أبرز دور مجلس الدولة في تعزيز البرامج التنموية وتطوير أداء المؤسسات وطرح الحلول الاقتصادية

المنذري لـ"الرؤية": توسيع الصلاحيات التشريعية والرقابية لمجلس عمان تتويج لمسيرة طويلة من تطوير التجربة الشورية بالسلطنة

...
...
...
...
...
...
...
...

الشورى العمانية تتسم بالتدرج والانسجام مع المستجدات المرحليّة وتطوير آليات الممارسة الديمقراطية

الصلاحيات الممنوحة للمجلس تعزز الدور التشريعي والرقابي لتوطيد أركان دولة المؤسسات

البصمات المضيئة لمجلس الدولة تستمد وهجها من الرعاية السامية

تنسيق مستمر بين جناحي مجلس عمان لترسيخ الممارسة الديمقراطية

مجلس الدولة يدعم خطط التنويع الاقتصادي عبر دراسات وأفكار بناءة لمواجهة التحديات

الاقتصاد يستحوذ على الكثير من الاهتمام التشريعي.. والقوانين تستهدف تحفيز وجذب الاستثمارات

حضور بارز للمرأة العمانية في مختلف المجالات بفضل الاهتمام السامي

"مركز التدريب" يستهدف الارتقاء بموظفي مجلس عمان وبناء القدرات المعرفية والبحثية لهم

"الدبلوماسية البرلمانية" تعزز مكانة السلطنة كراعية للسلام وواحة أمن وأمان إقليميّة

أكد معالي الدكتور يحيى بن محفوظ المنذري رئيس مجلس الدولة أن توسيع الصلاحيات التشريعية والرقابية لمجلس عمان يعد تتويجا لمسيرة طويلة من تطوير التجربة الشورية في السلطنة، موضحا أن الشورى العمانية تتسم بالتدرج والانسجام مع المستجدات المرحلية وتطوير آليات الممارسة الديمقراطية.

وقال معاليه- في حوار خاص مع "الرؤية"- إن الصلاحيات الممنوحة لمجلس الدولة تعزز الدور التشريعي والرقابي لتوطيد أركان دولة المؤسسات، وإن البصمات المضيئة لمجلس الدولة تستمد وهجها من الرعاية السامية. وأوضح معاليه أن هناك تنسيقا مستمرا بين جناحي مجلس عمان لترسيخ الممارسة الديمقراطية، وفقا للضوابط التي نص عليها النظام الأساسي للدولة، بما يحقق الرؤية السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- الخاصة بعمل مجلس عمان.

وشدد معاليه على أن استحواذ القضايا الاقتصادية على قدر كبير من الاهتمام التشريعي، يأتي من المنطلق الذي يسهم به الاقتصاد في دفع عملية التنمية، مشيرا إلى أن إقرار المجلس مؤخرا لحزمة من القوانين الاقتصادية يستهدف تحفيز الاستثمارات وجذب المستثمرين.

وحول دور المرأة العمانية في المجتمع ومجلس الدولة على وجه الخصوص، قال معاليه إن المرأة العمانية تحظى باهتمام سامٍ، ولقد تبوأت مكانة مميزة منذ بزوغ فجر النهضة المباركة، مشيرا إلى أن عدد العضوات بالمجلس يبلغ 14 عضوة، بما يمثل 17 في المئة من إجمالي أعضاء المجلس، واصفا معاليه ذلك بأنه تطور نوعي في مسيرة نهوض المرأة العمانية بالعمل البرلماني.

الرؤية- مدرين المكتومية

تصوير/ نواف المحاربي

** تتسم تجربة الشورى في السلطنة بالتدرج المدروس الذي يتماشى مع تطور المجتمع ويمزج بين الأصالة والمعاصرة.. إلى أي مدى أسهم هذا التدرج في ترسيخ الشورى العمانية وتدعيم دورها كأحد أركان دولة المؤسسات؟

أتشرّف بداية وبلادنا تعيش أفراح العيد الوطني السادس والأربعين المجيد بأن أرفع للمقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم –حفظه الله ورعاه- أسمى آيات التهاني معضدة بأصدق الدعاء بأن يمن الله على جلالته بموفور الصحة والعافية لمواصلة قيادة مسيرة التنمية المظفرة التي تشهدها بلادنا في جميع المجالات.

