القائمة السوداء!

 

 

هلال الزيدي

 

القائمةُ السوداء أو كما تُعرف عند فئةٍ عريضةٍ من أفرادِ المجتمع "البلاك لست" هي قائمة افتراضية المنشأ واقعية الفِعل تُبنى وفق نظرة ضيقة متأججة في معناها واستخداماتها.. هي قائمة تُودي بأحلام فرد أو مجموعةٍ أو طائفةٍ أو دولةٍ إلى طريقٍ مسدودٍ لا يُمكن فتحه مرة أخرى.. وهي مجموعة من السلوكيات تنشأ مع تفاعل المجتمع فيما بين أفراده مؤثرين ومتأثرين ببعضهم البعض كقاعدة مجتمعية.. كما أنها تُعدّ تصنيفا مقيتا يضع الفرد في عُزلةٍ فيكون إنسانا غير مرغوب فيه..

لذلك تُبسط الأسئلة نفسها من أجل الوصول إلى شيء يُذكر، فكيف يُمكن أنّ تتوسع القائمة وتتعدد أسماءها وأوصافها عند الفئة التي تستخدمها بسوء نية؟ وإلى أيِّ حدٍ تُعتبر سبباً يغْرق الكثيرون في لُججه عندما يتعلق الأمر بالرغبةِ في تحقيق هدفٍ ما في بيئة ما؟ وهل السوادُ القاتم الذي يُصيغ وجود القائمة لا يُمكن له أن يُشعَّ نورٌ فتتحول إلى قائمةٍ بيضاء؟

 تلك الأسئلة حاصرتني بعد مشهدٍ واقعي حمل في طيّاته الكثير من العِبر والعديد من المقاصِد عندما جمعتني الصُّدفة بشخصٍ يحمل الكثير من التحديات، فطفق يطرح الأفكار واحدة تلو الأُخرى، ثم يختمها بجملة "لأني وُضِعتُ في القائمةِ السوداء"، وبالتالي لم تُقدّر كفاءاتي، لذلك طرحتُ عليه سؤالاً عميقاً مفادُهُ: بما أنَّها قائمة فحتماً ستحوي مجموعة كبيرة من الأسماء.. فكيف يستطيع المرء التأكُد بأنَّ اسمه يخلو من تلك القائمة؟

دعونا ننطلق من القاعدة العامة في الإسلام التي تتيح للمخطئ العودة من جديد إلى الطريق السليم مهما بلغت ذنوبه عنان السماء ويأتي الحديث الشريف: "التوبةُ تجبُّ ما قبلها" كتبيان صريح بأن يبدأَ الإنسان من جديد ويمحو ما علق به من شوائب.. فربّما هذا يدفع بالقائمة السوداء أنَّ تكون بيضاء، وبتتبُع المسار ذاته نجد أنَّ هناك من تهجّم على الذات الإلهية ومنهم فرعون عندما قال: "أنا ربُكم الأعلى" ليأتيه الرد ليناً، حيثُ قال الله جل وعلا لسيدنا موسى وهارون "اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى"(سورة طه الآية 43 و 44) فسبحانك ربي لم يكن فرعون في القائمة السوداء.. وهذا مجال كبير للتفكّر والتدبّر.

ولو توسّعنا قليلاً نجد الرسالة الربَّانية تدعو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم  بأن يكون لينًا وهو نبي المعجزات المعصوم "ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك" وهذا دليل وإثبات بأن القائمة السوداء لا يمكن أنّ تتشكّل بين أفرادٍ ربهم واحد، ولو نظرنا في واقع الناس الذين يستخدمون نظرية "القائمة السوداء" فإنهم دائما يُشجّعون الناس على النظرة الإسلامية السمحة في التعامُلِ البشري مع إنّهم لا يُطبقونها، فتجدهم يستشهدون بحديث الدين المعاملة، مع تناقُضٍ صارخ في تعاملاتهم، كما أنّ هُناك فئة عريضة تُنادي بعدمِ الحكم على الشخص من موقفٍ واحد، إلا أنّ قائمتهم السوداء تتسع عبر أحكام سريعة فتكون ثابتة لا تتغير.

