أكدت عزوف المواطنين عن الوظائف المهنية والتشغيلية والحرفية

دراسة لـ"الغرفة": مساهمة العمالة الوطنية في القطاعات غير النفطية والبنوك لا تزال "ضعيفة جدا"

مسقط - الرؤية

نشرت غرفة تجارة وصناعة عمان دراسة متخصصة حول "إشكالية تحديد هوية الاقتصاد الوطني في سلطنة عمان"، من إعداد الباحث الاقتصادي دكتور عبد السلام فرج، تناول فيها القضية من حيث الأسس والمعايير التي يمكن في ضوئها رسم هوية للاقتصاد الوطني العماني. واستعرض الباحث في الدراسة الإستراتيجية التي يجب على الدولة أن تنتهجها لتحقيق الهوية الاقتصادية وذلك من خلال التركيز على القضايا الأساسية ذات العلاقة بأهمية تحديد الهوية الاقتصادية، والعلاقة بين حجم الإنتاج وتنوع القاعدة الاقتصادية والهوية الاقتصادية، إضافة إلى التعرف على حجم القطاع الخاص والانفتاح على الأسواق العالمية.

وفيما يتعلق بمؤشر الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد العماني، قالت الدراسة إن هناك هيمنة للقطاع النفطي وقطاع الخدمات على الاقتصاد العماني بصفة عامة، متسائلة عما إذا كان المرض الهولندي موجودا في الاقتصاد العماني أم لا. ويمكن توضيح ظاهرة ما يسمى بالمرض الهولندي والذي يمثل خللا اقتصاديا ينعكس على عدم تنوع القاعدة الإنتاجية في الاقتصاد الوطني لدولة ما. وأوضحت الدراسة أن الأثر النهائي للمرض الهولندي يتمثل في عدم تنوع القاعدة الإنتاجية والذي يؤدي الى أن الصناعات الأخرى تصبح أقلّ تنافسيّة وصادراتها تتراجع كما أن المهارات تتدنّى، بسبب أن الاقتصاد أصبح أقل تنوعا.

ومن جانب آخر فإنَّه في خلال ذروة الإنتاج في منجم جديد، أو حقل نفط أو غاز، وبعد عدة سنوات على بدء الإنتاج، تتحصل الحكومات على إيرادات كبيرة لكنها غالبًا ما تقوم بإنفاقها كلها ولا يتم ادخار جزء منها لتطوير بقية القطاعات الأمر الذي يترتب عليه (في حالة انخفاض الإيرادات من هذا المورد) ارتفاع في المستوى العام للأسعار والأجور المحلية من دون أيّ نتيجة في مجال التنمية، كما يؤدي إلى ارتفاع سعر الصرف، الأمر الذي يضرّ المصدّرين المحليين ويتسبب في انخفاض في الصناعات غير النفطية أو غير المعدنية، وينعكس ذلك في انخفاض مستوى المعيشة للأفراد غير العاملين خارج هذا القطاع.

وبينت الدراسة أنّه يمكن التعرف على ظاهرة المرض الهولندي من خلال دراسة الأهمية النسبية لمكونات الناتج المحلي الإجمالي ومدى مساهمة العمالة الوطنية والوافدة في الأنشطة المختلفة للناتج المحلي الإجمالي. وفيما يخص الأهمية النسبية لمكونات الناتج المحلي العماني فإنّه من خلال تحليل مكونات الناتج المحلي الإجمالي يتبين أنّ القطاعات الاستخراجية والتي تشمل المعادن والنفط والغاز لا زالت تستحوذ على نسبة مهمة في تكوين الناتج المحلي. وأَوضحت الدراسة أنّ هذه النسبة بلغت 50 في المئة سنة 2008 ولا زالت 50 في المئة حتى 2013، وهي لا تختلف كثيرًا خلال العقود الثلاثة السابقة. وفي الجانب المقابل تشير الأرقام إلى أنَّ نسبة مساهمة قطاع الصناعات التحويلية لا زالت متواضعة؛ حيث لا تتجاوز 10 في المئة خلال نفس الفترة، مما يشير إلى عدم حدوث ما يسمى بالآثار الإيجابية أو التسربات من قطاع الصناعات الإستخراجية إلى باقي القطاعات الإنتاجية، مثل الزراعة والصناعة وفي نفس الوقت يؤكد على هيمنة القطاعات الاستخراجية على هوية الاقتصاد العماني.

