العقدة اﻷزليّة في الإجراءات الحكومية

 

خلفان الطوقي

تعتبر بيروقراطية الإجراءات الحكومية عقدة أزلية لمعظم الناس خاصة للمتعاملين مع الجهات الحكومية بشكل مستمر، وتظل مناقشتها في كل ندوة أو مؤتمر أو مجلس أهلي أو حتى حديث بين إثنين، وأتوقع أن يتكرر نقاشها ما لم تسعَ الحكومة جادة بأن تتخذ قرارات جريئة لتفك طلاسم هذه العقدة، وستبقى عقدة لمن أرادها كذلك، ويمكن حلها لمن أراد كذلك أيضا، فهي ليست مستحيلة إلا لمن أراد أن يصورها بهذا الوصف ومن مصلحته الشخصية أن يصورها بهذا الشكل، والدليل هو وجود نموذج رائع يمكن أن نتعلم منه وهو التجربة الناجحة لجهاز الشرطة العمانية السلطانية على سبيل المثال وليس الحصر.

لماذا تعتبر الإجراءات الحكومية عقدة؟ فمن وجهة نظري ووجهة نظر الكثيرين ممن سيقرأ هذه المقالة هي بسبب أحد اﻷسباب التالية: عدم وضوح الخطوات والإجراءات لكل معاملة حكومية لدى الموظف، وفي بعض الأحيان قلة وعي الموظف بأهمية إنهاء المعاملة في أسرع وقت ممكن والآثار المترتبة عليها سلبا أو إيجابا في حال أنهاها أو لم ينهِها، أضف إلى ذلك وجود الاستثناءات الممنوحة للمسؤول الذي يكون عادة في رأس الهرم، إضافة إلى ذلك تداخل بعض المسؤوليات والمهام في أكثر من جهة حكومية، وقلة الصلاحيات العقابيّة للمسؤول في إلزام الموظف بإنهاء معاملة معينة في وقت معين، والتدخل البشري في بعض المعاملات الحكومية مما أدى لظهور ما يسمى بالواسطة أو المحسوبية والمصالح المشتركة (أخدمني وأخدمك) لفئة من الناس دون أخرى.

فكما نجحت بعض اﻷمم في حل طلاسم هذه العقدة، فمن المؤكد أنّه يمكننا حلها في بلدنا أيضا، والحلول لم تعد وصفة سحرية بل أصبحت الحلول متداولة في كل لسان وبديهية عند كل فرد، وعناصر نجاحها أصبحت متاحة، وما علينا إلا تفعيل عامل الجراءة والجدية فقط للتحول والتغير إلى اﻷفضل، ولكي نحل عقدة بيروقراطية المعاملات الحكومية التي تخص المراجعين على وجه الخصوص، فإنني أقترح تطبيق نموذج شرطة عمان السلطانية كأحد أفضل الممارسات المطبقة المحلية، فلا مبرر أن نقول أنّه لا يمكن حل هذه العقدة اﻷزلية في عمان، وهي في اﻷساس مطبقة في بعض الجهات وفي بعض الجزئيات، وما نسعى إليه هو تطبيقها على المستوى الشامل.

ولكي نحل هذه العقدة، فإنني أقترح تطبيق الشفافية بمعناها الحقيقي، أي أن يعرف الموظف اﻹجراءات المتبعة لإنهاء المعاملة الفلانية، وأن يتعرف المراجع أيضا على الخطوات المتبعة لكل معاملة ومسارها، ومن المسؤول عنها، ومدة إنجازها وأسباب رفضها بشكل مكتوب ومن خلال سند قانوني واضح للعيان، أضف إلى ذلك فك التشابك في تداخل المهام والصلاحيات بين أكثر من جهة حكومية، ولا يمكن ذلك إلا من خلال تحديد السيناريوهات والحالات التي تتداخل فيها المسؤوليات والاتفاق "كتابة" على حلها وتحديد الخطوات التي يمكن اتباعها في المستقبل.

ومن الخطوات العملية التي أراها مناسبة هو تقليل التدخل البشري والقرارات الفردية الارتجالية إلى أقصى حد، وجعل المعاملات إلكترونيا لتقليل الإحراج والاستثناءات على المسؤول من ناحية وتقليل المحسوبية من ناحية أخرى؛ ولجعل جل تركيز المسؤول والموظف في تطوير الخدمات بدلا من تكرار العمل الروتيني، ومن اﻷهمية أيضا توسعة صلاحيات المسؤول في تطبيق مبدأ الثواب للمجيد والملتزم والعقاب للمهمل والاتكالي.

 

الحلول كما أسلفت أصحبت معروفة، ولن نتخلص من هذه العقدة بكثرة الندوات والدراسات، والحل يكمن في الجرأة والجدية والحرص على الخروج من عنق الزجاجة الذي بدوره عرقل كثيرا من المشاريع اﻹنتاجيّة وهجرة رؤوس أموال محلية إلى الخارج، ومَنع دخول استثمارات مباشرة ورؤوس أموال خارجية، والذي بدوره سيوصلنا إلى انكماش اقتصادي حقيقي وآثاره ستكون مؤلمة جدا لكل القطاعات، والخيار يبقى لنا، فإما حل العقدة أو تبرير استمرارها.