من يتحمل فضلاتنا!

 

علي المطاعني

 

يُتداول في مواقع التواصل الاجتماعي مظهر غير لائق؛ تمثّل في إلقاء الفضلات في شاطئ القرم أفضل المتنزهات بمحافظة مسقط، بعد انتهاء فعالية أقامتها إحدى الجاليات في السلطنة، وتفاعل كالعادة الكثيرين مع هذا الموضوع ساخطين على الذين رموا القاذورات في الشاطئ أو الشواطئ والأماكن العامة بعد الانتهاء من الاستمتاع بهذا المكان وغيره، وضرورة ضبط هذه الممارسات اللا إيجابية التي تلطخ الأماكن الجميلة، وفرض غرامات قاسية على كل من تسول له نفسه تشويه هذا الوجه الحضاري الجميل.

وهنا نطرح موضوعا يتطلب مناقشته على نطاق واسع ألا وهو فرض رسوم على الفضلات المهملة، تُصرَف في جمعها وإعادة تدويرها عبر منشآت صناعية حديثة كما هو الحال في الدول المتقدمة، هذا الإجراء البيئي الهام سيقدم درسًا بالغ الأهميّة للسكان مفاده وجود وجه مشرق لضريبة تحمل المسؤولية وأنّ هناك ثمنا يتعيّن دفعه في ما يختص بتبعات التصرفات الخاطئة، كما أنّ ذلك يعني أيضًا أنّ الحرص على النظافة هو في الأساس أمر ربّاني ربطه الله عزّ وجل بالإيمان كلمة ومعنى.

وعبر نظرة موضوعيّة للمجتمعات المتحضرة في الدول المتقدمة نجد أنّ النظافة أضحت سلوكا إيجابيا وفطريا ولا إراديا هناك، فلا غرو أن نحرص نحن من باب أولى عليها واعتناقها سلوكا ومذهبا ولكل أطياف المجتمع.

وعندما يدرك الفرد أن النظافة وإزالة النفايات من مهام جهات أخرى تقوم بتلك الخدمات الجليلة وبالمجان، عبر عمالة منوط بها هذا العمل الراقي يتبعون للبلديات والتي بدورها قد تستعين بشركات عبر عقود طويلة أو قصيرة الأجل، هنا تتولد اللامبالاة كرد فعل طبيعي وفطري فالإنسان يجنح للسهل وبغير أن يفطن كيف أمسى هذا السهل سهلا، غافلا في الوقت ذاته عن جهود مُضنية يبذلها جنود مجهولون يسهرون ويتكبّدون المشاق من أجل أن نحيا في بيئة تليق بانسانية الإنسان.

ما يتعيّن إيضاحه وبلورته هنا هو حقيقة أنّ الفرد يجب أن يكون مسؤولا ويتحلى بروح المبادرة إزاء الحرص على سلامة بيئة مجتمعه وقريته ومدينته ومسؤولا عن كل تصرف يقوم به، وبذلك سيغدو مجتمعنا نموذجا للمجتمعات المدنية التي تنشد الكمال والتوهج البيئي مع التسليم إنّ الكمال لله وحده.

في الحقيقة استبشرنا خيرا عندما علمنا بوجود دراسة تهدف لفرض رسوم على إدارة النفايات في البلاد بمقدار 1.600 ريال في الشهر على كل منزل في السلطنة، علما بأن جمع وإدارة النفايات يكلف الدولة 100 مليون ريال سنويا، وهو مبلغ ليس بالبسيط إذ يمكن أن يوجه إلى قطاعات أكثر أهميّة كالتعليم والتربية والجوانب الاجتماعية وغيرها الأكثر أهمية للمواطن، ولكن فرض رسوم على جمع الفضلات وإدارة النفايات في اعتقادي مهم ليس لتوفير الأموال وإعادة توجيهها، بقدر ما يرمي لترسيخ سلوكيات إيجابية في المجتمع باهمية النظافة وكيفية تصريف الفضلات والقمامة بشكل سليم يحافظ على البيئة، فليس هناك من يرفض مثل هذه الإجراءات إلا من لديه سلوكا مخالفا لمعنى النظافة وأهميتها لحياة الفرد والمجتمع .

اليوم نحتاج إلى المزيد من التنظيم لهذا القطاع بقدر يتحمل فيه كل فرد مسؤولية نفاياته، بل من العيب أن تتحمل أي جهة أخرى حتى وإن كانت الحكومة نفاياتنا التي نخرجها من بيوتنا ومحلاتنا التجارية، فتحمل تكلفة إزالة النفايات يجب أن تكون مسؤولية الفرد والمجتمع من خلال دفع ما نلفظه من فضلات زائدة عن حاجاتنا أو مخلفات ما نأكله وما نشربه وما نلبسه. لا يجب أن ننظر إلى كل مسعى يستهدف توجيه المجتمع إلى السلوك الصحيح بأنّ الهدف منها فرض رسوم أو جبايات وغيرها من المصطلحات التي يدغدغ بها البعض مشاعر العامة.

بل يجب أن نكون جميعًا على قناعة بأنّ النظافة مقدسة في سلوكيّاتنا التي يجب ألا نزايد عليها أو أن نتهاون فيها، فالسلوكيات الخاطئة لا يجب تبريرها تحت أي ظرف كان إذا أردنا لبلادنا أن تبقى نظيفة وجميلة، فما نشهده في الشوارع والشواطئ وأمام المحلات والمطاعم خاصة من رمي للفضلات وتراكم القمامة، يثير الاشمئزاز وليس الامتعاض فحسب، تلك سلوكيات يجب ضبطها وتجريم وتقديم مرتكبيها للعدالة.

للأسف نرى عمال البلديات يقومون بكنس الفضلات من الشواطئ والبساط الأخضر بشاطئ القرم خاصة أيام العطل الأسبوعية بعد أن لفظتها العائلات التي تسرح وتمرح طوال اليوم ولم تقوى على حمل ما خلفته إلى الصناديق المخصصة للقمامة، ونرى عمالا يجوبون الشوارع لجمع ما يرميه قائدو المركبات ومن معهم من قاذورات، في مظهر غير حضاري على الإطلاق.

مؤسف أن نصل إلى هذه المرحلة من اللامسؤولية في النظافة، إلا أنه كما أسلفنا عدم وجود ضبط وغرامات ورسوم على الفضلات وإدارتها، من الطبيعي أن تجد مثل هذه الممارسات وأكثر، لذا لا يجب أن نتهاون أو نتعاطف مع هذا الجانب الذي يجب التسريع في سن التشريعات والقوانين وإيجاد ما يسمى بالضبط القضائي وفرض رسوم على جمع وإدارة النفايات.

للأسف البعض يشجع على السلوكيّات الخاطئة لعدم إدراكه لموجبات الفرد ودوره في المجتمع، ويسير عكس التيار متعمدًا في تكريس واضح وفاضح لمعنى لا مسؤولية الفرد والمجتمع.

بالطبع ستواجه مثل هذه التوجهات بالرفض ممن لا رغبة لديهم في أن تكون بلادنا نظيفة أو من الرافضين عنادا للتوجهات الحديثة التي تسهم في صياغة الفرد المسؤول عن تصرفاته.