للبرلمان قدسيّته يا أعضاء الشورى

على بن راشد المطاعني

بفضول صحفي لفت انتباهي بعض الضوضاء التي تحدث تحت قبة مجلس الشورى خلال الجلسات العلنية، التي تستضيف الوزراء؛ وآخرها استضافة المجلس لمعالي وزيرة التعليم‏ العالي، ما دفعني للتحري لعلّ هناك أمورا أخرى لا تظهرها كاميرا التلفزيون، التي تركز على العضو الذي يستفسر والمسؤول الذي يجيب، ولقطات بعيدة بين الحين والآخر من ردهات قاعة المجلس، إلا أنّ الموقف صدمني عندما شاهدت الصورة كاملة للقاعة وهي أشبه بالفارغة، وتساءلت في نفسي هل بلغ عدم الانضباط من قبل أعضاء المجلس لهذه الدرجة، بل إنّ بعض أصحاب السعادة لا يكتفون بعدم الحضور والخروج من القاعة، بل إنّ حتى الحضور منهم نجد من يتحدث مع زميله وآخر يتصفح هاتفه، وآخرون يعطون المتحدث ظهورهم، والبعض يتناول القهوة خارج القاعة، والبعض الآخر يتحدث في الهاتف، وآخرون يقاطعون الوزير ويرد على تساؤلات بعض الأعضاء، ويعلقون على إجاباته بالسلب، ومرات نسمع مقاطعة إجابات الوزير المستضاف قبل أن يكمل إجابته.. وهكذا دواليك تمضي جلسات مجلس الشورى التي يستضاف فيها الوزراء دون اعتبار لكل القيم والعادات والتقاليد التي يجب أن يرسخها أعضاء ممثلون للشعب؛ الأمر الذي يبعث على الاستياء من هذه الممارسات الخاطئة من أعضاء مجلس الشورى الذين يجب أن يكونوا قدوة للمجتمع، وعلامات يُهتدى بها في الأحاديث والمجالس وقامات ترفع الرؤوس إذا تحدثت بلباقة ولياقة كبيرين، واحترام في السؤال والرد والإصغاء.

فما يحدث في الجلسات يتجاوز كل الأعراف والتقاليد وبرتوكولات الاستضافة للضيوف، فهل الأعضاء جاءوا إلى قبة المجلس للتسلية والأحاديث الجانبية وشرب القهوة وتبادل السوالف وإضاعة الوقت، أم جاءوا لكي يمثلوا عمان ولاية ولاية، أو يشرفوا أبناء عمان الذين اختاروهم لتمثيلهم في مجلس الشورى، تساؤلات تطرح نفسها، وتعكس العديد من الممارسات الخاطئة نوجزها في الآتي:

ـ أولا، يمكن وصف هذه الممارسات وغيرها، بأنّها انتهاك لقدسيّة البرلمان، و لا تحترم مكانته بعد أن تشرفنا جميعا بأن يكون لدينا مجلس للشورى كأحد أركان السلطة التشريعية، وغرفة من غرفتي مجلس عمان الذي ينقل مطالب المواطنين، ويعمل جنبا إلى جنب مع الحكومة والسلطتين القضائية والتنفيذية والجهات الأخرى في إدارة دفة دولة بحجم عمان، فهناك قواعد للعمل البرلماني وأحكام وتقاليد صارمة يلتزم بها العضو بشكل حازم؛ احترامًا و تقديرًا للمكان وهيبته، وانطلاقا من موقع العضو كممثل للمواطنين في المجلس، الأمر الذي يحتم عليه أن يتحلّى بكل المثل والقيم كعضو يمثل ولاية من ولايات السلطنة.

فمجالس الشورى والبرلمانات في كل دول العالم لها قدسية كبيرة تعكس مكانتها في هياكل الدولة وحجمها، وهذا ما حرص عليه مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ـ عند إنشاء مبنى مجلس عمان الذي يضم مجلسي الدولة والشورى والذي يكاد يكون أفضل مبنى في السلطنة أنشئ ليعمر لأكثر من ألف سنة، بهيبة للمكان تكسوه احترامًا ووقارا يجبر من يدلف إلى ردهاته وقاعاته، على تقدير مكانته وموقعه.

فما يجب أن يعيه أعضاء مجلس الشورى، أنّ هذا المكان له قدسيّته ومكانته أراد جلالته ـ أعزه الله ـ أن يكون هدية لأبناء عمان وممثلي ولاياتها ليمارسوا فيه أرقى أنواع الشورى والمشاورة وكل ما من شأنه مصلحة هذا الوطن وأبنائه، وأن يتحلى كل من يدخل إليه بكل القيم والأخلاق التي يجب أن يلتزم بها كإنسان، فما بالك بعضو في مجلس منتخب؛ إلا أنّ هذه القيم وتلك المثل على ما يبدو رُميت وراء ظهور بعض أعضائنا الكرام، بالإخلال المعيب في التعاطي مع المجلس ومن يستضيفه من وزراء.