وفيما يخص الأهمية النسبية لمساهمة العمالة المحلية والوافدة في الاقتصاد العماني فإنه من خلال تسليط الضوء على مساهمة العمالة الوطنية والوافدة في القطاعات الإنتاجية المختلفة، يتضح أن نسبة مساهمة العنصر الوطني من العمالة العمانية عالية خاصة في قطاعات النفط والبنوك والاتصالات، فهي تقترب من 90 في المئة وهي قطاعات متصلة بالقطاع القائد (النفط) ومتصلة بقطاعات خدمية. وللمقارنة بين مساهمة العمالة الوطنية والوافدة يظهر أن نسبة العمالة الوافدة في القطاع الحكومي شهدت انخفاضا تدريجيا خلال فترة الدراسة، ولكنها رجعت إلى التصاعد من جديد خلال الفترة الأخيرة 2010-2014. ومن جانب آخر يلاحظ مدى الأهمية النسبية لعنصر العمالة الوافدة في القطاع الخاص والذي يتراوح بين 75 في المئة إلى 95 في المئة في المتوسط وهي نسبة عالية وذلك بالرغم من صدور القوانين الخاصة بالتعمين.

وبناء على ذلك، وإذا ما أُخذ بعين الاعتبار النسبة العالية لمساهمة قطاع الخدمات في الناتج المحلي العماني والتي تتراوح في المتوسط بين 35 إلى 40 في المئة خلال الفترة 2000 -2014، فإنه يمكن القول إن بوادر المرض الهولندي موجودة في الاقتصاد العماني.

وعند تحليل البيانات الخاصة بنسبة مساهمة العمالة الوطنية في القطاع الخاص بين عامي 2010 و2014 كمثال يتبين أن مجموع العمالة النشطة في القطاع الخاص تساوي تقريباً 1133000 عامل في سنة 2010 يقابلها 1708000 عامل في سنة 2014. وبلغ عدد العمالة العمانية المساهمة في القطاع الخاص تقريبًا 197510 أو ما نسبته 12 في المئة، في حين يبلغ عدد العمالة الوافدة في مجال القطاع الخاص حوالي 1510393 عاملاً أو ما نسبته 88 في المئة. وهذا يدل على أنَّ نسبة مساهمة العمالة الوطنية في بقية الأنشطة الأخرى غير المشار إليها سابقا والمكونة للناتج المحلي الإجمالي ضعيفة جدًا.

وإذا أخدنا في الاعتبار الخلل الهيكلي المتمثل في النسبة العالية لمساهمة قطاع الخدمات في الناتج المحلي العماني والتي تتراوح بين 30 إلى 40 في المئة خلال الفترة 2000 – 2014 فإنَّ ذلك يقودنا إلى أن الاستنتاج الآتي: إن العمالة الوطنية لا تحبذ أو لديها عزوف عن العمل في العديد من الوظائف المهنية والتشغيلية والحرف بأنواعها، الأمر الذي ترتب عليه سيطرة العمالة الوافدة شبه الكلية في هذا النوع من الوظائف وهو ما يشير في المتوسط إلى وجود ظاهرة المرض الخليجي في الاقتصاد العماني.

وتنتقل الدراسة إلى الحديث عن دور القطاع العام والقطاع الخاص في رسم ملامح الهوية الاقتصادية، إذ تشير الدراسة إلى أن برامج الدعم غير ناجحة في المدى الطويل وأنه حتى في الاقتصاديات المتقدمة لا تستطيع الدول الاستمرار إلى ما لا نهاية في الإنفاق على القطاع العام. ويؤكد العديد من الدراسات أن الآثار السلبية على الاقتصاد الوطني للدول الناتجة من كبر حجم القطاع العام هي أكبر بكثير من تلك الآثار السلبية الناجمة من تنامي حجم القطاع الخاص.

