هل يبدأ عصر الانكفاء الأمريكي؟!

 

 

ما لَبِث دونالد ترامب أنْ يُؤدِّي قَسَم اليمين رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، حتى أطلقَ خطابا مُثيرا للجدل عَكَس في كثيرٍ منه النزعة الشعبوية التي دفعتْ به إلى سُدَّة الرئاسة في أكبر اقتصاد عالمي والدولة العظمى قاطبة. واتَّسم باقي الخطاب بتبنِّي رؤية قاتمة للأوضاع في أمريكا، رغم ما تُحقِّقه من تقدُّم على مستوى النمو الاقتصادي، أو تحسُّن الأوضاع الاجتماعية.

ترامب -الذي قادَ حملةً انتخابيةً شهدتْ انقساما حادًّا في صفوف الأمريكيين، بل ولجأ إلى وسائل أثارتْ حفيظة من حَوْله وقادة الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه- جدَّد المخاوفَ المرتبطة بسعيه المحموم لانكفاء أمريكا على نفسها، بعدما رَفَع في خطاب التنصيب شعار "أمريكا أولا"، وهو الشعارُ الذي يُؤكِّد سياسته العامَّة إزاء بلاده. وفيما يَرَى بعض المحللين أنَّ ترامب قد يزج ببلاده في نَفَق مُظلم قد لا تصل لنهاية له، يُصرُّ الرئيس الأمريكي الجديد على أنَّه سيسعى لاتخاذ أي قرار لصالح الأمريكيين وعائلاتهم، وهو ما تبعه بتأكيدات من أنَّ أسلافه من ساكني البيت الأبيض لم يقوموا بما يَنْبَغِي عليهم فعله خلال سنوات حكمهم.

المثيرُ في شخصية دونالد ترامب أنَّه يُؤكِّد يوما بعد الآخر أنَّه سيتبنى سياسة انعزالية للولايات المتحدة؛ الأمر الذي أثار الرِّيبة والشك في الأسواق العالمية؛ فتعرَّض الدولار لموجة خسائر أثَّرتْ بدورها على الأسهم والمؤشرات حول العالم. فلا شك أنَّ الاقتصاد الأمريكي لا يمكن أن ينفصل عن المنظومة الاقتصادية في العالم، فضلا عن أنَّ الدولار الأمريكي يُمثِّل عُملة الاحتياط العالمية؛ لذا فإنَّ أي زعزعة لاستقرار الاقتصاد الأمريكي -سواء عبر سياسات حمائية أو محاولات لإنتاج نظام ضريبي وإلغاء بعض اللوائح الاتحادية بشأن قطاعات الإنتاج- ستضرُّ بكل تأكيد اقتصادات العالم أجمع.

التوجُّه الجديد لأمريكا لن يتَّضح قبل مضي 3 أشهر على أقل تقدير، وكما فاجأ ترامب العالم بفوزه العريض على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، ربما يُكرِّر المفاجأة وينكص عن تعهُّداته التي أثارتْ مَوْجَات غضب حتى في دولة الجوار الأولى لأمريكا: المكسيك، التي وَعَد بأن يُشيِّد جداراً فاصلاً معها. ورغم أنَّ الانعزالية الأمريكية ربما تلوح في الأفق، لكنَّ الآمال معقودة على أنْ يُسهم ذلك في أنْ ترفع الولايات المتحدة يدها عن منطقتنا، وأنْ يكون تدخُّلها لصالح حقوق الشعوب المستضعفة، لا من أجل إطالة أمد حرب أو استنزاف موارد.

تعليق عبر الفيس بوك