التدرج من بين سمات عديدة تتميز بها تجربة الشورى في السلطنة، والتي تتسم كذلك بمراعاة الأصالة المتمثلة في قيم الإسلام التي تدعو إلى إعمال مبدأ الشورى في كافة الشؤون الحياتية للمجتمع، واستصحاب الإرث القيمي للمجتمع العماني، والذي تتأصل فيه الشورى كقيمة مجتمعية منذ القدم، فهي تحاكي تطور الشخصية العمانية وتتفرد بعدم تقليدها للتجارب الأخرى، وتراعي في مسيرة تطورها الانسجام التام مع الحاجات المستجدة لكل مرحلة.

ومع الحرص على التمسّك بالأصالة، لا تتجاهل تجربة الشورى في السلطنة الأخذ بمعطيات العصر في التطبيقات البرلمانية، والانفتاح على كل ما من شأنه تطوير آليات الممارسة الديمقراطية. وخضعت التجربة إلى التطوير المستمر من خلال مراحل متعاقبة، تؤدي كل منها الى الأخرى في سلاسة وانسجام دون حرق للمراحل. فهي تجربة تم بناؤها لبنة لبنة، كما وصفها جلالة السلطان المعظم في افتتاح الفترة الثالثة لمجلس عمان.

وتبدت مظاهر التطوير المؤسسي لتجربة الشورى في السلطنة خلال هذا العهد الزاهر لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- في تأسيس المجلس الاستشاري للدولة في بداية ثمانينيات القرن المنصرم، ثم إنشاء مجلس الشورى عام 1991، وبصدور النظام الأساسي للدولة بموجب المرسوم السلطاني رقم (101/96)، أنشئ مجلس عمان الذي يتكون من مجلسي الدولة والشورى إيذانا بمرحلة جديدة من العمل الشورى تقوم على الثنائية البرلمانية.

وقد جاء إنشاء مجلس الدولة ليقوم بواجبه جنبا إلى جنب مع الشورى في تحقيق الأهداف الوطنية، وليكون بمثابة أحد الجناحين اللذين تحلق بهما الشورى في السلطنة نحو آفاق جديدة من الممارسة الديمقراطية الراشدة التي تخدم مقاصد التنمية وتعلي صرح دولة المؤسسات.

وتوجت مسيرة الشورى في السلطنة بصدور المرسوم السلطاني رقم (99/2011) بإعطاء صلاحيات تشريعية ورقابية لمجلس عمان، الأمر الذي يعزز العمل البرلماني، ويدعم الأداء الديمقراطي، بما ينسجم مع ملحمة التطوير، والتنمية الشاملة التي تعيشها السلطنة ويستجيب للمتطلبات المستقبلية.

ولقد كان لهذا التدرج دور كبير في إرساء تجربة الشورى العمانية على أسس راسخة وقواعد صلبة، وأسهم في تدعيم قدرتها على مقابلة الاحتياجات ومواكبة التطلعات، كما كان له دور مهم في تعظيم نتائجها ومردوداتها على البيئة التشريعية والرقابية في السلطنة، وبالتالي توطيد أركان دولة المؤسسات التي تمثل السلطة التشريعية أحد أركانها الأساسية.

** كيف ينهض مجلس الدولة بدوره التشريعي والرقابي وآلية العمل المعتمدة؟ وما مردود توسيع صلاحيات المجلس على إسهامه في دعم مسيرة التنمية؟

يحتكم مجلس الدولة في عمله إلى النظام الأساسي للدولة الذي حدد اختصاصات مجلس عمان، وإلى لائحة نظام العمل الداخلي بمجلس الدولة. وفيما يتعلق بآلية عمل المجلس في مناقشة مشروعات القوانين، فإنّ نظام الثنائية البرلمانية يقتضي تبني منهجيّة محددة في ذلك، تتلخص في إحالة مجلس الوزراء لمشروع القانون لمجلس الشورى وبعد مناقشته يحيله إلى مجلس الدولة الذي بدوره يناقشه ويقوم بإقراره ومن ثم يتشرف برفعه إلى المقام السامي. كما أنّ للمجلس اقتراح مشروعات قوانين جديدة أو ادخال تعديلات على قوانين نافذة وإحالتها إلى مجلس الوزراء، والذي يحيلها بعد دراستها إلى مجلس الشورى ومن ثم إلى مجلس الدولة الذي يتشرف برفعها إلى المقام السامي بعد إقرارها.

