ثنائية الإعلام ومسؤوليته.. "الرُّؤية" نموذجا

 

 

عمَّار الغزالي

 

لم تسعفني الظروف لأن أكون من بين المتواجدين بحفل تتويج الفائزين بـ"جائزة الرُّؤية لمبادرات الشباب" هذا العام، رغم أنني واحدٌ من المتيَّمين بمتابعة فعاليات ومبادرات تلك الجريدة الفتيَّة، التي تمكَّنت على مدى سنواتها القليلة عددًا لكنها عظيمة أثرًا، أن تُؤصِّل لنهج إعلامي متزن، يتمرَّد على التقليدية والروتين، ويُحلِّق في فضاءات الإعلام الجاد، الملتزم بمفردات مسؤولياته تجاه المجتمع.

ولقد ظللتُ طيلة الأحد الماضي -وهو الموعد الذي اختارته "الرُّؤية" ليكون عيدًا جديدًا لأبنائنا من الشباب الفائزين بنسخة هذا العام- أراقب وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة علَّني أقف على صورة أو تعليق ينقلني إلى قلب الحدث، إلى أن أرسل إليَّ أحدهم مقطع فيديو قصيرا لبدء فعاليات حفل التتويج، وظهر في بداية الفيديو صوت مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- حاثًّا أبناءه الشباب على مواصلة مسيرة العلم والتعلُّم، ومذكِّرا إياهم بأن عُمان المجد لهم وبهم، وأن دورهم الآن هو إعداد أنفسهم تعليما وتثقيفا وسلوكا واسترشادا لتحمل مسؤوليات هذا البلد العزيز. أوقفت المقطع للحظات وأنا أسأل نفسي عن هذا السر في التنظيم وتلك الرُّؤية البعيدة للقائمين على هذا الحفل، والآلية التي على أساسها أختيرت تلك الكلمات السامية لتكون مُستهلَّ هذا العُرس السنوي.. ووَجَدتُها فرصةً سانحةً لاستلهام فكرة هذا المقال من تجربة إعلامية تستحق الإشادة والتقدير، تتكئ على عِدَّة مُبادرات مسؤولة تقدِّمها للمجتمع، ربما لا يعلم عنها الكثير من المتابعين.

فمن "جائزة الرُّؤية الاقتصادية" و"مُنتدى الرُّؤية الاقتصادي"، مروراً بـ"مكتبة السندباد المتنقلة" و"جائزة الرُّؤية لمبادرات الشباب"، فضلا عن عديد الفعاليات المتتالية والحملات التوعوية والورش التدريبية، والسياسة التحريرية المتَّسِمة بالاتزان، استطاعتْ "الرُّؤية" أن توجِد لنفسها مكانة قريبة جدًّا من القارئ، الذي بات مشدوهًا بهذا الاعتدال الإعلامي وتأثيره واسع النطاق في إطار المسؤولية الاجتماعية لتصحيح المسار وإيفاء حق المجتمع والمواطنين.

والنقلة النوعية التي تشهدها "الرُّؤية" اليوم، سواءً في مادتها التحريرية أو الإخراجية ومبادراتها المتواصلة على مدار العام، لتَجْعَل الفرصة مُواتية أمام توظيف أمثل لمعطيات الإبداع وتجويد الأداء، واستيعاب مُتطلبات المرحلة المقبلة، ضمن فهم واعٍ للدور الرائد للآلة الإعلامية في بناء الإنسان المستنير، وتغليب الجانب الرِّسالي للإعلام على الجانب التجاري؛ والمساهمة في تنمية الابتكار لدى الأجيال الشابة، وعدم إغفال التفاعل على مَنصَّات التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد؛ كمؤسسة إعلامية تَسْعَى لتحقيق مزايا تنافسية مُعتمدة على مواردها البشرية والإمكانات المتاحة لها، والتُركيز على الجودة والتفاعل الإيجابي؛ لإحداث موازنةٍ بين الرسالة الإعلامية والمسؤولية الوطنية.

فثنائية الإعلام والتنمية أسهمتْ في ظُهور الحاجة الملحَّة لحديث أكثر تفصيلا عن "المسؤولية الإعلامية"، مسؤولية تُعنى برفع درجة الوعي المجتمعي، وتُسهم في بناء القدرات البشرية، وتُساعد في دعم الجهود الرامية للبناء والتقدم، لتتخطى باستهدافِها فكرة "القارئ المتلقِّي" إلى "القارِئ المتفاعِل"، عبر وسائل اتصال قادرة على حمل الرسالة الإعلامية إلى أبْعَد المستويات، وبما يحقِّق أهدافًا وغايات اجتماعية مُستوحاة من الحاجات الأساسية لأبناء الوطن ومصالحهم العامة؛ من خلال فعاليَّات ومناشط مُتنوِّعة، تجعل من الإعلام بمثابة جامعة مفتوحة لها مناهجها المميِّزة والمتغيِّرة مع الظروف والأحداث المتلاحقة.

ولمناسبة الحدث، فإنَّ استحداث مؤسسة إعلامية محلية لجائزة تهتم بالشباب، تدعم إبداعاتهم وترعى مواهبهم، وما يصاحبها من أصداء طيبة جعلت شبابنا يترقبون الإعلان عن فتح المجال للترشح لها سنويًّا، وتعهُّد القائمين على تنظيمها بتنويع مجالات التنافس من أجل تحقيق مزيد من التطوير؛ بُغية خلق بيئة محفزة للابتكار وتعميق مفهوم الشراكة المجتمعية، إنما يمس صميم التجربة المتفرِّدة لـ"الرُّؤية"؛ إذ يعكس إيمانًا حقيقيًّا بتلك الفئة المجتمعية الأكثر أملا في المستقبل، باعتبارهم قادة سفينة المجتمع نحو التقدُّم والتطوُّر، وأداة فاعلة للبناء والتنمية، وهي بالطبع دعوة للتأسي والاحتذاء بتجربة كهذه من قبل مؤسساتنا المحلية -حكومية كانت أو خاصة، إعلامية أو غيرها- لتوفير مزيد من الدعم لتلك الشريحة الفتية؛ كما تبعث برسائل للجانب الآخر، وهم أبناء هذا الوطن من الشباب ورواد ورائدات الأعمال بأن الابتكار والإبداع منظومةٌ مُتكاملة، لا حِيْدة عن الامتثال لقيمها، والتأسيس على مرتكزاتها، وأنها تحتاج منهم فقط "ضربة البداية" وتغيير طريقة التعاطي مع الأحلام؛ وفق أُسس مدروسة بعناية فائقة، تحدِّد المسارات وترسم المستقبل، وبما يُسهم في دفع مسيرة التنمية الشاملة في بلادنا.

إنَّ حديثًا عن المسؤولية المجتمعية لإعلامنا المحلي، واتخاذ مبادرات "الرُّؤية" أنموذجاً للفكرة، يستدعي نُطقًا ساميًّا لقائد البلاد المفدَّى -أبقاه الله- بأنَّ "الطموحات العظيمة للأمم والشعوب لا تتحقق صدفة، أو بالاعتماد على الآخرين، وإنما تتحقَّق بالاعتماد على النفس والعمل الدؤوب، والجهد الخلاق المُبدع"، وهي غايةٌ سامية تتسق وأهداف الرسالة الإعلامية المسؤولة.

ammaralghazali@hotmail.com