الديمقراطية التنموية..!

 

 

حاتم الطائي

بِتوجُّهِ العُمانيين اليوم إلى صناديق الاقتراع للأدلاء بأصواتهم في الاستحقاق الانتخابي البلدي الثاني، تكتمل ملامح المستقبل الديمقراطي والتنموي للبلاد، إذ يُتيح الخيار الديمقراطي في انتخاب أعضاء المجالس البلدية توسيع دائرة صُنع القرار، وتأصيل الفعل الديمقراطي ليكون المبدأ في الممارسات المتعلقة بالفعل التنموي والخدمي؛ خدمةً لنهضة الولايات والمحافظات؛ وفق مُوجِّهات نابعة من صَوْت أبنائها، الذين هم أكثر التصاقًا باحتياجاتها التنموية، وكمُفردة إنمائية تكرِّس لمفهوم الشراكة المجتمعية؛ أصَّلت لها الرُّؤى السامية لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- بإشراك المجتمع في صُنع القرار، ومراقبة الأداء، لتحقيق التنمية والتطوير.

وبينما تُسجِّل نتائج المرحلة الأولى من عُمر مجالسنا البلدية بداية ناجحة للتجربة -بفضل الاهتمام الرسمي والشعبي والظروف الاقتصادية المناسبة حينها- تلتئم الفترة الحالية في مرحلة دقيقة من عُمر عُمان، مرحلة محفوفة بالتحدِّيات وصُعوبات على كافة المستويات؛ تتطلب شراكة حقيقية، وبحثًا عن الحلول والبدائل الكفيلة باستمرار عملية البناء والتنمية، و"وضع الأولويات" عند تحديد الخدمات التي تحتاجها كل محافظة على حدةٍ؛ مما يُعزِّز صوابية القرارات ومنطقيتها، وينعكس بالتالي إيجابًا على وتيرة التنمية.

وإزاء تلك التطلعات، يبقى على كاهل طرفي المعادلة -الناخب والمترشِّح الفائز (باعتبار ما سيكون)- مسؤوليات وطنية عدَّة، تفرضها اللحظات الراهنة، وتتكامل جميعها في سياق المفهوم الشمولي لـ"المواطنة" والشراكة المجتمعية الجادة؛ إذ المطلوب اليوم حراك نابع من الحس والواجب الوطني، يضمن تحقيق أكبر مُشاركة في العملية الانتخابية، وإنجاحها، وأن يقوم ملء استمارة التصويت على اختيار شخصيات وطنية مهنية تمثل القطاع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والوطني العام؛ شخصيات تأخذ بالحسبان وتضع في مُقدمة اهتماماتها مصالح الوطن والمواطن، إذ المقياس الرئيسي لأية انتخابات بلدية في العالم هو "القدرة على تقديم الخدمة".

لذا؛ يُنتظر أن يتعامل المواطنون مع انتخابات هذا العام بما يوازي أهميتها، ودورها التنموي المرتقب، وأن يضع الجميع في الاعتبار أنها لا تقل أهمية عن انتخابات مجلس الشورى في أثرها عليهم، بل هي في الحقيقة ذات أثر مباشر أكثر عليهم؛ لارتباطها بموضوعات ومشاريع تؤثر في صميم حياتهم اليومية، وبمهام وصلاحيات تجعل من المجالس البلدية كيانات فاعلة ومؤثرة في محيط المحافظة، وينتظر منها الكثير في قيادة مسيرة التنمية، وتعزيز مردوداتها الإيجابية. فالدورة الحالية بكل تأكيد تُمثل خطوة واسعة للأمام باتجاه بناء المجتمع بمشاركة جميع فئاته وشرائحه؛ حيث تمسُّ تلك المجالس واحدة من أهم الإجراءات الإدارية الفاعلة في إحداث نقلة تنموية شاملة ومستدامة للوطن، باعتبارها صَوْت المواطن المسموع لدى المسؤولين وصنَّاع القرار.

... إنَّ تجربة المجالس البلدية إذا ما أُحسن استثمار الدور الكبير الذي أُنشئت من أجله، وإذا استطاع القائمون عليها الانخراط العملي في التعامل مع المجتمع، وتكريس سلوك عملي تطبيقي بعيداً عن الأقوال دون الأفعال، تعظم حجم التطلعات في إزالة أية عراقيل أو تحديات تعترض المسيرة؛ والتي يُمكن إلقاء الضوء على أبرزها -مما يمس صميم اختصاصاتها، ويقلل حجم منجزها- وإيكال مهام حلها لجهات الاختصاص؛ ويجيء على رأسها: تداخل المهام والاختصاصات والأنشطة بين أعضاء مجلس الشورى وأعضاء المجالس البلدية، وكذلك إشكالية الميزانيات المرصودة لأمانات المجالس؛ حيث إنَّ واحدة من أبرز المشكلات الرئيسية التي أطلعني عليها بعض الأخوة من أعضاء الفترة الأولى، هي عدم كفاية الميزانيات المرصودة لتنفيذ مشاريع أمانات المجالس المختلفة؛ وفي سبيل ذلك أقترح الاستفادة من الرسوم البلدية في دعم ميزانيات أمانات تلك المجالس لتنفيذ مشروعاتها. ومن الإشكاليات كذلك: نسبة الدعم الحكومي "غير المُرضية نوعًا ما" للقرارات الصادرة، والمشاريع المتفق عليها من قبل أعضاء تلك المجالس، وكطرح يُمكن الاسترشاد به نقول: لماذا لا يتم إشراك القطاع الخاص في تنفيذ بعض المشاريع المتفق عليها من مُنطلق دوره الوطني؛ خصوصا وأنَّ غالبية تلك المشاريع معقولة وليست بنفس الحجم الذي يُرهق ميزانية الدولة؟!

وفي المقابل، فإنَّ توفير صلاحيات مالية وإدارية وقانونية للمجالس البلدية في الفترات المقبلة أصبح واقعا لا حيدة عنه؛ لانعكاساته الإيجابية على أداء الأعضاء، ومساهمته في حلحلة الكثير من القضايا المتعلقة بالمشاريع الخدمية والتنموية التي تواجهها بعض الولايات منذ فترات طويلة، وسيُسرع من فُرص حل المشكلات الاجتماعية والظواهر السلبية التي يُعاني منها المواطن بشكل يومي، والتي باتت تحتاج تحركاً واسعًا للحد من سلبياتها.

... إنَّ الميزة الديمقراطية والتنموية التي تعزِّزها انتخابات المجالس البلدية، وما تعكسه من وعى ونضج في الحراك المجتمعى، تنسحب بالضرورة على نقطة أكثر عُمقا وأبعد معنى؛ وهي أنَّ أرضية "المواطنة المسؤولة" لابد أن تبقى هي المساحة الأرحب على الإطلاق عند كل حديث عن انتخابات تُجرى على ثرى هذا الوطن الغالي؛ مما يضع على كاهلنا -نحن الناخبين- مسؤولية أكبر وأعظم لاختيار أعضاء قادرين على الإسهام فى صياغة أطروحات إستراتيجية مُتكاملة، ورؤى حديثة لبرامج تنموية شاملة، وعمليات تطوير عامة، تنعكس على تطوُّر ولاياتنا ومحافظاتنا؛ في مختلف المجالات والخدمات.. فلا مجال أبدًا للتقاعس عن تلبية نداء الوطن؛ ولنخرج جميعًا اليوم لاختيار مُمثلينا على أساس الكفاءة لا العصبية، فمُستقبل عُمان الوطن تصنعه اختياراتكم وأياديكم، فكونوا على قدر الثقة.