في ثرى جوهرة مسقط (4)


 


"لم تخلو الرحلة من طرفة"

راشد بن أحمد البلوشي

ورغم أنَّ الرحلة كانت محفوفة بالمخاطر والصعاب، إلا أنها لم تخلُ من طُرفةٍ، إذ حمل طاقم "الجوهرة" معهم، على متن السفينة، بعض الطيور الداجنة، وبعد أن أمنوا لها الحياة على ظهر السفينة، استغلت هذه الدواجن الحرية وانشغال الطاقم عنها، فأرادت أن تصل إلى أبعد مما يتاح لها في المكان المحاصر بالخشب، فقفزت من حدود السفينة إلى البحر.. فأصبحت وليمة سائغة للأسماك.

كان من المتوقع أن تصل السفينة إلى كوتشن يوم الثالث عشر من مارس من العام 2010، ولكن نظرا إلى تقلب الرياح، فقد تأخرت جوهرة مسقط، ومن ثم تابعت سيرها، إذ إن الرياح الموسمية الشمالية الشرقية عادة ما تستمر حتى شهر أبريل، إلا أنَّ البحارة المُحنكين قديمًا وحديثاً عرفوا أنّ شهري فبراير ومارس يعدان فترة انتقالية.. ما يعني ضرورة تجنبهما في رحلات البحر.
 يروي البحارة خلال رحلتهم على متن "جوهرة مسقط" قائلين:
-    كنَّا نتحرك بسرعة تصل إلى 6 عقدات، واليوم نبحر ببطء حيث انخفضت السرعة إلى عقدة واحدة. وكما هو الحال دائمًا، مازلنا نأمل أن يأتي الغد برياح أفضل. وعلى الرغم من انخفاض سرعة الجوهرة اليوم، إلا أننا جميعا كنّا مشغولين ببعض الأعمال. وكما قال أحمد بن ماجد  في كتاباته: "إن القبطان الحكيم يفحص سفينته باستمرار وبخاصة الدفة.".
لذلك، ونظراً للضغوط التي تعرضت لها الجوهرة مؤخرا بسبب سوء الأحوال الجوية، استغل القبطان صالح الجابري هدوء الجو في أحد أيام الرحلة، وأمر بتشديد حبال الدفة، وفحص الحبال فوق صواري السفينة بعناية فائقة.
القبطان صالح لم يعرف طعم النوم على مدار أكثر من يومين نظراً لتحمله مسؤولية السفينة لدرجة أنه يوقظ الشخص مرتين للمناوبة.
كما لم يتمكن البحارة من النوم ليلاً.. لأنَّ حبال السفينة كانت تصدرُ صوتاً حاداً وهي تقاومُ الرياح والأمواج ترتفعُ وترتطمُ بحدةٍ في جسدها، كان النومُ في ظروفٍ كتلك.. مسألة مستحيلة، وفي ذلك قال البحار أحمد العدوي:
-    الليل دامس لا ترى فيه إلا ضوء القمر، والنجوم أحلى ما نراه ونعيشه برغم الخوف والقلق، تبقى عيوننا معلقةٌ في السماء بانتظار النهار.
طاقم السفينة استعانوا بمعلومات حول مواقع النجوم من البحار العُماني أحمد بن ماجد، واليمني سليمان المهري ، فيما قام القبطان صالح وإريك سابلس بمقارنة القراءات التي سجلاها مع ما يقابلها من قراءات هذين البحارين العربيين العظيمين. بيد أنَّ هذه المصادر التاريخية تعود لحقب زمنية بعيدة عن عالمنا اليوم، ولا تحتوي في بعض الأحيان على تفاصيل معاصرة.
على سبيل المثال، عبَّر البحار العربي أحمد بن ماجد جزر لاكشادويب باستخدام نفس القناة التي تبحر الجوهرة من خلالها حاليًا. وقال أحمد بن ماجد في كتابه: "إن نجم الشمال يبعد ثلاثة أصابع فوق الأفق عند خط العرض الحالي"، لكنه لم يذكر المسافة التي ينبغي أن يكون الكمال عليها من العين (أي كم عقدة على الخيط)، لذلك، ينبغي علينا تحديد هذه المسافة بأنفسنا. وبمجرد ما نقوم بتدوين قراءات الكمال لكامل الرحلة حتى سنغافورة، سوف تتوافر قاعدة بيانات موثوق بها، ويمكن للبحارة المهتمين بفهم أساليب الملاحة العربية القديمة أن يستخدمونها في المستقبل......يتبع

 


Almeen2009@hotmail.com