في شؤون الملكية الفكرية

لقد أصبح لدينا، ومن المتعارف عليه، اليوم أن نهوض الاقتصاد مرتبط ارتباطا وثيقا بفاعلية الإدارة وشفافيتها للجميع في كافة الإجراءات وتوابعها؛ فالتمركز غير الواقعي وتعقيد الإجراءات وضعف أساليب التواصل ومحدودية كفاءة الموظف كلها مظاهر للبيروقراطية التي تؤدي إلى تردد المستثمر ووهن عزيمة المواطن وفقد ثقته في الموظف والجهاز الإداري، اللذين من المفروض أن يكونا في خدمته. وهذه المظاهر تتنافى وتحفيز المبادرات الاقتصادية وإنعاش الاستثمار الذي يُعد أساس كل انطلاقة اقتصادية واجتماعية.

ولقد أصْبَح من البديهي اليوم أن تبسيط الإجراءات الإدارية يشكل الخطوة الأولى للوصول إلى تحديث وإصلاح الإدارة؛ إذ بدونه تبقى الإجراءات الرامية إلى تحسين علاقة الإدارة باصحاب العلاقة بلا فاعلية. من خلال هذه المقدمة، ومن واقع عملنا القريب بجانب إجراءات تسيير الأعمال في جميع إجراءات تسجيل وحفظ حقوق أصحاب الملكية الفكرية (براءات الاختراع، العلامات التجارية، المصنفات الأدبية)، نستطيع القول بأن هناك الكثير من المعوقات والسلبيات التي يدركها حقاً المسؤول كان أو الموظف ويتمادى في الانسياق والاستمرار في أدائها بسبب أو غير ذلك من الحجج الواهية العقيمة النابعة من الجهل القانوني، أو غالباً ما يكون عدم اكتراث ومتابعة ورجوع  للنصوص القانونية، فقط يكون الرد أن القانون لا يسمح أو اللائحة لا تجيز أو سوف ندرس الموضوع، دون مراعاة أهمية وماهية الحقوق الفكرية القانونية.

وأمام حجم التحديات والرهانات الاقتصادية والاستثمارية..وغيرها الكثير في الوقت الراهن، وجدت الحكومة نفسها مدعوة ليس فقط لمتابعة جهودها في مجال التنمية وتطوير الاحتياجات الأساسية، بل أيضا للقيام بمهام أخرى ذات أهمية خاصة كتهيئة الظروف الملائمة لأجل تشجيع القطاع الخاص وإقامة علاقات جديدة مع شركاء وفاعلين آخرين من أجل الدخول في شراكة حقيقية فاعلة في تهيئة الإطار العملي المناسب سواء على المستوى الإجرائي أو التنظيمي أو التشريعي.

وغنيٌّ عن البيان أنَّ التعقيد الإداري بالفكر التقليدي المتحجر أصبح عائقا للنشاط الاقتصادي ويعرقل التقدم الفكري المتواكب مع التطورات العالمية العادلة في جميع المجالات، في حين أن المنافسة الدولية باتت تقاس اليوم بمدى سرعة العمل وقابلية تنبؤ التحولات الاقتصادية. كما أن متطلبات أصحاب الحقوق بلغت حدتها، وتطورت إلى أن أصبح طالب الحق في وضع زبون له حق على الجهة الخدمية تمنحها شرعية الخدمة العمومية، ويريد منها في المقابل أن تيسر عليه متاعب الإجراءات والمتطلبات غير المنطقية التي لا تخدم الجانبين؛ وبالتالي تسقط الحقوق وتغيب الحماية القانونية عن أصحابها دون مُبرِّر، وتخسر الدولة العائد المادي بسبب غياب الجهل القانوني المتعمد في غالبية الأحيان.

وبالتالي؛ فإنَّ المقصود من هدف التبسيط والتيسير على أصحاب الحقوق يكون له مردود إيجابي كبير على الجهة التي تقوم بمنح الحماية أو إنجاز العمل بيسر ودون تعقيد أو مطالب خيالية يشمئز وينفر منها صاحب الحق، وتكون التكلفة قليلة على الطرفين؛ مما يُساعد على ازدهار ونمو النشاط الاقتصادي واللستثماري للدولة، ويمنح المبدعين وأصحاب الحقوق الحماية من التقليد والتزوير والغش. وفي الجانب الآخر، يحثهم على مزيدٍ من البحث العلمي الفكري المتجدد، وعلى مزيدٍ من الإبداعات الفكرية التي يكون عائدها كبيرا جدًّا على المجتمع والدولة على حدٍّ سواء. كذلك ينعكس ذلك التيسير على الحياة اليومية للمواطنين؛ وذلك بتبسيط العلاقة والتواصل بين الإدارة والمستفيدين من تلك، ناهيك عن جودة الخدمات التي سوف تزدهر ويتغنى بها القاصي والداني، والتي بدون شك ستكون فاعلة بين أطياف المجتمع المحلي والدولي. كما أنَّ ضمان المساواة أمام المرافق العمومية والإدارية، وأيضا القضاء على السلوكيات السلبية داخل الإدارة من استغلال النفوذ والفساد وغيره من المحسوبيات له دور إيجابي أيضاً.