رسالة امرأة: "إذا أردت أن تكون شيئا فاستعد للتحدي"

 

 

زينب الغريبيَّة

أكتبُ هذا المقال عن امرأة شَغَلتني قصتها خلال الفترة الماضية، ليس لأنها الأولى من نوعها، ولكن لأنَّ تفاصيلها وتداعياتها مُختلفة نوعًا ما عمَّا نسمعه من قصص في مجتمعنا ومؤسساتنا، امرأة تعمل بدون كلل أو ملل، وإذا عملتْ شيئا تعمله على أكمل وجه، تضع إخلاصها فيما تقوم به من أعمال؛ لأنها تُدرك أنَّ الأعمال الباقية والمؤثرة هي تلك التي نخلص فيها، أما الذين لا يخلصون في أعمالهم فلن يحققوا شيئا، لديها عبارة تضعها في بيتها ومكتبها وهي "إما أن تكوني ناجحة أو أن تكوني لا شيء"، لأن الأعمال التي ننجزها هي التي تمنحنا قيمة، لذا تحدث نفسها بهذه المقولة من أجل الحفاظ على دافعيتها الكبيرة في تحقيق النجاح، وحين سمعت هذا عنها، قلت لها: محظوظة المؤسسة التي تعملين بها؛ لأنَّ أي مؤسسة لا يمكن أن تحقق  مسؤولياتها دون موظفين مُتوثِّبين طموحين مبتكرين؛ فالاستناد إلى موظفين ذوي إمكانات بسيطة ومتواضعة ليس ضمانا إلا للفشل، والفشل المتكرِّر، عند هذه النقطة لم تبدأ الحكاية بعد، فكل ما ذُكِر حتى الآن طبيعي، إلا أنَّ ما هو غير الطبيعي ما حكته لي في رسالة طلبت مني أن أضعها هنا في هذا العمود مُوجَّهة لكل موظف بشكل عام، ولكل موظفة بشكل خاص، رسالة تكشف لنا كيف يجب أن يواجه الإنسان فرقة الفشل التي يمكن أن تواجهه إما في العمل أو المجتمع أو الحياة الخاصة، مُواجهة مُعرَّض لها كل إنسان لا يمكن أن يصمد في وجه أولئك الذين يريدون أن يشلوا دافعية النجاح لديه؛ النجاح الذي لابد أن يتحقَّق تحت أي ظرف؛ لأنَّ النجاح من وجهة نظرها لا يتطلَّب عذرا، والفشل لا يتطلب مبررات.

هذه المرأة كما كَتَبت في رسالتها لي خلال الأسبوع الماضي تقول: "أعمل في مؤسسة حكومية مرموقة، تضطلع بمهام كبيرة جدًّا، مؤسسة يفترض أن تكون خلية نحل كبيرة لابد أن يستفاد فيها من كل عضو حتى يتحقق ما هو مطلوب على أكمل وجه، ولكن ما حدث لي أن قدرتي على الإنجاز، جعلت مؤامرات عدة تحاك ضدي، وخلقت لي العديد من العقبات من كل الاتجاهات الأفقية والعمودية، ومنع أي شيء يمكن أن أقوم به، وترك من أعمل لديهم أعمالهم الكبرى، وانشغلوا بهدف واحد وهو كيف يعيقون إرادة النجاح لدي، وجندوا كثيرا من الأتباع من حولهم، ولم يدعوا وسيلة إلا واستخدموها، وأنا صامدة لا أتزعزع، شامخة لا أستكين، أواجههم في كل مرة بخبيئة أنفسهم المريضة، وأقدم النصح لهم أن يتقوا الله في وطنهم، والمسؤوليات التي يفترض أن يقوموا بها، ولكن إصرارهم على الباطل قادهم إلى التمادي بدلا من المراجعة والتفكير عن الخطأ، لأن الشيطان (يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا)، وباتوا في أول أسبوعهم ونهايته يعدون العدوة لإخراجي من المنطقة التي يعتقدون أنها ملك لهم، وأن لا مكان فيها إلا لمن يقبلون على أنفسهم ووطنهم هذه الممارسات الدنيئة التي يجب أن تترفع أي مؤسسة عنها، وألا تسمح لأي أحد بممارستها فيها، لقد سألت أحدهم يوماً حين كان مكلفاً بتحذيري وتهديدي: بأنني إن لم أخرج سوف أواجه المتاعب، فقلت له: هل يمكن أن أسألك سؤالا؟ فقال لي رغم أنني لا أرغب في سماع شيء منك، لكن اسألي، قلت لا بأس سؤال واحد لا أكثر، وبعدها أنت حُر أن تجيب أو لا، قال: هاتي ما عندك، قلت: هل تشعر بأنك إنسان أمين؟ باغته السؤال، وتغير لون وجه عدة مرات خلال ثوان، ووقف بحدة وقال: لا يحق لك أن تسيئي إليَّ بهذا السؤال، وزمجر وتوعد وتمتم بكلمات تعبر عن اضطراب وقلق لم يعتد أن يعيشه من تعوَّد أن يقمع الآخرين، فينحنون له، ويباركون ما يفعله، قلت له: اهدأ، هذا سؤال بسيط، لكن هناك أسئلة كبرى ستضطر أن تواجهها مستقبلاً، ولكن لماذا تغضب وتعتبرها إساءة، وأنت تسيء إلى وطن بأكمله كل يوم، وتضرب بطموحاته عرض الحائط، وتطوع المكان لكل شيء إلا لتحقيق مصلحة البلد الذي أقمست على الإخلاص له، وها أنت تبدأ يومك وتنهيه ولا تتذكر وطنك الذي يحتاج الإخلاص والأمانة ممن في وَضْعِك، وإلا كيف سيكون قويا وأنت تعمل كل يوم على إضعافه، هل تريدني أن أشجعك على ما تقوم به؟ هل تعتقد أن الباطل الذي تصر على تزيينه لمن حولك يمكن أن ينتصر؟!! نظر إليَّ وارتسمتْ على وجهه ضحكة صفراء فيها من الحقد ما لا يمكن أن يتخيله إلا من رآها، وقال متوعدا: سنرى!!".