ولا يقتصر دور المجلس في مجال الاقتراحات على مشروعات القوانين، بل للمجلس تقديم الاقتراحات برغبة، لتعزيز البرامج التنموية وتطوير أداء الأجهزة الإدارية وتنمية الموارد البشرية، والإسهام في إيجاد الحلول الملائمة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها.

ويقوم المجلس كذلك بدوره الرقابي من خلال مناقشة مشروعات خطط التنمية الخمسية والميزانية العامة للدولة، إضافة إلى دراسة التقرير السنوي لجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة وإبداء المرئيات حياله.

أمّا لائحة نظام العمل الداخلي بالمجلس، فقد فصلت جلسات المجلس بحيث يكون للمجلس دور انعقاد عادي لا يقل عن ثمانية أشهر في السنة، وتشكيل ومهام مكتب المجلس ومنها مناقشة التقارير المرفوعة إليه من اللجان عن الموضوعات التي كلفها بدراستها.

وتفصل اللائحة كذلك تشكيل ومهام اللجان الدائمة بالمجلس والتي يبلغ عددها في الفترة الحالية خمس لجان وهي: اللجنة القانونية واللجنة الاقتصادية واللجنة الاجتماعية ولجنة التعليم والبحوث ولجنة الثقافة والإعلام والسياحة. وتتضمن اللائحة بالإضافة إلى ذلك تبيان للدورة التشريعية ومسار مشروعات القوانين داخل المجلس.

إن توسيع صلاحيات مجلس عمان التشريعية والرقابية يعد بمثابة تتويج لمسيرة طويلة من التطوير شهدتها التجربة الشورية منذ انطلاقتها مع فجر النهضة المباركة بقيادة جلالة السلطان المعظم- أيده الله- والذي اختط النهج التطويري لهذا المسار الحضاري الرامي إلى توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في صنع القرار بما يخدم مسيرة تطور البلاد. وغني عن القول؛ إنه يترتب على توسيع الصلاحيات زيادة إسهام مجلس عمان في تعزيز التنمية التي تشهدها بلادنا في مختلف المجالات، وتدعيم مسيرتها الحضارية.

** لمجلس الدولة بصمات واضحة على العمل الوطني في البلاد.. ما أبرز إنجازات المجلس منذ فترته الأولى (1997 -2000) وحتى نهاية دور الانعقاد السنوي الأول من فترته السادسة الحالية؟

إن البصمات المضيئة لمجلس الدولة في العمل الوطني تستمد وهجها من الرعاية السامية لجلالة السلطان المعظم- حفظه الله ورعاه- للمجلس، وحرصه- أيده الله- على أن ينهض المجلس بدوره التشريعي والرقابي بالتكامل مع مجلس الشورى وباتساق مع مجلس الوزراء، في إطار منظومة متناغمة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ضمن دولة المؤسسات التي أرسى صرحها جلالة السلطان المعظم- حفظه الله ورعاه-.

والناظر في مسيرة إنجازات المجلس منذ فترته الأولى (1997 -2000) وحتى نهاية دور الانعقاد السنوي الأول من فترته السادسة الحالية، يجد أنها حافلة بالإنجازات التي تدل على أهمية دور المجلس في العمل الوطني بالسلطنة، كما تجسد هذه الإنجازات ممارسة المجلس لصلاحياته التشريعية والرقابية علاوة على دوره في اقتراح وتنفيذ الدراسات ذات الصلة بالعديد من القضايا الوطنية والمجتمعية من منطلق مكانته كبيت خبرة رفيع المستوى نظراً لما يضمه بين جنباته من خبرات وكفاءات في كافة المجالات.