وينتج القطاع الخاص في سلطنة عمان أعدادا كبيرة من الوظائف لكن من خلال تحليل البيانات يتضح أن مساهمة العمالة الوطنية في القطاع الخاص خلال الفترة 1995 إلى 2014 منخفضة جدا وهي لا تتجاوز 15 في المئة . ومن جانب آخر في جانب العمالة الوطنية يلاحظ أن هناك تحسنا طفيفا مقارنة بسنة 1995 وذلك بسبب ظهور قوانين التعمين وتطبيقها على مؤسسات القطاع الخاص. من جانب آخر يمكن بسهولة ملاحظة هيمنة العمالة الوافدة على جل الأنشطة في القطاع الخاص وخاصة الإنتاجية والحرفية منها. بناء عليه فإنَّه يمكن القول بأن جوانب الشراكة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص لا زالت ضعيفة من حيث مساهمة القطاع الخاص في استيعاب العمالة الوطنية .

ويعد الاستثمار أحد الجوانب المشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص وتشير البيانات المتاحة إلى أن نسبة الاستثمارات المنفذة من قبل القطاع الخاص وفقا لخطط التنمية المختلفة لا زالت متدنية ( بين 30 في المئة الى 40 في المئة في جميع الخطط الخمسية ) باستثناء الخطة الخمسية السابعة التي كان من المتوقع فيها أن ترتفع استثمارات القطاع الخاص إلى حوالي 42 في المئة هذه النسبة التي لم يتم قياسها فيما إذا تحققت أم لا حتى الآن . من جانب آخر تميزت الخطة الخمسية السادسة باستحواذ القطاع غير النفطي على النصيب الأوفر من حجم الاستثمارات في القطاع الخاص حيث بلغت هذه النسبة حوالي 62 في المئة (الحسيني 2004). ومن خلال مقارنة هذه النسب بنسبة مدى مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي لاتضح لنا أن ما نسبته 40 في المئة إلى 45 في المئة من استثمارات القطاع الخاص لا زالت موجهة إلى القطاع النفطي وهذه محصلة طبيعية لظاهرة المرض الهولندي.

وتوصلت الدراسة إلى أن للهوية الاقتصادية دورًا مهماً في تحديد توجه المجتمعات وتحديد خياراتها لمناحي الأنشطة المختلفة من سياسية واقتصادية واجتماعية، فتحديد الهوية الاقتصادية يعتبر بمثابة الخطوط العريضة التي تمشي عليها مؤسسات الدولة وتعتمدها في خططها الاستراتيجية الخاصة بالنمو والتنمية والتي تؤدي بالتأكيد إلى تحقيق الأهداف المنشودة للدولة والمتمثلة في تحقيق التنمية المستدامة والاستقرار الاقتصادي.

وقد حققت السلطنة خلال العقود الثلاثة الأخيرة إنجازات على أكثر من صعيد في مضمار التنمية الاقتصادية والاجتماعية ..إلخ . فالتجربة العمانية شملت كل شيء بدءًا بالصناعة والزراعة وانتقالاً للسياحة بعدها الصناعات الثقيلة والصناعات البتروكيماوية والاستيراد والتصدير ولكن كل هذه المحاولات لم تستطع خلق هوية للاقتصاد الوطني في السلطنة أو بمعنى أدق لا يمكن القول بأن الاقتصاد العماني هو اقتصاد سياحي أو زراعي أو صناعي أو متخصص في اقتصاديات المعرفة (التعليم وتنمية الموارد البشرية) ، كما لا يمكن القول بأن السلطنة لديها مدن ذات هوية سياحية، صناعية أو ذات وجهة ثقافية وفنية ...إلخ .

وأوصت الدراسة بضرورة التأكيد على أن الظروف مؤاتية لازدهار السلطنة فهي تمتلك - من منظور إقليمي – حالة من الاستقرار الأمني وقوة عمل بشرية ومعدل نمو سكاني مرتفع والعديد من المقومات الطبيعية المميزة (التنوع البيئي الواسع والمعالم الحضارية الراسخة) التي تؤهلها وفقاً لنظريات الميزة النسبية لاكتساب ميزة الهوية السياحية ومن جانب آخر فإنّ السلطنة لديها موقع إستراتيجي متميز يجعل منها بوابه الشرق الأوسط الذي يربطها مع دول رابطة المحيط الهندي وبقية دول العالم. وبالتالي يعتقد الباحث جازماً أنَّ هوية الاقتصاد العماني يجب أن تتحدد أيضاً وفقاً لموقعها الإستراتيجي الذي يمنحها الميزة اللوجستية والتي يجب الاستفادة منها في مجال تحفيز وإنعاش قطاع التجارة الخارجية من حيث الصادرات والواردات وعمليات إعادة التصدير.

تعليق عبر الفيس بوك