شهادات جامعية للبيع!

 

 

سلطان الخروصي

 

يُشكِّل الاقتصاد أحد أهم الروافد الحقيقية لتدفُّق التقدم الحضاري في شرايين الدولة العصرية، والشباب هم الخامة النوعية الناجعة لرفع جودة الاقتصاد وتطوير أركانه الأساسية، وما إنْ يتم تهميش هذه الطبقة بطريقة أو أخرى وفق النظرة الارستقراطية التي تفاضل الملائكة عن البشر، أو بسبب سوء تخطيط إستراتيجي وطني فإنَّ ذلك يجعل الدولة ومؤسساتها على كف عفريت.

ولنا فيما سُمِّي بـ"الربيع العربي" خير شاهد وبرهان؛ فالمتتبع لحيثياث ذاك الحِراك الذي لم يفرز حتى اللحظة سوى الخراب والدمار وارتفاع مؤشر الخسائر الاقتصادية والمعيشية وهز النسيج الاجتماعي، يجد أن سببه كان البطالة وتكدس جموع غفيرة من مُخرجات التعليم العالي والتي وجدت نفسها في وحل "لا وظائف لدينا"؛ مما خلق بيئة خصبة للسخط الفكري والوجداني وإيجاد مساحة شاسعة لتغير مؤشر بوصلة الولاء للدولة ومؤسساتها إلى الغضب وحب الانتقام وإن كلف ذلك انتهاج سياسة الأرض المحروقة.

وقد ألقت مُتغيرات البيت العربي بشظاياها على دول مجلس التعاون الخليجي، فشهدنا حركات شبابية غاضبة في البحرين والسعودية وعُمان منذ 2010 وذروتها في العام 2011، والتي دفعت قيادات الدول لاتخاذ قرارات لمعالجة الأزمة. وذلك السيناريو خطه قلم رصاص الباحثين عن عمل، والسؤال الأهم الذي من المفترض تم وضعه بالمانشيت العريض هو: لماذا نسبة الباحثين عن عمل في ازدياد على الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومات الخليجية للحد من الوقوع في أزمة البطالة المتفشية؟ وهل تدرك الحكومات الخليجية خطورة البطالة بشقيها الظاهرة والمُقنعة؟

بعيداً عن المحيط العربي والخليجي، وولوجا إلى بيتنا العماني، نجد أنَّ المؤشر الذي قدمه معالي وزير القوى العاملة في جلستي مناقشته بمجلس الشورى تبعث في النفس القلق إزاء المرحلة المقبلة كما أنها تطرح جملة من التساؤلات التي سنُذيلها في ختام المقال. فحينما يصل عدد الباحثين عن عمل والمسجلين في قاعدة بيانات الوزارة حتى بداية العام الجاري إلى ما يربو على 45056 وجلهم من الفئة المنتجة ما بين 25-29 عاما، فذلك مؤشر خطير يُنذر بتكدس هذه الفئة في رحم المجتمع دون إعطائهم مساحة الإنتاج والعمل؛ مما يفتح المجال لهم لسلك دروب ربما تشكل خطرا على الدولة والمجتمع. وبقراءة دقيقة لنوعية تلك الجموع المنتظِرة للتوظيف نجد أن غالبيتها من حملة الشهادات الجامعية مما يزيد من حالة عدم الرضا. فحسب الإحصائيات الرسمية للوزارة بلغ عدد الباحثين عن عمل النشطين من حملة الماجستير 113 أي ما نسبته 0.250%، وحملة شهادة الدكتوراه 5 أي ما نسبته 0.011%، وحملة البكالوريوس 19430 أي ما نسبته 43%، وحملة دبلوم التعليم العام وما يعادله 18123 أي ما نسبته 40%، وأصحاب ما دون دبلوم التعليم العام 7385 أي ما نسبته 16%.

إذن، ما هي الحلول التي وُضعت سلفا لهذا العدد من الباحثين عن عمل لمثل هذه الظرفية؟ وما هي الإستراتيجيات التي من المفترض تنفيذها في مثل هذه الأزمة؟ وأين الخلل في ارتفاع هذا المؤشر؟ وهل هي متطلبات سوق العمل أم مخرجات التعليم؟ وهل تؤمن الحكومة حلم الجيل الصاعد الذي يقدم شهاداته الجامعية لها لحصول على ما يعتقده من حقه في التوظيف أم يعرض شهادته للبيع؟!

sultankamis@gmail.com