لقد هالني ما قرأته، وجعلني أتساءل كيف سمحنا أن يتسلل أناس مثل هذا الذي تتكلم عنه هذه المرأة إلى أماكن اتخاذ القرار في مؤسساتنا؟ وكيف يمكن أن تتغير هذه المؤسسات والعقائد التي يؤمن بها هؤلاء هي أن لا مكان للناجحين والمخلصين في أعمالهم في مؤسساتنا، وكأنهم يريدون أن يُهجّروا كل من يرفض ما يقومون به من إضرار بمصلحة وطنهم، ويصرون على مصالحهم الضيقة، تعسفا واستبدادا في وقت نحن في أمس الحاجة فيه لاستنفار مواردنا وكفاءاتنا البشرية المتميزة للعمل على النهوض بمختلف المؤسسات، لا أن نجد أشخاصا يتوعدون الموظفين المجتهدين حولهم، لذا تكمل هذه المرأة رسالتها قائلة: "حين قال لي سنرى؟ أجبته بكل ثقة: أنت لم تعد ترى شيئا، ولو كنت ترى لأيقنت أنَّ بداخلي قوة لمقاومة الظلم لا يمكن أن تدركها، وبداخلي إرادة للنجاح لا يمكن أن تحطمها أنت ومن "يظلك بظله"، أنت لا ترى أن الله خلق لنا يدين لنعطي بها فلا يجب إذا أن نجعل من أنفسنا صناديق للادخار، إنما قنوات ليعبرها الخير فيصل إلى غيرنا، لماذا تريدون أن ينقطع الخير في هذه المؤسسة؟ لماذا تريد أن تجعلوا الناس هنا أنانيين وانتهازيين؟! ألا ترى أن ذلك يقودها إلى الفشل؟ ألا تخافون من فشل هذه المؤسسة، ولديها مهام كبيرة تؤديها لهذا الوطن؟! ما لا تراه وتتعلمه أن المصاعب التي قمت بتجنيد كل من يعمل هنا لوضعها أمامي قمت باستغلالها لتحقيق نجاح باهر، بدلا من أن استسلم لها فأحقق خسارة هائلة كما كنتم تأملون".

لم تتوقَّف رسالة هذه المرأة عند هذه العبارة؛ لأنها رسالة طويلة يبدو أنها كانت تدوِّن تفاصيلها باستمرار وحسب تطوُّرات الأحداث التي تجري لها، ففيها تحديد لأيام وتواريخ، وتحديد لأسماء وحوارات دارات حول ما تعرضت له، ولكن أختم بعبارة مهمة مما قالته، وهو ربما تكون بمثابة نصيحة لكل إنسان سواء كان موظفاً أم لا، تقول: "إذا أردت أن تكون آمنا في مؤسستك أو خارجها فلا تفعل شيئاً، ولا تقل شيئا، ولا تكن شيئا.. أما إذا أردت أن تكون شيئا في مجتمعنا فاستعد للتحدي والمجابهة، الله لا يهب النجاح للذين يتهيبون المواجهة خاصة إذا كانت مع من عجنوا أنفسهم بالباطل".