كن وطنياً فخوراً بعُمان المحبة والسلام

 

حمد العلوي

 

إنّ المرء الذي لا يعرف قيمة وطنه؛ هو أمرؤ غافل ناكر للحق في الأرض وتحت السماء، لأنّ الوطن العزيز لا تضارعه الأوطان في الكون عند الكريم نسل الكرام، وهو ليس مكاناً للسكنى وكسب الحقوق والطعام، وإنّما هو موطن الأُسد الضراغيم والأحرار، وهو كتلة من المشاعر المقدسة ترخص النفس دونه والولد والمال، وإنّ وطنا كعُمان ينشده الكتاب والأدباء والمثقفون، يرنو فيه أمل بكحلة عين ترى سر الوطن والإنسان، ويقصده التجار والسياح والمستثمر والصناع والزرّاع وكل من له في المال شأن، لأنّهم ينشدون فيه الأمن والاستقرار والأخلاق والكرم الأصيل، فيرونه كالثريا في العلياء ترفعاً عن الذل والتذلل وصغائر الفعال، ويرونه كالقمر المضيء منارة للمجد والشمم، شامخة بيضاء كقبس الزمان محبة وسلاما، ووئام كنور على رأس علم يزهو للسمّار، لأنّ عُمان المجد أصبحت محجة للأنام، فكيف يُعقل أن تكبر في نظر العالم، ولا تعظمُ في عيون الصغار الجُّحدُ، أم أصاب العيون الرمد بالرماد، فاستعصت عليها رؤية شمس الضحى من غير ساحب.

إنّ أذى ذوي القربى أشد ألماً وأوسع جرحاً، مقارنة بحسد البعيد الذي يدفعه جوره وقبح به اُبتلي، حتماً سمعتم ورأيتم ما قيل إنّه "سبق من قلب الحدث" فخلال بضع ثوان اشتعل الوطن كرهاً على حكومة ظالمة مهملة لشأن رعيتها، ونسي النّاس أو تناسوا كل التطوّر والتقدم، فغفلوا عن رقي هال البعيد قبل القريب على مدى 46 عامًا من نهضة شاملة غطت السهل والجبل، وعزَّى البعض في نهج التعاضد الاجتماعي، كل ذلك أحدثه عرض مقطع فيديو لأمرأة تسكن من شدة الكفاف بين غصون الشجر، فنزل النّاس تهجماً على شيخ المنطقة، وعلى والي الولاية والدوائر الرسمية في الولاية التي تعيش فيها تلك المرأة المسكينة، ولم يخمد هذه الثورة الانفعالية في نفس المواطن العُماني الغيور على مجتمعه ووطنه، إلا بظهور ابن تلك المرأة ليطفئ ثورة الناس بكلمة حق.

لقد قال "الابن" من خلال مقطع فيديو: يا جماعة الخير الوالدة عندها بيت ومزرعة، وعندها خير عميم، وما رأيتموه كانت عزبة، وهي بجوار زريبة الغنم في طرف مزرعة العائلة، وهي أي "الأم" تصرُّ على أن تبقيها بذلك الشكل، هذا كان بشهادة ابنها، وكُنت قد استغربت عندما قال أحد المعلقين على الفيديو، إنّ هذه فبركة خبيثة، وإنّه سيأتينا بالدليل القاطع على ذلك، وعنّي شخصياً ظللت في شك، أن يأتي بما ينفي ما أظهره مقطع الفيديو، نظراً لقوة الإخراج، وإظهاره بعفوية وبراءة تامتين، وأن الناحية الإنسانية كانت تستحق تجشم ذلك العناء، والذهاب بين المزارع لتنقل من "قلب الحدث" تلك المأساة للإنسانية، كما أرادها المخرج أن تكون، ولكن سرعان ما اتضح، إنّه كان عملاً غير إنساني بل مأساوي في حق الوطن.

