العمل وبيئة العمل!

 

سيف بن سالم المعمري

 

تترقب مُختلف فئات المجتمع في السلطنة بنهم شديد موعد الإجازة الأسبوعية وكذلك إجازات المُناسبات الدينية والوطنية، وكم يحلو للكثيرين مع قرب موعد أيّ مُناسبة تخمين يوم الإجازة وموقعها هل هي في بداية الأسبوع أم في وسطه أو نهايته، وهل تتزامن مع موعد نزول الراتب أم تبعد عنه مسافة زمنية قصيرة أو طويلة وهكذا..

ومما لاشك فيه أنَّ كل إنسان يحتاج إلى الإجازة لتجديد النشاط والهمة واستثمارها في التجمع الأسري أو في تنظيم الرحلات معهم أو مع الأصدقاء، وكذلك لكسر الروتين الذي أعتاد عليه في بقية الأيام، لكن حالة الترقب والنهم الشديد للخروج للإجازات في مجتمعنا تجاوزت الحد الطبيعي، مع إيماننا الكبير بأهمية تلك الإجازات، ولكنها تحتاج إلى دراستها كسلوك وكفلسفة مجتمع، وهل تنتاب حالة الترقب للإجازات جميع فئات المجتمع أم فقط فئة الموظفين والطلاب في المؤسسات التربوية والتعليمية؟ وهل هناك علاقة مباشرة بأثر التربية والتعليم- بكل مؤسساتها بدءًا من المنزل مرورا بالمدرسة والجامعة والمجتمع والإعلام وغيرها- في غرس تلك الثقافة بين الأجيال جيلاً بعد جيل؟ وهل لدينا بيئة عمل محفزة وجاذبة للموظفين وكذلك الحال بالنسبة للبيئات التربوية والتعليمية؟.

ومن وجهة نظري- ولا ألزم بها أحداً- أنّ هناك عدة عوامل أسهمت في تجذر تلك القناعات تجاه الإجازة والنفور من بيئة العمل سواء أكانت في الوظيفية أو حتى على مقاعد الدراسة، فهناك حلقات مفقودة بين التشريعات والأنظمة وبينها وبين الممارسات، وهناك حلقات مفقودة بين رؤى المؤسسات وأهدافها وأدوات العمل، والأهم من ذلك عدم التوفيق في انتقاء القيادات في تلك المؤسسات، حيث يتم تغليب المحسوبية والواسطة والوجاهة في قيادة المؤسسات وخاصة الخدمية منها، الشيء الذي انعكس بالسلب على إنتاجية المؤسسة ووأد كفاءاتها، وأدى إلى عدم إحساس الموظفين بالمسؤولية الأخلاقية تجاه الوظيفة وتجاه المجتمع، فأصبحت الوظيفة بالنسبة للكثيرين تأدية واجب لا أكثر، وأصبحت الوظيفة جسراً للحصول على المناصب وعلى المكافآت والتي تمنحها الكثير من مؤسساتنا لغير مستحقيها وبإجراءات سرية، ولا تستطيع مواجهة بقية الموظفين في أهلية من حصل عليها، مع إن الأصل في الموضوع أن تكون المكافآت للموظفين بشتى أنواعها المادية أو العينية أو حتى التقديرية مُعلنة بحيث لا يختلف اثنان على أحقية موظف ما في تلك المكافأة.

ولعل البعض يقول إنّ هناك إجراءات قانونية وإدارية يتم العمل بها في المؤسسات لردع الموظفين غير المنضبطين، لكنها في كثير من الأحيان غير مهنية وأيضاً لا تخلو من المحسوبية، والتي هي انعكاس مُباشر لجوانب أخرى من حيث أهلية المسؤول لقيادة المؤسسة ومهاراته وقدرته على استثمار طاقات الموظفين وقدرته على تهيئة بيئة العمل المحفزة ونحو ذلك.

ولا يُمكن أن ننكر أن هناك موظفين مخلصين وعصاميين سواء أكانوا رؤساء أو مرؤسين، لكن ما تعانيه مؤسساتنا من المجاملات والتحايل على القوانين والأنظمة من قبل المسؤولين أولاً ساهم في نفور الكثير من الموظفين وعدم الإكتراث بقيمة العمل ورسالته، وما يدلل على ذلك أنه وحتى بعد توحيد جدول الرواتب وتعديل بعض الامتيازات لبعض الوظائف الفنية في الجهاز الإداري للدولة إلا أن ذلك لم يحدث تغييرا ملموسا في ثقافة وسلوك بيئة العمل للموظفين بل وفي تقدم رسالة المؤسسة، فليس التقدير المادي هو الإجراء الوحيد لتحفيز الموظفين والذي كثيرا ما تتعلل به مؤسساتنا تجاه موظفيها، لكن هناك إجراءات أخرى لا تكلف المؤسسة سوى حسن التدبير وتصرف مسؤوليها بحجم الأمانة والمسؤولية التي أنيطت إليهم فالكلمة الطيبة وانصاف المجتهدين وتأنيب المتهاونين قد تسري في عقولهم وحماسهم تجاه الوظيفة والعمل كسريان الدم في الشرايين.

ولا يمكن أن ننكر الجهود التي تبذلها الحكومة لخلق بيئة عمل مثالية من خلال تقديم برامج تدريبية وتأهيلية داخل وخارج السلطنة للكثير من الموظفين بمختلف مواقعهم، وكذلك تقديم المكافآت والتقدير بمختلف أشكاله، لكن الإشكالية في ذلك ليس في  زهد تلك الأدوات بل في إداراتها وإعطائها للمستحقين من الموظفين وحتى الطلاب على مقاعد الدراسة.

فالكثير من المسؤولين الذين يفتقدون إلى مهارات إدارة المؤسسات يستميتون في إساءة استغلال مواقعهم الوظيفة للتشفي والانتقام من زملائهم، ويستغلون العمل كساحة ملائمة لتحقيق مآربهم، وتناسوا أنهم يحملون أمانة عجزت عن حملها السماوات والأرض.

ولا يمكن أن نثبت شواهد على ذلك إلا بالتأكيد على أن ما تنفقه الحكومة من أموال وكوادر بشرية لا تتناغم مع إنتاجية مؤسساتنا، فالمعاملة التي كانت تقضى قبل عشرين عاماً في أسبوعين لا تزال تقضى في نفس الفترة اليوم في مؤسساتنا، والمال العام في المؤسسات يحلو للكل التساهل في إنفاقه حتى لو لم يكن في محل الضرورة الملحة فقط لأنه مال الحكومة!

لذا فلم يعد هناك شيء من الغرابة في أن يتفاعل مجتمعنا مع روزنامة الإجازات ويعزف بأوتار الأيام في التلذذ بقرب موعد الإجازات، فالعمل لا يرضي غريزته في الإنتاجية، لأن بيئة العمل غير محفزة، ولا يهم المجتمع سوى التساؤل عن موعد الإجازة المقبلة؟.

فبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت.

Saif5900@gmail.com