الأرقام الفلكية للمشاريع!

 

حمد بن سالم العلوي

أثار انتباهي الخبر المنشور في الصحف المحلية بالأمس حول افتتاح مَعَالي الدكتور أحمد السعيدي وزير الصحة لثلاث عيادات تخصصية في مستشفى خولة، بتبرعٍ مشكور من الشيخ سهيل بهوان، والإثارة ليست في التَّبرع، الذي هو ليس غريباً على هذه العائلة الكريمة، التي ما فتئت تمُد يد الخير للوطن العُماني، كرد للجميل من الجميل، وكثيرون هم الذين أخذوا ولم يتذكروا، وذلك بفضل البيئة المطمئنة التي وفَّرها الوطن العُماني لهم.

إنما الإثارة تكمن في قيمة إنشاء هذه العيادات الثلاث، وتجهيزها بالأجهزة الطبية التخصصية، لأقسام متنوعة ومتعددة الأغراض، والتي لم تتعد الـ8 ملايين ريال عُماني فقط لا غير، إذن هذه هدية مُضاعفة من الشيخ سهيل لوزارة الصحة، وتتمثل في المبنى ذي الطوابق بعيادات ثلاث، وأقسام تخصصية عديدة، ولكن الهدية الأكبر تكمن في الهدية المُقدمة للحكومة، فقد أثبت لهم على الواقع، أنَّ هذا المبنى المهم بما يحتويه، تمَّ بناؤه وتجهيزه فقط بثمانية ملايين ريال، والذي كان سيكلف أضعاف هذا المبلغ من الريالات العُمانية الزاهية اللون والمنظر،إذا تمَّ إنشاؤه بواسطة مناقصة حكومية.

نعم، ليس فيما أقول مبالغة، فقد بلغت تكلفة مسلخ الخوض عشرة ملايين، وهو لا يعدو أن يكون مبنى على شكل "كبرة خضرة"، ملحقاً به بعض زرائب المواشي المُقربة للذبح، وكذا بعض السكاكين، وبعض أدوات تعليق الذبائح، وهذا لذبح حيوان، وليس لعلاجه وإحيائه من موت، لأنَّ العلاج قد يحتاج إلى مواد طبية، وطبعاً لا مقارنة بين هذا وعيادات تعنى بأمراض الإنسان ومعالجته، ولا مقارنة أيضاً مع فاجعة استئجار أرض في صحار، وليست في قلب لندن أو طوكيو، حيث كان الإيجار بمبلغ ثلاثين مليون ريال، وذلك لإنشاء مخازن عليها لميناء صحار، ولا مبنى وزارة التربية، الذي ظلَّ سنين طويلة في البناء، وابتلع عشرات الملايين من الريالات، فقط لإنشاء مجموعة مكاتب، هذا من غير ملايين التأثيث، أو مطار مسقط الدولي، الذي ضربت فيه مسؤولة كويتية مثلاً، بأنّه يوازي نصف مطارهم الجديد، والذي تمّ تشييده بنصف المبلغ.

ترى هل لدى البعض قناعة راسخة، متناقلة من مسؤول راحل إلى مسؤول قادم، تقول لهم إنَّ أموال الحكومة مال مشاع، وللبعض فيه حق على البعض الآخر، وهنا أسوق لكم مثالاً سمعته من أحد المقاولين العُمانيين في ثمانينيات القرن الماضي، وكان مازال مقاولاً ناشئاً، وقد أصبح لاحقاً من مقاولي الحكومة - فلا حسد إذا صار من أصحاب الملايين - قال لي إنّه دخل في مناقصة لمشروع حكومي، وأعطى سعر (250) ألف ريال عُماني، مع ربح مجزٍ ومضمون، ولكن المشروع أسند إلى مقاول آخر، بمبلغ (750) ألف ريال عُماني بفارق الضعفين، ويقول ذهبت للاعتراض، فقيل لي إنّ مجلس المناقصات غير ملزم بأقل الأسعار، وإنما ينظر إلى الثقة أيضاً، إذن معنى هذا، أن هناك اختيارا للأنسب إلى النفس، طالما كان المال مدفوعاً من خزانة الدولة، وليس من جيب المسؤول نفسه، الذي كان سيختار أقل سعر، وإن العيادات الثلاثة التي بناها بهوان، هي حتماً من بناء شركاته، وتوريد الأجهزة عن طريق شركاته أيضاً، لأنه لو أعطى المبلغ إلى جهة أخرى أو قل حكومية، قد لا تقبل استلامه، لأنّه لا يفي بالغرض بحسب مبدئها.

إنَّ لدى المواطنين شعور، بأن هناك مبالغات في قيمة المناقصات الحكومية، خاصة وأن الأسعار تتم بالريال العماني، وليس بالدولار الأمريكي، أو الروبية الهندية، وإن لدى الدولة أموال جيدة، تكفي لمشاريع أكثر، ولكن إخراج هذه الأموال في المناقصات غير عادل، ثم إنَّ التأخير في دفع حقوق الناس، جعل بعض الشركات الناهضة، لا تستطيع الصمود، وربما كانت الشركات الكبيرة، تبالغ في الأسعار، لأنها تحسب الفوائد البنكية مقابل التأخير في الدفع، لذلك لا بد من مراجعة هذه الأمور من قبل جهات متخصصة، وأن تضع مساراً واضحاً للمناقصات، التي تحولت تلقائياً إلى مزايدات، وأصبح من يدخل في المناقصات الحكومية، يُعد من أصحاب الملايين، وذلك نتيجة الهبش الذي ليس كالعد والحساب.

إذن على الحكومة أيضاً، أن تأتي بمتخصصين في المقاولات والتجارة، وذلك على صيغة أعطي "الخبز للخباز" وإذا كانت علتهم أنهم غير موظفي دولة، فيتم توظيفهم لأغراض مصممة، على أن يتم استبدالهم كل ثلاث سنوات، أو التجديد لبعضهم لثلاث أخرى، أما أن يؤتى بإداريين حكوميين غير متخصصين، وإجلاسهم على خزينة الدولة، ومن ثم تهولهم المشاريع، ولا يهولهم المال العام، فهذا لا يقدم شيئاً جديداً في خدمة الوطن، وسنظل ندور في حلقة مفرغة، ليس فيها بصيص أمل لوضع المال في مكانه الصحيح، وبالمقدار المناسب للمشروع والمقاول معاً، ونظل نترنم بمقولة البعض "مال عمك ما يهمك"..

اللهم أحفظ عُمان وسلطانها المعظم، من كيد الكائدين وحسد الحاسدين وغشم الغاشمين.. اللهم آمين.

 

Safeway.om@gmail.com