ولقد اضطلع المجلس طوال مسيرته الحافلة بالكثير من الأعمال على صعيد مناقشة وإقرار مشروعات القوانين وتقديم المقترحات والدراسات في شتى المجالات. ولكي نرسم صورة تقريبية لحجم المنجز في هذا الصدد، يمكن الاستدلال بما أنجزه المجلس خلال دور الانعقاد الأول من الفترة السادسة الحالية؛ حيث تمت مناقشة 56 موضوعاً متنوعاً من خلال 11 جلسة عامة، فيما عقد مكتب المجلس 14 اجتماعاً عرضت عليه خلال 108 موضوعات، بينما عقدت اللجان الدائمة بالمجلس 66 اجتماعاً لمناقشة جملة من مشروعات القوانين والمقترحات والدراسات. وهنا ينبغي التأكيد على أن مجلس الدولة ينهض بمهامه ويقوم بأعماله بدعم من مجلس الوزراء وبالتنسيق والتكامل مع مجلس الشورى، بما يحقق الأهداف المشتركة ويخدم الصالح العام.

** ما هي أوجه التنسيق بين الدولة والشورى من جهة، وبين مجلس عمان ومجلس الوزراء من جهة أخرى؟ وكيف يسهم هذا التنسيق في تحقيق التناغم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لخدمة الصالح العام؟

إن التنسيق بين مجلس الدولة والجهات الحكومية والخاصة، يندرج تحت إطار التوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- والتي تؤكد على ضرورة تفعيل التعاون المشترك بين مختلف الجهات الحكومية بما يسهم في تحقيق الأهداف الوطنية.

وفي سياق هذا التعاون البناء، هناك تنسيق مستمر بين جناحي مجلس عمان "الدولة والشورى"، وقد نظم النظام الأساسي للدولة أحد جوانب التنسيق بين المجلسين وذلك في إطار نهوضهما بالمهام التشريعية الموكلة لهما، حيث ينص النظام الأساسي للدولة في المادة (85) مكررا (35) على أنه: "تحال مشروعات القوانين التي تعدها الحكومة إلى مجلس عمان لإقرارها أو تعديلها ثم رفعها مباشرة إلى جلالة السلطان لإصدارها. وفي حال إجراء تعديلات من قبل مجلس عمان على مشروع القانون يكون لجلالة السلطان رده إلى المجلس لإعادة النظر في تلك التعديلات ثم رفعه ثانية إلى جلالة السلطان". كما تنص المادة (58) مكررا (37) على أنه "تحال مشروعات القوانين من مجلس الوزراء إلى مجلس الشورى الذي يجب عليه البت في المشروع بإقراره أو تعديله خلال ثلاثة أشهر على الأكثر من تاريخ الإحالة إليه ثم إحالته إلى مجلس الدولة الذي يجب عليه البت فيه بإقراره أو تعديله خلال خمسة وأربعين يوما على الأكثر من تاريخ الإحالة إليه، فإذا اختلف المجلسان بشأن المشروع اجتمعا في جلسة مشتركة برئاسة رئيس مجلس الدولة وبدعوة منه لمناقشة أوجه الاختلاف بين المجلسين ثم التصويت على المشروع في ذات الجلسة، وتصدر القرارات بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين، وفي جميع الأحوال على رئيس مجلس الدولة رفع المشروع إلى جلالة السلطان مشفوعا برأي المجلسين".

إذن؛ هذا هو المستوى الأعلى من مستويات التنسيق بين المجلسين ويعنى بأداء المجلسين لدورهما بالصورة المثلى بما يدعم مسيرة الشورى ويرسخ الممارسة الديمقراطية، ويوطد مكانة السلطة التشريعية كركن مكين في صرح دولة المؤسسات.

وعلى صعيد الجلسات المشتركة بين مجلسي الدولة والشورى خلال الفترة السادسة الحالية عقدت جلستان، الأولى لمناقشة مشروعات القوانين المعادة من جلالة السلطان المعظم وهي: تعديلات بعض أحكام قانون شركات التأمين، وتعديلات بعض أحكام قانون استثمار رأس المال الأجنبي، وتعديلات بعض أحكام قانون ضريبة الدخل، فيما ناقشت الجلسة المشتركة الثانية المواد محل التباين بين المجلسين في مشروع قانون الجزاء العماني.

كما يتجسد تنسيق مجلس الدولة مع مجلس الشورى في اجتماعات مكتبي المجلسين والتي تهدف إلى تعزيز التعاون بين المجلسين في كافة الأعمال التشريعية والرقابية. إضافة إلى الاجتماعات التنسيقية للجان مجلس الدولة مع نظيراتها بمجلس الشورى حيال مختلف الموضوعات المشتركة بين المجلسين، علاوة على التنسيق بين المجلسين في بعض الجوانب الإدارية والفنية وما يتعلق بالإدارة المشتركة لمبنى مجلس عمان.

