مينجورا (باكستان)- رويترز
عندما انطلق رنين الهاتف في متجر الباكستاني عبد الرحيم في مُنتصف أكتوبر بهت ما إن سمع صوت أحد كبار قادة المُتشددين يطالبه بأتاوة نظير حمايته هو وزملائه من التجار في وادي سوات فالي.
وأخذ النّاس هذه المكالمات التي انطوت على وعيد مأخذ الجد في جيب شمالي من البلاد انتزعت حركة طالبان الباكستانية السيطرة عليه جزئيًا عام 2007 قبل إخراجها منه بعد عامين في عملية عسكرية كبرى اعتبرت ضربة كبيرة لعنف الإسلاميين. ويخشى أهالي المنطقة أن تكون تهديدات الابتزاز الأخيرة وموجة من الاغتيالات في وقت سابق من العام الجاري مُحاولة من طالبان لاستعادة موطئ قدم في تلك المنطقة الجبلية ذات الطبيعة الخلابة التي حكموها ذات يوم بقبضة حديدية. وتُريد القوى الغربية بما فيها الولايات المتحدة سحق الشبكات الجهادية على امتداد منطقة الحدود القريبة مع أفغانستان التي يوجد فيها آلاف من الجنود الأمريكيين يحاربون جماعات مُتشددة أخرى. وخلال المُحادثة الهاتفية التي دارت في 19 أكتوبر أمر الملا أختر القائد المقرب من الملا فضل الله زعيم حركة طالبان الباكستانية عبد الرحيم بجمع المال من 15 ألف عضو في اتحاد تجار سوات الذي يرأسه. غير أنَّ عبد الرحيم رفض التَّعاون خلال الحوار المتوتر وقال لأختر إنّ المُتشددين ليسوا موضع ترحيب في سوات. ويقول عبد الرحيم إن أختر كان يغلي غضبا وهو يقول "سأنسفكم ولن يتمكن حتى الأطباء من العثور على الأشلاء". ومنذ تلك المكالمة تغيرت حياة عبد الرحيم.
فقد تحدث عبد الرحيم مع رويترز في بلدة مينجورا الرئيسية في وادي سوات في وجود اثنين من رجال الشرطة المسلحين يحرسانه من اليمين والشمال بينما كان ضباط سريون يراقبون ما يحدث في الخلفية. وأصبحت كاميرات دوائر تلفزيونية تراقب بيته.
ولم يتسن الاتصال بممثلين للحركة للتعليق على تحركاتهم في وادي سوات ويعتقد بعض السكان أنّ المطالبة بالأتاوات وتزايد الاعتداءات في النصف الأول من العام مؤشرات على اليأس. فالاعتداءات جزء من الحياة منذ 2010 بما في ذلك محاولة اغتيال ملالا يوسفزاي الحاصلة على جائزة نوبل في عام 2012 غير أنّ جرائم القتل توقفت في الأشهر الأخيرة بعد سلسلة من الاعتقالات نفذتها الشرطة.
كما واجهت طالبان صعوبات في بناء دعم عقائدي بعد فترة حكمها الدموية التي استمرت عامين فرضت فيهما تفسيرها المتشدد للشريعة الإسلامية على سكان الوادي البالغ عددهم مليوني نسمة. ومع ذلك فما زالت الحركة نشطة في أماكن أخرى خاصة في إقليم بلوشستان الجنوبي؛ حيث أعلن فصيل من الحركة وتنظيم داعش مسؤوليته عن سلسلة من تفجيرات القنابل والهجمات بالأسلحة النارية أسفرت عن مقتل أكثر من 180 شخصًا.
وسيبذل الجيش الباكستاني كل ما يمكنه من جهد لإبقاء طالبان خارج وادي سوات الذي كان أول منطقة كبيرة تسقط في أيدي المتشددين خارج المناطق القبلية المتاخمة لأفغانستان والتي لا وجود للقانون فيها. ولم يرد الجيش على طلبات للتعليق على الوضع في المنطقة. وترابط في وادي سوات قوة يزيد قوامها على أربعة آلاف جندي باكستاني وفي الشهر الماضي بدأ الجيش إقامة حامية دائمة. وقال المحلل الأمني زاهد حسين إن وادي سوات اعتبر "نموذجا للعملية العسكرية الناجحة. لكن التحدي الرئيسي هو الاحتفاظ بتلك المنطقة وإقامة سلطة مدنية".
وتقول قيادات قبلية من أصحاب النفوذ خاصة من كانوا يعملون مع لجان السلام المناهضة لطالبان إنها معرضة للخطر. فعلى سبيل المثال يسير فضال وهاب في سوق مينجورا المزدحم وهو يخفي مسدسًا تحت ملابسه ويضع على وجهه قناعًا أسود واق من التلوث لإخفاء شخصيته. وقال وهاب الذي واجه تهديدات بالقتل من طالبان لسنوات خلال عمله "لم أتلق أي دعم من أي نوع من الجيش". غير أن المسؤولين المحليين يقولون إن الأمن تحسن. ويقول المسؤولون إن أكثر من ألفين من مقاتلي حركة طالبان طردوا من الوادي إلى المناطق الجبلية على الجانب الأفغاني من الحدود القريبة.
وقالت الشرطة إنّ منفذي الاغتيالات من أعضاء الحركة استخدموا دروبا جبلية غير مطروقة بين منطقتي نورستان الأفغانية وشيترال الباكستانية للتسلل إلى الوادي. وقال أختر حياة خان قائد الشرطة في سوات "ليس من الصعب على واحد أو اثنين أن يتسللا" إلى المنطقة. وأضاف أنّ عدة حملات قادتها أجهزة المخابرات على وسطاء محليين أدت إلى عرقلة شبكة الدعم الخاصة بطالبان وحدّت من الخطر. وفي يوليو تموز اعتقلت الشرطة 12 شخصًا على الأقل في الوادي للاشتباه في تقديم المساعدة في الاعتداءات.
وأشاد تجار محليون بموقف عبد الرحيم في مواجهة طالبان غير أن آخرين قالوا إنهم غير واثقين مما إذا كانوا سيقتدون به إذا ما واجهوا طلبات لدفع أتاوات. وقال نصار أحمد "إذا تلقينا مكالمة فما الذي يمكننا عمله؟ سنتحمل القرار وعلى قلوبنا حجر. لكن ليس أمامنا خيار". أما عبد الرحيم فيصر على موقف المُقاومة. وقد بدأ في الآونة الأخيرة تربية كلاب لحمايته. وقال "كنت أكره تربية الكلاب لكنك تحتاج لتربية كلب ليتصدى لكلب. وهم (طالبان) جوعى الآن. وهم أيضًا يعضون مثل الكلب الذي يعض الإنسان من الجوع".