اهتمُّوا بمعالجة التلوث الضوضائي

 

 

خالد الخوالدي

 

مُناسبة يوم البيئة العُماني -الذي يُصادف 8 يناير من كل عام- لابد أنْ لا تمر علينا مرور الكرام؛ فهو يوم وُضِع بعناية ورعاية سامية من لدن المقام السامي لإيمانه بأهمية البيئة العمانية بكل أطيافها ومستوياتها. وفي هذا المقال، لن أتحدَّث عن اهتمام حضرة صاحب الجلالة -حفظه الله ورعاه- بالبيئة، وما قدَّمه من جهود ويُقدِّمه على المستويين المحلي والعالمي؛ فأفعال جلالته تتحدَّث عن نفسها ويشهد له بها العالم، وإنما سيقتصرُ حديثي على قضية من قضايا التلوث البيئي المسكوت عنها؛ وهي: قضية التلوث الضوضائي.

فالاهتمام بالبيئة ومكوناتها ليس نظافة الشوارع والطرق والحدائق والمواقع السياحية، بل هو أوسع وأعم؛ فالتلوث البيئي يشمل جوانبَ عديدة ومتنوعة، وكل يوم يظهر نوع من التلوث يضر بحياتنا البشرية، ويجعلها تتراجع سنوات بدلًا من أنْ تتقدَّم، ويتدخَّل في أغلب التلوث البيئي الإنسان الذي أُوْكِل إليه عمارة الأرض، وبعده تأتي المؤثرات الأخرى الطبيعية، ومن أهم التلوثات التي نُواجهها والتي لا يتم التطرُّق إليها إلا نادرا وبصورة خجولة: التلوث الضوضائي.

والتلوث الضوضائي أو الصَّوتي هو أي صوت غير مطلوب ومرغوب، ويختلف تأثير هذا التلوث من شخص لآخر؛ فهناك أشخاص تتأثر أسماعهم بالأصوات العالية المستمرة أو المتقطعة وحتى تلك النشاز منها أو التي لا يرغب فيها نفسيا وروحيا، وإذا عُدنا إلى أسباب هذا التلوث نستطيع القول بأنَّ عددًا من المؤسسات الحكومية ومن يُدِيْر تخطيط المدن -وللأسف الشديد- هم مُتسببون في إيجاد هذا التلوث؛ فموقع مطار مسقط مثلا في قلب العاصمة يسبب تلوثا ضوضائيا من الدرجة الأولى على السكان، وكذلك وجود المصانع في قلب مدينة صحار أدى لنفس الإزعاج، وهذه أمثلة بسيطة، ناهيك عن وجود الشوارع العامة مُلاصقة للمساكن كما هو حاصل في طريق الباطنة العام، الذي لم تُراعَ فيه حتى إحرامات الطريق؛ حيث نَجِد بعضَ المباني السكنية والتجارية على مسافة قريبة جدًّا من الشارع؛ ونتمنَّى أن يراعي مسار القطار المقترح هذه النقطة الجوهرية المهمة، كما نتمنَّى أن تكون المخططات السكنية بعيدة نوعا ما عن مسار طريق الباطنة الجنوبي السريع؛ فهذه جميعا تسبِّب تلوثًا ضوضائيًّا يزداد سنة بعد أخرى.

وهناك تلوُّث سببه الأفراد وهو متعدد الأنواع؛ نذكُر منها بعض التصرفات الفردية كالتفحيط بالسيارات التي تُزعج القاطنين في الأماكن القريبة منها، فضلا عمَّا تسببه من حوادث مُميتة، وكذلك رفع صَوْت مُسجِّل السيارة بالأغاني وسط الحواير والسكك، وتزويد بعض السيارات بعوادم تُصدر أصواتًا مزعجة. وقريباً من هذا: التراخيص البلدية التي تَسْمَح لأصحاب ورش الحدادة والنجارة بالعمل وسط المساكن، واستمرار العادات الغريبة في الأعراس؛ حيث لا تزال أغاني الدان داني تصم الأذان في بعض القرى، ولا يُراعَى فيها للأسف حتى أوقات الصلاة، إلى جانب أعمال المباني التي لا تُراعِي أوقات العمل وغيرها، وقد عَالَج الإسلامُ مثل هذا التصرفات؛ حيث قال تعالى: "وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً"، وقوله تعالى: "واقصد في مشيك واغضض من صوتك"، فيما تُعالَج غَيْرُها بسن قوانين صارمة ومُفعَّلة على أرض الواقع.

وتُشير الدراسات إلى أنَّ التلوث الضوضائي قد يتسبَّب في عديد من الأمراض المختلفة كالشرود الذهني، وعدم القدرة على التركيز، وارتفاع ضغط الدم، والإفراز الزائد لبعض الغدد، مما يُسبِّب ارتفاع نسبة السكر في الدم، والإصابة بقرحة المعدة، وأوجاع الرأس والشعور بالتعب والأرق، كما تشير دراسات أخرى -قام بها علماء نمساويون- إلى أنَّ عُمر الإنسان يقل من 8 إلى 10 سنوات في المدن الكبيرة، مقارنة مع سكان الأرياف، بسبب التلوث الضوضائي. وفي لوس أنجلوس، أظهرتْ الدراسات أنَّ ضَغْط الدَّم عند أطفال المدارس الواقعة بالقرب من المطار أعلى منه لدى أطفال المدارس البعيدة عنه، كما أنَّ سُرعتهم في حلِّ المسائل الرياضية أقل، وعند إخفاقهم في حل المسألة سُرْعَان ما يقومون برميها جانباً ولا يحاولون إعادة حلها، وحسب نتائج بعض الدراسات -التي نُشرت في إنجلترا- فإنَّ واحداً من كل أربعة رجال، وواحدة من كل ثلاث نساء، يعانون من الأمراض الناتجة عن الضوضاء.

ومع هذه الأضرار البالغة بصحة الإنسان، يجب على الجميع أنْ يقفوا يدًّا واحدة، وأن يهتمُّوا بمعالجة التلوث الضوضائي الذي لو استمرَّ في الزيادة ستكون له عواقب وخيمة مُستقبلا لا نتمنى أن نصل إليها... ودُمتمْ ودامتْ عُمان بخير.

Khalid1330@hotmail.com