وعن التنسيق المشترك بين مجلس الدولة ومجلس الوزراء، فهو مستمر تنفيذا للتوجيهات السامية القاضية بأهمية تواصل لقاءات مؤسسات الدولة، وتكريس مبدأ الحوار الإيجابي للتوصل إلى رؤية مشتركة حول كافة مسارات العمل الوطني. فالتنسيق بين المجلسين قائم في كل ما من شأنه خدمة الصالح العام من خلال استعراض القضايا المتعلقة بالمجالات الاجتماعية والاقتصادية والقانونية، إضافة إلى التعاون في تطوير آليات العمل.

** ما هو دور المجلس في تقديم مقترحات إلى الحكومة لتعزيز التنويع الاقتصادي بما يضمن إيجاد بدائل تنموية جديدة؟ وكيف ينظر المجلس إلى أزمة تراجع أسعار النفط؟

يحمل التنويع الاقتصادي أهمية استثنائية في بناء اقتصاد مستدام يلبي متطلبات الأجيال الحالية ويقابل احتياجات الأجيال المستقبلية، كما أنه يؤدي دوراً محورياً على صعيد استدامة التنمية وتوازنها بما يعود بالفائدة على الجميع، من خلال استهدافه تعزيز الهياكل الإنتاجية وزيادة الدخل والإسهام في تفادي مخاطر الاعتماد على مورد واحد للدخل، ومن خلال المساعدة في إضفاء المرونة اللازمة على الاقتصاد بما يدعم قدرته على مجابهة المتغيرات واستيعاب المستجدات وامتصاص الصدمات، علاوةً على أنّ للتنويع دورا جليا في تعظيم المردود التنموي بوجه عام من خلال تعزيز نمو الناتج المحلي وزيادة وتنويع المشاريع وشمولها لكافة المجالات الأمر الذي يمكنها من توظيف الأيدي العاملة الوطنية وزيادة القيمة المضافة.

ومن المعروف أن السلطنة تمتاز بمقومات عديدة تساعد على التنويع الاقتصادي، فمن الناحية الجغرافية تتميز بلادنا بموقع استراتيجي يؤهلها لأن تكون مركزاً للخدمات اللوجستية لمنطقة الخليج والدول المطلة على المحيط الهندي ودول شرق إفريقيا، يساند ذلك بنية أساسية مهيأة تتمثل في مشروعات الطرق والموانئ إضافة إلى مناخات الاستقرار السياسي والأمن والأمان التي تتمتع بها السلطنة فهذه العناصر مجتمعة تشكل أساسا متيناً ومرتكزاً قوياً لتمكين القطاع اللوجستي، وحجز مكانة مرموقة للسلطنة على خارطة التجارة العالمية.

وإدراكاً لأهمية التنويع الاقتصادي في مستقبل اقتصادنا الوطني، فقد أولته خطة التنمية الخمسية التاسعة (2016-2020) اهتماما كبيراً، وأكدت أهمية تسريع وتيرته بما يساهم في تقليل اعتماد الاقتصاد الوطني على النفط، والحد من تداعيات الصدمات الخارجية التي تترتب عليها التذبذب في أسعار النفط في السوق العالمي. وتأكيدا لهذا الاهتمام، حددت الخطة خمسة قطاعات للتنويع الاقتصادي لتفعيل إسهامها في عملية النمو الاقتصادي وتشمل: الصناعة التحويلية النقل والخدمات اللوجستية السياحة الثروة السمكية والتعدين. ولو وقفنا على تفاصيل هذه القطاعات نجد أنّها تتوافر على العديد من عوامل النجاح، ففي قطاع السياحة مثلاً تتمتع بلادنا بمقومات سياحية طبيعية متنوعة يمكن التأسيس عليها لإرساء القواعد لصناعة سياحية متكاملة وجاذبة للسياح.

وفي هذا الإطار تقوم وزارة السياحة بدور مقدر في التعريف بمقومات السلطنة السياحية، يساندها في ذلك القطاع الخاص والذي يعول كثيراً على دوره المستقبلي للمزيد من الارتقاء بهذا القطاع بما يدعم إسهامه في رفد اقتصادنا الوطني بموارد متجددة.

