الإنتاجية بين فكَّي كماشة

 

 

راشد الهادي

الإنتاج أو الناتج هو عبارة عن مُخرجات لأفعال يقوم بها الإنسان قد تكون محسوسة أو عكس ذلك. في حين نجد أن المخرجات قد تكون تحقيقًا لأهداف مرسومة؛ فيكون العمل لتحقيقها يتسم بالنظام والموضوعية، وقد تكون خبط عشواء فينتج من الأفعال مخرجات بسيطة غير مرضية.. ولكن، كيف تكون الإنتاجية من منظور المؤسسات الحكومية و الخاصة؟!

من الملاحظ أنَّ لكل مؤسسة أهدافا وتطلعات مكتوبة حول الرؤى المستقبلية التي ينبغي تحقيقها؛ فتدفع لذلك الغالي والنفيس، وتسعى لتوفير الجو الملائم لتحقيق هذه الأهداف. ولكن الملاحظ أن الإنتاجية تختلف تماما عن المأمول والمرجو لتحقيقه في المؤسسات الحكومية عنها في المؤسسات الخاصة، فما سر هذا التباين؟!

الأمر واضح وجلي أن "الإدارة" هي الركيزة الأساسية التي تقوم بدفع عجلة العمل في المؤسسة نحو تحقيق الأهداف ومراقبة العمل بشكل يسهل سير المنظومة العملية نحو الأفضل.. فلو نظرنا إلى المؤسسات الخاصة، فهنالك إدارة ورقابة من "أصحاب المؤسسة" ذاتها؛ فأمر الإنتاجية يعنيهم كثيرا، فلا كلل ولا ملل نحو تحقيق الأهداف الأسمى للمؤسسة. أمَّا عن المؤسسات الحكومية، فالإدارة لا تنظر من هذا المنظور، وإنما ترى تغطية ساعات العمل هو الهدف؛ فلا تكون الإنتاجية بالصورة المأمول منها لتحقيقه، وأن المدخلات من طاقات بشرية وأموال هائلة لا توازي المخرجات في شيء وكل مرة نسمع عن عجز هنا وهناك!!

"الإدارة" يقع على عاتقها مسؤوليات جمَّة؛ فهي المحرك لطاقات الموظفين والمراقب لسير العمل؛ فالمسؤول المباشر إلى مساعد المدير إلى المدير...إلخ هم المعنيون بهذا الأمر وهم مسؤولون أمام الله عن العمل المناط على عاتقهم؛ فالحقيقة أنَّ تقصير الموظف في العمل أمام مرئى من مسؤوله إنما هو دلالة واضحة على ضعف المسؤول؛ فالموظف لا يرفع شعار اللامبالاة والتقاعس عن بذل الجهد إلا وخلفه مسؤول ضعيف لا يعي من الإدارة إلا مكتب خاص يجلس فيه، أو أنه مسؤول مشغول بتجارته الخاصة فليس لديه من الوقت للمؤسسة الحكومية إلا اليسير لا يقوى على تحمل عبء هذه المسؤولية رغم تمسكه بها. فلو نظرنا بعين التمحيص كيف تقلد هذا الموظف زمام المسؤولية رغم ضعفه نجد الجواب واضح وجلي، في بعض المؤسسات نجد أن اختيار المسؤول يكون إما بالأقدمية أو بحصول الموظف على مؤهل أعلى بين أقرانه. لم يراعَ في اختيار المسؤول على الكفاءة وفتح باب التنافس لهذا المنصب الهيكلي الذي يقع على عاتقه الكثير من المسؤوليات. فقد يكون من بينهم موظف لديه من الفراسة والحكمة وحب العمل ما يجعل المؤسسة تسير نحو تحقيق أهدافها وتطلعاتها. بما أن المسؤول يؤثر على من كلف بالإشراف عليهم كموظفين تدريجيا إيجابا أو سلبا؛ فكان من الواجب تحري الدقة في اختيار الموظف المناسب لهذا المنصب.

أرى من وجهة نظري أنَّ الوظائف الهيكلية يجب أن تكون متزامنة تماما مع الإنتاجية، فإن أثبت المسؤول جدارته ثبت في مكانه وإلا أرجع إلى وظيفته وعين من هو أجدر منه، لأن مكوثه يقتل الإنتاجية ويجر المنظومة إلى الهلاك.. قال الله تعالى على لسان يوسف عليه السلام: "قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم" (يوسف:55)، ولو كُلِّف غير يوسف عليه السلام لهلك الناس جوعا.

وبهذا.. يحرص المسؤول على بذل مزيدٍ من الجهد لكي يتمسَّك بمنصبه، فتسير عجلة الإنتاجية بأمان واطمئنان.

تعليق عبر الفيس بوك