أمَا آنَ لنا؟!..

 

عبد الله العجمي

 

من المُلاحظ لنا جميعاً أننا نعيش في زمنٍ قد تبدَّلت فيه المفاهيم وانقلبت فيه الكثير من الموازين، وتغيَّرت ثوابت عدّة كُنا نعتقد يقيناً أنها لن تتغيّر.. الكل أيضاً يُلاحظ أنَّ الاستعمار الغربي بدأ يندثر عسكرياً لكنه في المُقابل يتنامى اقتصادياً.. لم يبقَ للغرب أدنى حاجة للسيطرة عسكرياً على الأرض أو الميدان.. لكننا نجد في المُقابل أنَّ الحاجة للسيطرة على ثرواتنا واقتصادنا بدأت تزداد وتطّرد يوماً بعد يوم.. كل ذلك يتمّ برضانا وطوعنا دون أن نعلم.. لنرزح تحت ذُلّ الحاجة إليهم.. فقراء لهم مهما بلغت أرصدتنا.. مُستغلين التقنية التي تنقصنا، كل ذلك لاستقطاب أموالنا وجذبها إليهم لاستثمارها.. فيتم شرعنة عمليات السرقة الحاصلة لمواردنا الخام كي يُعيدوا تصديرها على شكل أدوات وآلات أمسينا لا نستغني عنها في حياتنا اليومية..

وأصبح لجميع عملاتنا اسم آخر موحّد لديهم:  البترودولار، والمُلاحظ أننا لا نملك من هذه العملات إلا الرقم ولا نستطيع الاحتفاظ بهذا الرقم أيضاً إلا لديهم وفي بنوكهم.. خيرات أرضنا مصيرها في أيديهم.. فنحن وما نملك طوع أمرهم شئنا ذلك أو أبينا.. نملك من أوطاننا الأرض فقط أما ما تحتها وما فوقها فهي تحت تصرفهم.. فكل الآلات التي نستخدمها في شركاتنا ومصانعنا ومستشفياتنا ومنازلنا كلها من صنعهم .. وهم من يمتلكون سرها وأسرارها.. وكما أن قطع الغيار لكل هذه الأجهزة ضرورة لاستمرارية تشغيلها وبقائها، فلو فرضا –لا سمح الله- أوقفوا تصنيعها وتصديرها إلينا لتوقفت حياتنا.. وسيتوقف جميع ما يمشي على شبكات الطرق لدينا والتي أساسًا هم من هندسها وصممها وسفلتها..

في خضمّ كل ما يحدث ويجري فإنَّ البعض منِّا ربما يصدّق النَّظرية القائلة بأنَّ هدف الغرب من هذا الغزو الاقتصادي هو ضرب الإسلام في عقر داره.. أقول لهذا البعض: لا تقلقوا، فهذه المُهمة تصدّى لها المسلمون وحدهم.. هاهم يقتتلون اليوم لأتفه الأسباب وأصغرها..

لماذا هذا التَّعامي عن حقيقة باتت جليّة وواضحة للجميع إنِّهم يسرقون أموالنا منِّا.. ولكن برضانا وطوعنا وموافقتنا..

النفط مثلاً: أليسوا هم من نقّب عنه، واكتشفه واستخرجه وكرره وصنّعه ثم عاد ليُصدّره لنا بثمن هو يحدّده؟؟ كنّا مالكي هذه الأرض قبل اكتشاف البترول فيها وسنعود أصحابها بعد نضوب نفطها وجفاف آبارها.. وبين هذا وذاك نبقى نحن بمثابة: المؤجّر لهم.. والكل يعلم أنَّ حقوق المستأجر تفوق بمراحل حقوق المؤجر في بلداننا، فلم العجب؟؟

هم يحترمون الوقت وقيمته والعمل وأهميته والعقل وعبقريته.. فبنظرهم أنّ هذا النفط قد انبثق من أرضك دونما جهد منك، فليس من المصلحة إيقافه بعد اعتيادنا على حياة الرفاهية دونما تعب وجهد.. أصبحنا – ولتعذروني على هذا التوصيف- كالقطعان ننتظر العلف.. بعد أن ضيعنا الأمانة التي أوصانا الله تعالى بها.. فقد أصبحت أراضينا حقولَ تجارب لأسلحتهم.. وتدار على أراضي أمتنا العربية والإسلامية رحى حروب هم أسسوا لها ونحن من أخذنا على عاتقنا تنفيذها.. هل علمتم مكمن الخلل فينا، فلنا نعوش الموت ولهم أكاليل الحياة، نحن نصنع موتنا بأيدينا بينما هم من يصنعون الحياة بابتكاراتهم واختراعاتهم اللامتناهية..

إنَّ أعظم استثمار يُمكن أن يُستثمر هو استثمار العقول والطاقات الشبابية.. هل لكم أن تتخيلوا كم هو عدد العقول المُبدعة في أوطاننا ولم تُستثمر أو بالأحرى لم تُكتشف بعد، وكم من فكرة مبدعة لم تُشعل شمعة التنفيذ، أو بالأحرى لم تر النور في الأساس..

أتذكّر في هذا المقام مقولة للعالم والفيلسوف المصري مصطفى محمود: "إذا نزل مؤمن وكافر إلى البحر، فلا ينجو إلا من تعلّم السباحة.. فالله لا يُحابي الجهلاء.. فالمسلم الجاهل سيغرق؛ والكافر المتعلّم سينجو"..

أما آن لنا أن نأخذ بالأسباب؟!