ثانيا، الجانب الآخر الذي يفرض على أعضاء مجلس الشورى الانضباط في الجلسات احترام الوزير ممثل حكومة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ـ الذي جاء يلقي بيانا عن إنجازات وزارته، ويطلع المجلس على مجالات عملها، ويستمع من الأعضاء إلى ملاحظاتهم في أداء وزارته ويأخذ بها، ويعدل من سياسات وخطط الوزارة في تقديم الخدمات؛ وذلك في ممارسة ديمقراطية تتيح كل السبل للتحاور في كل ما من شأنه مصلحة عمان وأبنائها، ولم يأت لكي يستمع للغمز واللمز، والتعليقات الجانبية والتعقيبات التي تقاطع الضيف في حديثه تارة! وطرح السؤال ثم الهرولة خارج القاعة تارة أخرى، وغيرها من الأخطاء التي لا تقدر المسؤول، فهذا الوزير وذاك المسؤول له اعتبار في الحديث وجها لوجه ويفترض 85 عضوًا يصمتوا لكي يستمعوا للرد مثلما الضيف يستمع إلى السؤال من أصحاب السعادة، في حين كل ذلك غير موجود للأسف في جلسات الشورى، وهو ما يجب ضبطه من مجلس الشورى وإدارته.

ثالثا، الممارسات الخاطئة التي لفتت انتباهي هي خلو القاعة من الأعضاء، فبعد أن يلقي العضو سؤاله ويستمع إلى الرد أو لا يستمع، يهرع خارج القاعة يحتسي القهوة والشاي ويرد على المكالمات الهاتفية ويتجاذب أطراف الحديث مع زملائه، ويجهز بعض الرسائل للوزير الضيف، لذا فترى القاعة مفرغة من الأعضاء، وآخرين في داخلها يتبادلون الأحاديث ويلعبون بأجهزتهم أو يردون على الوات ساب، ونتساءل هل هذا المجلس الذي نريده؟ هل هذه القيم التي تربينا عليها، نخرج من أمام الضيف ونتركه في القاعة؟ بل هل هذه برتوكولات معمول بها في البرلمانات أن يترك الضيف يتكلم وحده في حين أن الأعضاء منشغلون في أمور جانبية؟

 رابعا، الملاحظات التي نرى أن يؤخذ بها في الاعتبار بأنّ أسلوب المخاطبة والسؤال والرد والتعقيب ينزل إلى مستويات لا تليق بعضو مجلس الشورى أن يتلفظ بها، يجب أن تكون لدى الأعضاء كياسة واحتراما في إلقاء السؤال والرد عليه، بأسلوب يليق بمستواه الثقافي، ويعكس مستوى التمثيل للولايات التي يمثلها، لا أن يتبع الأسئلة بتعليقات وردود استفزازية، لكي يظهر شجاعته وقوته اللفظية في الكلام والحديث، والبراعة في اللغة، فنحن مع إيماننا بأهمية طرح الأسئلة على الوزير أو المسؤول أيا كانت في مجال عمله، يجب ألا يتجاوز هذا الطرح معايير اللباقة والأسلوب الذي يجب أن يتحلى به الأعضاء.

خامسا، عند استضافة الوزير في مجلس الشورى فإنّه يناقش مع الأعضاء مستقبل العمل في وزارته كإحدى الجهات التي تقدم خدمات للمواطنين، فهي فرصة إيجابية يجب استغلالها من ممثلي الشعب في هذا الوطن وعدم إضاعة الوقت في ممارسات تحسب مضيعة للوقت والجهد، فإذا كان أعضاء الشورى الذي اؤتمنوا على مصالح المواطنين غير حريصين على ‏الوقت واستغلاله في مناقشة مواضيع تهم الوطن والمواطن، فمن يكون حريصًا بعد ذلك، وعلى من نلقى اللوم بعدهم.

سادسا، أعضاء مجلس الشورى عليهم كذلك ترسيخ القيم العمانية الأصيلة في الحوار، والالتزام بالحضور في القاعة والردود والتعقيبات وغيرها، كأساس لإيصال الرسالة التي حُمَلوا إيّاها إلى الجميع بهذه القيم، خاصة وأنّ الجلسات تبث على الهواء والكل يشاهد في داخل السلطنة وخارجها، فإذا كان مستوى الحضور منخفضا في الجلسات وليس هناك احترام للضيوف، والردود متشنجة؛ وبعضها استفزازية وهكذا، فماذا نقول عن عامة الناس، فأعضاء الشورى يجب أن يكونوا قدوة للجميع في كل حركاتهم سواء داخل المجلس أو خارجه.

بالطبع هناك مجال للاستراحة بين الجلسات وهناك حالات طارئة يمكن لعضو أو عضوين أن يكونا خارج القاعة كالذهاب لدورات المياه أو حالات مرضية، لكن لا يعني أنّ ثلثي الأعضاء في خارج القاعة، فهذا ليس من الأدبيات التي يجب الحرص عليها، والالتزام بها كتقاليد يحترم قيم المجلس.

‏نأمل أن تكون لمجلس الشورى قدسيته كبرلمان من أعضائه، وأن يحترم الجميع الجلسات، وعدم إضاعة الوقت في الهروب خارج القاعة، أو الأحاديث الجانبية أو الالتفات إلى الخلف، فهذه ممارسات تقلل من هيبة المجلس، وتضعف النظرة في الأعضاء، حان الوقت لضبطها من رئاسة المجلس، والكف عنها من أعضائه، والعمل بكل ما من شأنه ضبط السلوكيات الخاطئة أثناء الجلسات في برلمان ليس سوقا أو هبطة..

والله من وراء القصد