فلنرسم وطناً على السِّجادة

 

راشد الجنيبي

الصداقة هي محبَّة يغمُرها الإخلاص، ويهنأ بها الصديق، ويرتقي بها لسماء الموَدَّة، وجميلٌ بَخْت المجتمع إذا انبنى على هذا المفهوم من الصداقة، مع صديقاي علي وعلي تشاركتُ اللقمة والمسكنَ والمأكل، نتقَاسم فرحنا ومرحنا وضحكنا معاً، حتى ليالي السمر ننشدُ نغمها معاً، وإن تعسّرَ أمرُ أحدهم تتعسر أمور البقية حتى يتيسر له أمره هو، وفي سكون الروحانية لنا سجادةُ صلاةٍ واحدة، في محراب العبادة أثناء تلك اللحظة الروحانية ونَحْنُ نسمو بالعبادة ونصلي على نفس السجادة، حينَ كَفتُّ يداي للصلاة، أسبلَ عليًّا يدَهُ وسَجَدَ الآخر على تُربة، كلنا نصلي على نَفَس السجادة وكلٌّ منا اعتقدَ بالإرث الديني الذي تشرَّبه من أهله، جميعنا نحن الثلاثة نجد بين ذوينا من هو "المتمذهب" الذي يزكي إرثه الديني دون غيره، وجميعنا أيضا نجد من يميل ألا يصادق أو يعاشر إلا من اعتقد بنفس إرثه الديني، حتى نكاد نظنُّ أن هذه النبرة من طبيعة "الحال"، وقد ننسى أحيانا أن نهجَ "الاختلاف" هي من سمات بني البشر أصلاً، أنا وصديقاي علي وعلي نصلي على نفس السجادة وارتسمَ وطننا على نفس السجادة.

دائما ما نلاحظ في الدول المستقرّة عدم وجود أي مسببات لأي نعرات طائفية، والعكس صحيح، لو نظرنا للأمر بنظرة واقعية وتحليل، وقسنا مفهوم الدول على هرم "ماسلو" لاحتياجات الإنسان، سنجد أنّ ماسلو جعل قاعدة الهرم هي "الحاجات الفسيولوجية" والتي تعني أبسط حقوق البشر كالمأكل والمشرب والتنفس، وجعل بعدها مباشرةً ثلاث حوائج وهن حاجة الأمان ثم الحاجة الاجتماعية ثم الحاجة للتقدير، كل ذلك قبل رأس الهرم "الحاجة لتحقيق الذات"، إذن بين أبسط حقوق العيش إلى أسمى رجاء البشر وهو تحقيق الذات ثلاث حوائج، الأمن والألفة الاجتماعية والتقدير، نجد في الدول المستقرة أن هذه الحوائج الثلاث مكفولةً إلى حدٍّ بعيد، بل البعض منها لأعلى مراتب الرُقي والوعي وهي تحقيق الذات، عكس المجتمعات غير المستقرة لعدم تكفلها للحوائج الثلاث أو إحداهن، العنصرية والطائفية والقبلية إذا كانت مذمومةً لا محمودة والتمذهب وغيرها من هذه المسميات النشاز تنتج ضوضاء عالية وتنسف بذلك الحوائج الثلاث نسفاً، فيخطف الصراع المجتمع وتكون رعاياه الضحية.

كلّ فردٍ عادي في هذا المجتمع وجب عليه لمُّ شمل كل طوائف وكتل وأعراق المجتمع والتعايش مع كل أفراده، لكن بطبيعة الحال يحدث الخطأ لأننا خُلقنا أُناساً ولم نُخلَق ملائكة، تذكر كم مرة سلّمت على أشخاص سلاماً عادي لكن بعد التعارف، رأيت أن ذاك أمير والآخر وزير والثالثُ له مجدٌ غفير، فكررت التحية بحرارة مع قبلاتٍ وأحضان هذه المرة،  تذكر أنك تخلق بذلك فجوةً بين طبقات المجتمع، تذكر كم مرة فضلت ابن عشيرتك او مذهبك عن الآخر في أي أمرٍ كان وأظهرتَ العنصرية العميقةَ في نفسك، يحدث الخطأ بقصدٍ أو بغير قصد وهو واقعٌ لا محالة، آدم الأبُّ الأول أخطأ فبدأت حكاية الإنسان، والإنسان بطبعه ضعيفً ومغلوبُ على أمره وخطّاء ومتناقضٌ أحيانا، وخطأً بدون وعي يفضّل من يقرب له لونا شكلا فكرا دينا عن أي أحد آخر، فالأقرَبُ والأقرب، وقد يكون الأخر أفضل منه سلوكاً وانتاجاً وإنسانيةً، حين يدرك المرأ أنه كونه إنسان يكون قريباً من الخطأ وأنه مثله مثل غيره، يدوس على الكبَر يدوس على التعنصر ويطمر على ذلك النقصان، جرّب فقط أن تكونَ إنساناً!

الوحي الرباني بدأ حكاية الإنسان بـ"خلقكم من ترابٍ ثم إذا أنتم بشرٌ تنتشرون"، وتنتهي حكاية الإنسان بـ"وكلهم آتيه يوم القيامة فَردا"، القائمة تطول وتتخطى المذاهب والأفراد والأعراق؛ ففي نفس المجتمع تجد مراد ومطلق وبخش وكومار وزكي وسامي، كلهم يجمعهم وعاء الإنسان وعاء الألفة وعاء الوطن، أنا الإنسان بل أنا التراب الخطاء المتهالك المتناقض، فمن أنا حتى أرى صديقاي علي وعلي بنظرة شزر!! جمعتني مع علي وعلي سجادة، فلنمدها للتتسع جميع أطياف المجتمع ولنرسم عليها وطناً!