في علم النفس والإدارة إجماع على  تجريم الفعل وليس الفاعل، بمعنى: إذا أخطأ فلان في شيء سنُجرّم فعله  ولا نُجرّم شخصه كونه الفاعل، حتى في علم التربية الحديثة ركّز التربويون على هذه المفاهيم التي أثبتت جدواها.. فمثلا نقول للطفل إذا فعل فِعلا مُشيناً أو سيئاً (يا حبيبي أو يا ولدي هذا فعلٌ مُشينٌ لا يُليق بك وأنت ولدٌ ممتازٌ) هنا تلوم الفعل وتُجرّمه ولا تُجرّم الفاعل.. بهذه النظرة المبنيّة على الخُلق الرفيع في التعامل نجد عامة الناس لا يُطبِّقون تلك المفاهيم المنظبطة في حياتهم وتعاملاتهم مع الآخرين، فلماذا؟

يقول الكثير من خُبراء التنمية البشرية أنَّ النظرة الشخصانيّة التي تتولد عند هؤلاء الأفراد هي مَنْ تجعلهم يؤمنون بالقائمة السوداء وبالتالي يبتعدون عن المفاهيم المنظبطة حتى وإن كانت تجمعهم الأيديولوجيات الموحدة من عِرق وطائفة ودين ومهنة ودولة.

سؤالٌ آخر يطرح نفسه وهو: ما هي الورقة التي تجعل الإنسان يُضمُّ إلى القائمة السوداء؟ هل لمجرد أنّه يرفض أن يكون تابعاً خاضعاً خانعاً لما يُريده الآخر؟ أم أنّه عندما لا يرغب أن يتنازل عن مبادئه الحقة؟ وبالتالي سيكون في قمة تلك القائمة.

..إنّ الحديث عن القائمة السوداء لا يُعتبر بالضرورةِ تكريساً لها في تمدُدها الاجتماعي لتكون حجر عثرة تقف في وجه مَنْ يطمحُ إلى تحقيقِ الإنجاز، وعلينا ألا نُوغِل فيها، حيث كان كثيرٌ من العلماءِ والعظماءِ والمخترعين مصنفين في القوائم السوداء، لكن لم يمنعهم هذا التصنيف أن يمضُوا قُدُماً في تحقيق أهدافهم، لذلك علينا السير على ما ساروا عليه.

هنا الدعوة صريحة لا تقبل الجدال، فإلى كلّ منْ يُطبّق مفهوم القائمة السوداء أو يقترب منها أحياناً أو يُقال عنه ذلك وإن لم يشعر هو بها، أو من يُطبّق ذلك بنيّة متعمدة، عليه أن يتأكد بأنّ الأيام دول والدائرة تدور وكما تُدين تُدان وإذا فلت من هذا الحساب فإنّ حساب ربّ الناس أعظم من حساب الناس، أما الذين يفعلونها بسوءِ فهمٍ فما عليهم إلا أن يتوسعوا  في قراءة ما ذكرته في بداية المقال المتعلق بتجريم الفعل وليس الفاعل، والتعرّف على  ما شاءوا من تعاليم منظبطة في مختلف الأديان، فبالتأكيد سيتوصلون إلى النتيجة التي ستُغيّر سلوكياتهم وتتحول القائمة السوداء إلى بياض فاقع يسر الناظرين.

همسة:

على الرغم من اتساع القائمة السوداء يبقى هناك بصيص أمل أن تتساقط هذه القائمة عندما يسقُط صاحبها مهما بلغ شأنه.. لأن الحياة دروس وعبر.. فمرة لك ومرات عليك.

 

*كاتبٌ وإعلامي

abuzaidi2007@hotmail.com