وكذلك الحال فيما يتعلق بالثروة السمكية والتي تشكل مورداً اقتصادياً متجدداً؛ حيث تتمتع السلطنة بمزايا عديدة في هذا الجانب تتمثل في سواحلها الممتدة وما تزخر به مياهها من ثروات سمكية كبيرة ومتنوعة وكل هذا يؤهل هذا المورد الاقتصادي لأنّ يحتل مكاناً متقدماً على خارطة التنويع الاقتصادي للسلطنة.

وإذا نظرنا إلى التعدين فهو أيضاً قطاع واعد لما يكتنزه باطن الأرض العمانية من ثروات وما تزخر به جبال السلطنة من خامات معدنية متعددة، فالقطاع مرشح لأن يسهم بفاعلية في دعم توجهات السلطنة نحو التنويع الاقتصادي، وإذا أضفنا إلى ذلك قطاع الصناعة التحويلية تكتمل منظومة القطاعات الواعدة التي ستقود قاطرة اقتصادنا الوطني نحو آفاق جديدة من النمو والاستدامة.

ويمثل الاستثمار داعماً أصيلاً لاستراتيجية التنويع الاقتصادي، خاصة أنّه يمكن عبر الاستثمارات المختلفة توطين التقنية، والتوظيف النوعي للقوى العاملة الوطنية في شتى مجالات العمل إضافة إلى ترسيخ مكانة المنتجات والصناعات العمانية وتدعيم قدراتها التنافسية في الأسواق الإقليمية والدولية.

وتسعى السلطنة إلى أن تكون وجهة استثمارية جاذبة من خلال توفير حزمة من المزايا والتسهيلات للمستثمرين خاصة في المناطق الاقتصادية وفي مقدمتها منطقة الدقم الاقتصادية والتي تمثل رأس الرمح في توجهات السلطنة لجذب الاستثمارات وتوظيفها في مشاريع عملاقة لتشكل إضافة نوعية لاقتصادنا الوطني.

ويعمل مجلس الدولة وفي إطار اختصاصاته التشريعية والرقابية، جنباً إلى جنب مع بقية مؤسسات الدولة، على مؤازرة كل الجهود الرامية إلى رفد اقتصادنا الوطني بما يعين على التنوع ومواصلة مسيرة النمو والازدهار. وفي هذا السياق تقوم لجان المجلس ببعض الدراسات التي تخدم القطاع الاقتصادي إضافة إلى الجهود التنسيقية المشتركة مع مجلس الشورى بهدف توحيد الرؤى والأفكار لتنمية الاقتصاد الوطني ومواجهة التحديات الاقتصادية والتي تتطلب مواجهتها تضافر جهود جميع القطاعات الحكومية والخاصة.

وأرى أنّ الأزمة الحالية الناتجة عن التراجع الحاد في أسعار النفط تنطوي على فرص مواتية لبلادنا لدعم توجهات التنويع الاقتصادي والمضي قدماً صوب مرافئ الاستدامة.

** أقرّ المجلس مؤخرًا حزمة قوانين ذات علاقة بالشأن الاقتصادي، وتمس عمق المسألة الاقتصادية ومن هذه القوانين: تعديلات قانون ضريبة الدخل، وقانون استثمار رأس المال الأجنبي، وقانون شركات التأمين.. ما رؤية معاليكم لإسهام هذه القوانين في تعزيز نمو الاقتصاد وتدعيم قدرته على مجابهة التحديات؟

إن إقرار المجلس للقوانين ذات العلاقات بالشأن الاقتصادي يأتي ضمن اختصاصاته بمناقشة وإقرار مشروعات القوانين المحالة إليه والتي تتنوع في طبيعتها ما بين الاقتصادي والاجتماعي والقانوني وغيرها. ومن صميم مهام المجلس كذلك، اقتراح مشروعات قوانين جديدة أو اقتراح تعديلات على قوانين نافذة في المجالات المشار إليها آنفاً. والشاهد أن الاقتصاد وباعتباره عصب الحياة، يستحوذ على الكثير من الاهتمام التشريعي لتنظيم تأثيراته على مختلف أوجه الحياة عبر منظومة من التشريعات والقوانين.

