"الادعاء العام": أكثر من 7 آلاف جريمة إيذاء بسيط في الأعوام الأربعة الأخيرة

 

 

مسقط - الرُّؤية

قال عيسى بن سالم الشبيبي رئيس ادعاء عام ومدير إدارة الادعاء العام بمطرح، إنَّ عدد قضايا الإيذاء البسيط بلغ خلال الفترة من عام 2012 إلى 2016  ما مجموعه 7 آلاف و363 قضية من مجموع القضايا الواردة إلى الادعاء العام، والذي بلغ 192 ألفا و802 قضية بنسبة 3.82%، بينما بلغ عدد قضايا الإيذاء البسيط خلال العام الماضي 873 قضية من مجموع القضايا الواردة إلى الادعاء العام خلال 2016، والذي بلغ 33 ألفا و322 قضية بنسبة 2.51%.

وأشار الشبيبي إلى أنَّ المشرَّع العُماني كفل للإنسان الحق في سلامة جسده، وذلك من خلال تجريمه لأفعال الإيذاء البدني (إيذاء الأشخاص)، بنصوص المواد أرقام (247، 248، 249، 254، 255) من قانون الجزاء الصادر بالمرسوم رقم (7/74)، وترجع العلة في تعدد النصوص القانونية المجرمة لأفعال الإيذاء إلى أنَّ للإيذاء البدني أنواعًا ودرجات متعددة، فهو يُرتكب قصداً أو عن غير قص د،كما أنه يختلف في مداه، فقد يكون يسيراً أو جسيماً أو بالغ الجسامة.

مشيرًا إلى جريمة الإيذاء المقصود وهي "جنحة الإيذاء البسيط" والتي نصت عليها المادة (247) من قانون الجزاء بقولها: "يُعاقب بالسجن حتى ستة أشهر أو بغرامة من ريال واحد إلى عشرين ريالاً أو بإحدى هاتين العقوبتين كلُّ من أقدم على ضرب شخصٍ أو جرحه أو إيذائه دون أن ينجم عن هذه الأفعال مرضٌ أو تعطيلٌ عن العمل لمدةٍ تزيد على عشرة أيام. تتوقف الملاحقة على شكوى المتضرر وتسقط دعوى الحق العام بتنازل الشاكي عن دعواه، وإذا كان حُكم في الدعوى فتسقط العقوبة".

وبحسب الشبيبي، فإنه وباستقراء هذا النص التجريمي نجد أنَّ فعل الإيذاء في هذه الجريمة لا يخرج عن كونه مساساً بسلامة جسد المجني عليه، بأيِّ صورةٍ كانت، سواءً بالضرب أو الجرح أو الإيذاء بشكلٍ عام، بشرط ألا يتولَّد عن الإيذاء مرضٌ أو تعطيلٌ عن العمل لمدةٍ تزيد على عشرة أيام، وإلا أصبحنا أمام جريمة الإيذاء المقصود البليغ التي نصت عليها المادة (248) من القانون ذاته.

 

أركان "الإيذاء البسيط"

وتابع الشبيبي بأنَّه وبالحديث عن أركان جريمة الإيذاء البسيط، فإننا نجد أنها تشترك مع غيرها من جرائم الإيذاء المقصود، سواءً بالنظر إليها من زاوية الحق المعتدى عليه (جسد الإنسان)، أو من خلال الفعل المُرتكب (ضرباً أو جرحاً أو إيذاءً)، أو من ناحية مُرتكب الإيذاء.. فيُعرف الركن المادي في جرائم الإيذاء بأنه هو كلَّ فعلٍ ينطــوي علــى مساسٍ بغير حق بجسد إنسان؛ فالسلوك المُؤثم هو (فعل الإيذاء)، ومحله المادي (جسد الإنسان)، من ثم فإنَّ صفة الإنسان تخرج ما عداه من كائنات كالحيوان والجماد، كما أنه يسقط عن الفعل وصف الجريمة إذا لابسه سببٌ من أسباب الإباحة. أما الركن المعنوي في هذه الجريمة، فإنه يتمثل في علم الجاني بما يقع منه من فعل، وبما يترتب عليه من نتيجة، مع اتجاه إرادته إلى ارتكاب ذلك الفعل، وتحقيق تلك النتيجة؛ لذلك يكفي لقيام جريمة الإيذاء تحقق عنصري القصد الجنائي من علمٍ وإرادة، مع عدم اشتراط نية خاصة.