ترى، ما الذي كانت تهدف إليه تلك المؤسسة الإعلامية المعتبرة، حتى تظهر علينا بذلك المقطع المثير المختلس، ولماذا لم تنتقل بالسؤال إلى المسؤولين في الولاية، حتى تبرز الموضوع بمهنية بحتة، وهي محقة فيما تفعل بتقصي الحقائق، وإظهارها للرأي العام، ترى، لماذا وقفت وراء ذلك المقطع المثير ليس للجدل وحسب، وإنما مقزز ومقرف في مغزاه وفحواه؟! وماذا يريد بعض المغردين الذين يصرون على ازدراء الوطن، أو المسؤول أو حتى الشخص العُماني في شخصيته، وسلوكه وتحويله إلى نكتة وأضحوكة؟

ونحن نعيش في زمن نمسك فيه على الثبات في قرارنا السيادي بالنواجذ، حتى نؤكّد على قوة المواقف العُمانية وصوابيّتها، وذلك في زمن كثرت فيه الأزمات، وتلاطمت فيه فيضانات الغدر والدس في محيط المنطقة، ومنها ما يريد أن يحيق ببلدنا عُمان واستقرارها بالشر، وهدفه أن ينهش في أمنها القومي، واقتصادها الوطني، وتماسكها الاجتماعي، ووضوحها السياسي، وهناك من يريد أن يغرقها معه في فشله وتخبُّطه السياسي، وهي تكاد أن تكون البقعة الخضراء الوحيدة في الأرض الجدباء، لأنّها لا تجامل على مبادئها، ولا تساوم في احترام عقيدتها، وستظل تدافع عن نهجها الخيّر الداعي إلى المحبة والسلام، وأن يحافظ المرء على نهج العقلانيّة، ليس سهلاً في هذا الزمن المجنون قومه، الطائشة سهامه، الضالة مبادئه في شيء من أحلام اليقظة الواهمة.

إن عُمان ستظل محل فخر لأبنائها المخلصين، فهي ظلّت عبر التاريخ تقود نفسها ولا تقاد، وكان يستفزها الظلم والطغيان، وحكمت الكثير من الأقاليم المجاورة، بطلب من سكانها، ورغبة منهم في رفع الظلم عنهم، حتى أطلق عليها مصطلح "الإمبراطورية العُمانية" فهكذا وجدت نفسها دون طمع أو غدر منها، سيدة ذلك الزمان، إذن ليس في تاريخنا ظلم أو غدر، وهنا سر نجاحنا وبقائنا أسيادا على أرضنا، وهنا مكمن فخرنا بعُمانيتنا، وهذا ما يجعل الكثير من الناس يتمنون لو كانوا عمانيون أحراراً، فكيف يسري العُماني بنظره إلى الأطراف القاحلة بالجدب والخسران؟! ليس المال الرخيص الذي يبني الأمم، وإنّما الذي يدوم المال الحلال الذي يأتي بكد اليمين بلا منة ولا حقد من أحد، فثبّت خُطاك على أرضك، وأحمي سماك وعرضك بالوفاء، فعُمان موطن السادة في هذا الزمن، وكذلك كانت في سالف الأيام.

فما بال بعض شبابنا ترنو أعينهم إلى البعيد، هل مَسَّهم بعض العرب الضعفاء بمس خادع أضاع الصواب، حتى أنّ بعض شعراء الصفوة عندهم، شتموا في شعرهم أهلهم وولاة رزقهم بشوفة الغريب، لا يا أخي العُماني صُن وطنك بالاحترام، ولا تنظر لما عند غيرك في البعيد، فقد تكون شوفتك في البعد سرابا، وأرفع رأسك كما أمرك جلالة السلطان، سلطاننا العظيم الذي أشقاه الزمان لأجل عزّتك وعزة عُمان، وما ضحّى بعمره وصحته إلا ليرى عُمان تسبحُ في الأمجاد، أنظر حولك لترى عظمة تاريخ عُمان، وأرفع شأن وطنك بعلمك وعملك، وليس بالتمني الرخيص والحظ التعيس، وتقليد بغير هدى لهوى الصبيان.. فعُمان العروبة والإيمان، اسم سيظل يُرسم في سماء العز بأزهى الألوان.

Safeway.om@gmail.com