ولا شك أن تعديلات قانون ضريبة الدخل وقانون استثمار رأس المالي الأجنبي وقانون شركات التأمين والتي تم إقرارها مؤخراً في جلسة مشتركة بين مجلسي الدولة والشورى بعد أن تم إعادتها من جلال السلطان المعظم- حفظه الله ورعاه- تتسم بأهمية خاصة لعلاقتها المباشرة بعدد من الجوانب الاقتصادية، فقانون ضريبة الدخل يتعلق بتطوير نظام التحصيل الضريبي باعتباره جزءاً من السياسات المالية للدولة والذي يشمل تأثيره الجوانب الاقتصادية، وكفاءة استخدام المواد الإنتاجية، كما أن قانون استثمار رأس المال الأجنبي يتضمّن قواعد واضحة تستصحب الممارسات العالمية المتميزة وتراعي الالتزامات الدولية للسلطنة، إضافة إلى اشتماله على جملة مستجدات منها إلغاء رخص القيد الإلزامية واشتراطات الملكية المحلية والحد الأدنى لقيمة الاستثمار. وكل هذا من شأنه تحفيز المستثمرين وجذب الاستثمارات بما ينعكس ايجاباً على الاقتصاد الوطني ويدعم مساره التنموي.

** يتنامى الحضور البارز للمرأة العمانية في كافة المجالات ومختلف المواقف.. ما تقييم معاليكم للإسهامات التنموية للمرأة العمانية عموما، ودورها في مجلس الدولة على وجه الخصوص؟

إن الحديث عن تطور المرأة العمانية وتنامي حضورها في كافة المجالات، لا ينفصل في سياقه العام عن تطور المجتمع العماني منذ انبلاج فجر النهضة المباركة في عام 1970 بتولي حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم؛ حيث شهد المجتمع قفزات تطويرية متلاحقة تمثلت أبرز مظاهرها في نشر التعليم وتوفير الرعاية الصحية ومد مظلة الخدمات في جميع أنحاء السلطنة ليتفيأ ظلالها الشعب العماني، وتطور وفقاً لذلك منظوره المجتمعي واتسع أفقه المعرفي، لتبدأ رحلة الإنصاف للمرأة باعتبارها نصف المجتمع وشريك للرجل في مسيرة التنمية الشاملة التي تشهدها بلادنا في مختلف المجالات.

لقد حققت المرأة العمانية مكتسبات عظيمة بفضل الله تعالى ثم لرعاية قائد مسيرة نهضة عمان الحديثة، إضافة إلى ما تجده من دعم قوي من أسرتها، ونتاج لذلك نجد أنّ المرأة اليوم تسجل حضوراً بارزاً في مؤسسات التعليم؛ حيث إنّ 60% من طلاب الجامعات من الفتيات، ويعكس ذلك الإقبال الكبير على التعليم مما أثمر عن تبوء المرأة العمانية مراكز مرموقة لتصبح الوزيرة والسفيرة وعضوة البرلمان وغيرها من المناصب التي تتقلدها بكفاءة واقتدار، متقدمة بذلك على الكثير من رصيفاتها على الصعيد الإقليمي.

وقد احتفلت بلادنا قبل فترة بيوم المرأة العمانية الذي يصادف 17 أكتوبر من كل عام، وهو يوم تم تخصيصه من قبل المقام السامي لجلالة السلطان تكريماً للمرأة العمانية وتقديراً لإسهاماتها التنموية، وهو بذلك يشكل مناسبة للوقوف على ما تحقق لها من مكتسبات وما تصبو إليه من تطلعات للعمل على تحقيقها في المستقبل الذي نأمل أن يحفل بالمزيد من إسهامات المرأة العمانية وفي جميع المجالات.

وفيما يتعلق بالشق الثاني من السؤال حول دور المرأة في مجلس الدولة، فإن للمرأة تواجدا بارزا في المجلس، وتسهم بفعالية في كافة أنشطته وهو تواجد بدأ مع إنشاء المجلس بتعيين عدد من العضوات المكرمات فيه، واستمر الحال على هذا المنوال في فترات المجلس المتعاقبة وصولاً إلى الفترة السادسة الحالية؛ حيث يبلغ عدد العضوات بالمجلس 14 عضوة بما يمثل 17% من إجمالي أعضاء المجلس وهو تطور نوعي في مسيرة نهوض المرأة العمانية بالعمل البرلماني.

