التوجيه النبوي في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي (2)

 

عيسى الرواحي

عبر ساحات العالم الافتراضي في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي بتقنياتها الحديثة المتقدمة تعدى كثير من المستخدمين حدوده، وتعدى بعض المستخدمين خط الشائعات في نسجها ونشرها إلى أبعد من ذلك؛ إذ يتعمّدون نسبة أحاديث مكذوبة إلى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم؛ لترويج ما يودون نشره عبر هذه الوسائل من رسائل ومعلومات، فليس الأمر مقتصرا على إرسال أحاديث نبوية غير متيقن من صحتها وصحة روايتها، فهذا ما قد يقع فيه كثير من الناس، وإنما يتعدى الأمر إلى القصد وتعمد الكذب بنسبة الأقوال المأثورة أو نسج عبارات براقة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والترويج لنشر الأحاديث الموضوعة، وهذا الأمر فيه وعيد شديد من الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فعَنْ الْمُغِيرَة بْن شُعْبَة قَالَ: سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: "إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى غَيْرِي، فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقعَده مِنْ النَّار". وفي رواية أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَده مِنْ النَّار".

ومن الأمور التي يجب التنبيه إليها والتأكيد عليها هو ليس كل ما كان صوابا وخبرا واقعا فعلا أنه يجب أو يجوز نشره وتداوله، وهذا ما يقع فيه ـ وللأسف الشديد ـ كثير من المستخدمين، فبمجرد من تيقنهم من صحة خبر ما سرعان ما يبادرون إلى النشر والإرسال بشتى صور نقل الخبر صوتا أم صورة أو كليهما بغض النظر عن الفائدة المرجوة من النشر، ودون النظر إلى العواقب التي قد يجرها نشر ذلك الخبر خاصة عندما تكون الأخبار غير المحمودة  تخص الأشخاص، فربما كان في نشرها انتهاكا لحرمة، وربما كان فيه إساءة لسمعة، وكثيرا ما يكون نشر هذه الأخبار يتنافى مع التوجيه النبوي في أهمية ستر المسلم لأخيه، فعن عن أبي هريرة ـرضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ستر أخاه المسلم في الدنيا ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن نفّس عن أخيه كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه).

إنَّ أي خبر يخص الأفراد لا يحق لنا نشره، ما لم يكن في نشره فائدة مرجوة كالتحذير والتنبيه، فعلى المرء أن يستر أخاه المسلم لا أن يفضحه.

ويتبيّن لنا من الحديث النبوي أعلاه أنّه لا يحظى بستر الله في الدنيا والآخرة إلا من ستر أخاه المسلم، فعلى المسلم أن يدرك هذا الأمر.

وفي هذا الشأن أيضًا لكم يحز في النفس ويضيق الصدر ما يتجرأ به بعض أصحاب هذه الوسائل من انتهاك حرمة الأموات أثناء حوادث السير أو غيرها من الحوادث، فيقومون بتصويرها ونشرها، فأين حرمة هؤلاء الأموات، والرسول -صلى الله عليه وسلم - يبين لنا أن حرمة المسلم ميتا كحرمته حيا، ولست أدري ما هي درجة الرحمة والإنسانية في قلب من يصور مصابين وأموات الحوادث في وقت كان ينبغي له بل يجب عليه كونه إنسانا قبل أن يكون مسلما أن يسارع إلى إعطائهم حقهم من الإغاثة والإنقاذ والستر؟!

وإذا كنا نتحدث عن ضرورة أن يستر المسلم أخاه؛ كي يحظى بستر الله له، فإننا بالمقابل قد نجد من يهتك ستر الله له، فيجاهر ما يقوم به من معصية مثبتا ما ارتكبه من معاصٍ وآثام بالصوت والصورة فتارة قد يصور نفسه وهو يعاقر الخمر، وتارة يصور نفسه إلى ما هو أبعد من ذلك كأن يصور مع العاهرات، وهذا بلا ريب فيه وعيد شديد ليس كونه مقارفا للمعصية فحسب، وإنما على المجاهرة بها إذ فيه تحدٍ لله تعالى، واستخفاف بالمعصية وتهاون بها، واستخفاف كذلك بأهل الإيمان، فالمجاهرة معصية فوق المعصية، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ" كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإنَّ من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه" ويقول أيضا: "اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن ألمَّ بشيء منها فليستتر بستر الله".

وإذا كان الله تعالى قد أوضح في كتابه العزيز أنّه يمقت المجاهرة بالقول السوء، فكيف عندما تكون المجاهرة بما هو أشد من ذلك يقول الله تعالى:(لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا) النساء: 148

 فعلى أمثال هؤلاء أن يتوبوا إلى الله تعالى ما دام في العمر بقية..

وللحديث بقية في مقالنا القادم بإذن الله تعالى،،