حينما يختفي العرب!

 

 

سُلطان الخروصي

 

جُبِلت الأمم والحضارات بسيكيولوجيتها الإنسانية على التفاخر والتباهي، وإظهار الذات عبر شرفات المنافسة والتقدُّم عن الآخرين على مر العصور التاريخية، على أنها تحاول جاهدة طمس وإخفاء تاريخها الأسود المتخلف ونفض دنسه من مدنيتا العصرية بأي آلية كانت؛ فحينما يقرأ المرء تاريخ الحضارة الأوروبية قبيل النهضة واندلاع الثورة الصناعية، يجد أنَّها تُعاني من ويلات الخذلان والتصفيات والذبح بالهوية وتنكيل الحياة الإنسانية بما يخدم مصلحة آلة الحرب وصوت الرصاص، لكنها مرحلة وانقضت، وكذلك لو تمعَّنا النظر في مجد الدول المستقلة وذودها عن حياض شرف الحياة الكريمة وتجرعها كأس الموت كل حين في سبيل الحرية والانطلاق نحو عالم الكبار سنلحظ أن كل تلك الحقب وكأنها محض ساعة وانقضت، فها هي ألمانيا النازية أصبحت تعد من الدول الصناعية الرائدة، وتلك إيطاليا الموسيلينة قد وضعت قدميها في زحام عظماء الأمم؛ وذلك الرجل المريض الذي أقبر في 1924م نجده اليوم يغازل "الناتو" بالانضمام إليه دون ذلك، وتلك بلاد الهنود الحمر وعلى أنقاضهم قامت إمبراطورية العصر الحديث، وهناك في الفلبين حيث كومة رماد الحرب يخرج من صلبها ملك الحياة، وعلى الزاوية البعيدة هناك وبالتحديد في أقصى آسيا حيث زلزال الانتقام القبيح بنهاية العام 1945م؛ حيث أطلال الموت في "هيروشيما" و"نيكازاجي"، ومن رحم القنابل النووية تخرج اليابان لتخطف ثقة العالم في جودة الصناعة وغيرها كثير، إلا أنَّ هناك كائنات بشرية تنتقل من حقبة لأخرى في التاريخ الإنساني يطلق عليهم "العرب" فأين موقعهم من كل هذا الحراك المتسارع؟

من يتتبع التاريخ العربي -لو استثنينا العهد النبوي الشريف- يجد أنَّ قليله بُنِي على هون واستغلال وتوظيف مجريات الأحداث لمصالح خارجية منذ أواخر العهد الراشدي وحتى العصر الحالي، فمنذ مقتل الخليفة الراشدي عثمان بن عفان -رضي الله عنه- ثمَّ علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- والحسن والحسين -رضي الله عنهما- ومرورا بالتصفيات في العصر العباسي، فالأموي، فالفاطمي، وفي كثير من القيادات السياسية في بعض الخلافات الإسلامية الحقبية كالعبيدية، والصعاليك...وغيرها كان له أثر بليغ في ضعف وهزالة المسار السياسي وتحقيق مصالح خارجية لتتحمل الشعوب تبعة هذا المجون السياسي، وحتى لا نوغل في التاريخ المنصرم فــ"تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم"، دعونا لبرهة نتأمَّل واقعَ الوطن العربي، ودرجة إحباط المواطن وتغريبه في بلاده، فمن المؤمل أن نجد حراكا اقتصاديًّا وتعليميًّا وثقافيًّا وسياسيًّا وعسكريًّا يعقب كل هذا التغيير في الكراسي الحاكمة منذ بداية الثورة العربية الكبرى 1916م، والتي غرر بها شريف مكة (الشريف حسين) من (أصدقاء العرب) الإنجليز بحجة التحرر والخلاص من الوجود العثماني مرورا بثورة عرابي وحراك الثوار الأحرار في مصر والشام والعراق وانتهاء بتصرف العسكرية التونسية التي دفعت البوعزي لأن يستلذ لهيب البترول عن نعيمه الوثير بعد أن وصل إلى هرم الإحباط والشعور باللإنسانية، فنتساءل ما فائدة العرب في عالم اليوم، وما الذي سيحصل لو اختفى العرب من كوكب الأرض؟

لو اختفى العرب ربما ستنحل القضية الفلسطينية وستكون لطرف واحد وستنتهي الحروب الطائفية التي ترى أن الإسلام مذاهب ومذابح وليس محبة وتلاحما، لو اختفى العرب سينفض العالم غبار التطرف الذي يفرخه بعض مجانين السياسة والدين وستستغل الأموال الهائلة المرصودة ضده نحو التعمير والتنمية والتطوير البشري، لو اختفى العرب سيهدأ رأس العالم من وجع المشاكسات واختلاق الموت العشوائي في العالم؛ فنحن لا نملك برنامجا سياسيا موحدا، ولا هدفا قوميا واضحا، ولا غاية دينية حسنة مرتجاة، لو اختفى العرب لن يندب العالم حظه بخسارة مُصنِّعي السيارات ولا القطارات ولا الطائرات ولا المواد الاستهلاكية ولا التكميلية ولا الصحية ولا التعليمية، لن يخسر العالم السياحة النوعية ولا الاستثمار الفاعل ولا الشريك الإستراتيجي في مصالحه الخارجية!

نحن بحاجة للهدوء والاستقواء بالنفس ومن هم في خندقنا بعيدا عن التكابر واستصغار بعضنا البعض، نحن بحاجة إلى أن نُقدِّم للعالم مُبرِّرا بأن نستمر في هذا الكون بعيدا عن هلاميات قداسة الشريعة والتي نحن في كثير من الأحيان بعيدين عنها كل الابتعاد، نحن بحاجة إلى بناء تعليمنا، وصناعة اقتصادنا، وتوضيح أهدافنا ومصالحنا، وتأسيس تحالفات نوعية حقيقية وذات قيمة اعتبارية فاعلة.. ودمتم بود!

sultankamis@gmail.com