وألمح الشبيبي إلى أنه ومما تجدر الإشارة إليه أنَّ المشرع العُماني في مادة التجريم قد ذكر الضرب والجرح والإيذاء بوصفها من الصور التي تنال من سلامة الجسد، ولكلٍّ معناها الخاص بها، إلا أنها تشكل وفقاً للمعنى القانوني لها الاعتداء على سلامة الجسد، لذلك وجدنا أن معنى الإيذاء يكفي للدلالة على ما يلحق بجسد المجني عليه عن طريق الضرب أو الجرح أو الإيذاء ذاته، وإلى هذا الاتجاه ذهبت المحكمة العليا في الطعن رقم (50/2005م) فجعلت لفعل الإيذاء مفهوماً واسعاً يستغرق كل أشكال العدوان على سلامة الجسم، وذلك من خلال قولها: (أنَّ جريمة الإيذاء تقوم على ركن مادي قوامه سلوك الجاني المتمثل بالضرب أو الجرح أو الإيذاء الذي يؤدي إلى المساس بسلامة جسم المجني عليه، وقيام رابطة سببية بين فعله والنتيجة المترتبة عليه، ويتوافر القصد الجنائي كلما ارتكب الجاني الفعل وهو عالم بأركان الجريمة واتجهت إرادته إلى تحقيق الفعل والنتيجة).

وفيما يتعلق بعقوبة جنحة الإيذاء البسيط؛ قال الشبيبي: إنَّ العقوبة التي قررها المشرع لهذه الجريمة هي السجن حتى ستة أشهر، والغرامة من ريال واحد إلى عشرين ريالاً، أو بإحدى هاتين العقوبتين. وقد تبدو العقوبة هنا غير متوازنة؛ بحكم أنَّ القاضي هنا يكون مُخيَّراً بين السجن الذي قد يصل إلى ستة أشهر أو الغرامة التي حدها الأقصى عشرين ريالاً فقط، إلا أنه بالنظر إلى نوعي جنحة الإيذاء البسيط يكون بالإمكان تفهم ذلك الفارق بين نوعي العقوبة، فقد تكون جريمة الإيذاء البسيط قائمة بمجرد حصول أي درجة من الإيذاء، حتى وإن لم يترتب عليه أي أثرٍ أو نتيجةٍ معينة، وهنا يجب أن تكون العقوبة المقابلة لهذا الفعل متلائمة مع بساطته، والعكس، ففسح المشرع لقاضي الموضوع مجالاً واسعاً وهو يمارس سلطته التقديرية في اختيار العقوبة بما يتناسب وجسامة الإيذاء.

وأكد مدير إدارة الادعاء العام بمطرح  على أنَّ المشرع العُماني شدَّد عقوبات جنح الإيذاء المقصود سواء أكانت جنحاً بسيطة (موضوع مقالنا) أم جسيمة إذا ما اقترن ارتكاب أيٌّ منها بظرف من الظروف التي يشدد على ضوئه عقاب جريمة القتل البسيط، إما إلى السجن المطلق وإما إلى الإعدام، فقد جاء في المادة (250) من قانون الجزاء القول بأنه: "تشدد عقوبات الإيذاء المذكورة في المواد السابقة وفقاً لأحكام المادة 114 من هذا القانون، إذا اقترف الفعل بإحدى الحالات المبيَّنة في المادتين 236 و237 من هذا القانون". كما تجدر الإشارة إلى أنَّ العقوبة المقررة لجُنح الإيذاء المقصود من المُمكن أن تكون مُخففة، وذلك في حال اقترانها بعُذرٍ أو ظرفٍ مُخفف.

مشيرا إلى أنَّ المادة المذكورة في فقرتها الأخيرة نصَّت على أنه: "تتوقف الملاحقة على شكوى المتضرر وتسقط دعوى الحق العام بتنازل الشاكي عن دعواه..إلخ"، ومن هُنا تجدر الإشارة إلى أنَّ جريمة الإيذاء البسيط تعد من الجرائم التي لا يمكن للادعاء العام تحريكها أو السير فيها إلا بموجب شكوى صادرة من الفريق المتضرَّر سواءً أكانت شفهية أو كتابية، عملاً بالأحكام الواردة بمادة الاتهام، ونص المادة (5/1) من قانون الإجراءات الجزائية، كما أنَّه يسقط دعوى الحق العام بتنازل الشاكي عن دعواه في أي مرحلة كانت عليها الدعوى، وفي حال ما إذا كان قد صدر حكم في الدعوى وتنازل المجني عليه عن دعواه، فإنَّ العقوبة الصادرة بحق الجاني تسقط هي الأخرى.

تعليق عبر الفيس بوك