** كيف تعملون على تنمية الموارد البشرية المتخصصة في العمل البرلماني، وما البرامج التي ينفذها المجلس لتطوير مهارات موظفيه؟ وما الإسهام المتوقع لمركز تدريب مجلس عمان الذي تم تدشينه مؤخرا في تعزيز قدرات منتسبيه والارتقاء بأدائهم؟

إن الموارد البشرية الكفوءة والمؤهلة تأهيلاً جيداً، تمثل أساس النجاح لأي عمل يقوم على الجهد البشري، وانطلاقاً من الادراك الواعي لهذه البديهية، تكرس السلطنة جهوداً مقدرة وتسخر إمكانيات كبيرة لتحقيق هدف تنمية الموارد البشرية من خلال التعليم والتدريب حتى تنهض بدورها في التنمية الشاملة على أفضل وجه. والمجلس كجزء من منظومة مؤسسات الدولة يعمل على تطوير مهارات منتسبيه وتعزيز قدراتهم من خلال برامج تدريبية نوعية ومتخصصة.

وجاء تدشين مركز تدريب مجلس عمان، وفق رؤية تركز على التدريب لممارسة العمل البرلماني لأعضاء مجلس عمان وموظفيه، ويسعى لتحقيق جملة أهداف منها ترسيخ أسس الممارسة البرلمانية المسؤولة من خلال الطرح العلمي والموضوعي لمختلف القضايا الوطنية ومساعدة أعضاء المجلسين على أداء مهامهم التشريعية والرقابية بكفاءة وفاعلية، والإسهام في بناء القدرات المعرفية والعلمية والخبرات البحثية لدي موظفي المجلسين لتمكينهم من أداء دورهم في تقديم الدعم الفني والمعلوماتي لأعضاء المجلسين، ونشر الوعي بمهام المجلسين وتأصيل الثقافة البرلمانية الهادفة وفقاً للمفاهيم الصحيحة.

وإجمالا؛ تتلخص مهام مركز التدريب في تدعيم الأداء البرلماني التشريعي والرقابي لمجلس عمان عبر الدورات التدريبية والندوات وورش العمل وتبادل الخبرات والمعلومات مع معاهد التدريب المماثلة إقليمياً ودولياً. ومن المنتظر أن يكون لهذا المركز مردود إيجابي ملحوظ على تطوير الممارسة البرلمانية في السلطنة.

** ما دور المجلس في تعزيز دبلوماسية السلام العمانية الرائدة إقليميا ودوليا، ومواقفها الداعمة للأمن والاستقرار في المنطقة؟

حققت دبلوماسية السلام العمانية إنجازات مشهودة على صعيد إرساء دعائم السلام والاستقرار في المنطقة، وهذا النجاح للدبلوماسية العمانية يستند على الأسس الراسخة والمرتكزات القويمة التي تقوم عليها السياسة الخارجية للسلطنة والتي رسم معالمها وحدد نهجها جلالة السلطان المعظم- حفظه الله ورعاه- وفق مبادئ تراعي الاعتدال والتوازن والحيادية، وتعلي قيم الحوار في حل الخلافات بين الدول وتحث على الالتزام بالموضوعية والإيجابية، والنأي عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول والعمل على تسوية النزاعات بالطرق السلمية بعيداً عن استخدام القوة.

إنّ هذه المبادئ وغيرها من الموجهات الخيرة التي تحكم علاقة السلطنة مع أسرتها الدولية، جعلت بلادنا موضع احترام من جميع دول العالم، كما تحظى جهود الدبلوماسية العمانية لحل العديد من النزاعات والخلافات بالتقدير الدولي.

ويعمل مجلس الدولة على تعضيد دبلوماسية السلام العمانية من خلال أنشطته التي تندرج تحت إطار ما يمكن أن يصطلح عليه بـ"الدبلوماسية البرلمانية" فالمجلس يعمل ومن خلال لجان الصداقة البرلمانية وعلاقاته بالمجالس المثيلة في جميع أنحاء العالم، على تعزيز الصورة الذهنية عن السلطنة كراعية سلام وواحة أمن وأمان في محيطها الإقليمي ووسط أسرتها الدولية قاطبة.

تعليق عبر الفيس بوك