توين فيلا

 

أحمد الرحبي

من الأخطار التي قد تُهدِّد الاستقرار في أيِّ مُجتمع من المُجتمعات أن يرتبط السكن فيه بالقيمة السوقية وتذبذبها وأن يتعرَّض السكن كونه يُمثل أهم أولويات المواطن في هذا المجتمع للتَّحكم في أسعاره من قبل فئة انتهازية من تجار العقار والمُقاولين المُتحكمين بالسوق، فإنَّ السكن يُعتبر من المتطلبات الأساسية من أجل حياة هادئة ومستقرة، فتوفر السكن الملائم المزود بكافة المرافق الحياتية الضرورية يرتبط دائماً بالاستقرار، فلاشك أنّ المسكن المهيأ بأسباب الراحة والمزود بالمرافق الصحية يُعتبر من الأولويات لكل أسرة تبحث عن الاستقرار.

فمن مظاهر المجتمع المُستقر الذي يتمتع أفراده بالاستقرار والاطمئنان المنزل الذي هو الرافعة الاجتماعية والأسرية لتحقيق هذا الاستقرار والاطمئنان والتمتع به على أرض الوطن حيث يشكل السكن مظهراً من مظاهر الحياة الكريمة المستقرة للإنسان التي ينشدها في مجتمعه وفوق أرضه، فالسكن الملائم الذي يتضمَّن كافة المرافق الحياتية الضرورية يمثل الحد الأدنى لمعيار الرفاهية في المجتمع والشرط الأول للاستقرار الاجتماعي والمظهر المعبر عن تمدن هذا المجتمع وتحضره.

وهناك في الواقع أزمة سكن حقيقية بات يُعاني منها المواطن العُماني معاناة حقيقية لا يُفيد صم الآذان والتجاهل الحكومي حيالها تتركز هذه الأزمة في مدينة مسقط كونها مازالت تشكل لوحدها المدينة والحاضرة الأبرز في السلطنة وكمُستقر للكثير من العائلات والأسر من مختلف مناطق السلطنة بحكم الارتباط بالعمل والوظيفة في مدينة مسقط وكونها تعتبر سوق عمل يستقطب ومازال الملتحقين بالوظائف والأعمال في القطاعين الحكومي والخاص وذلك لتركز جل مصالح ومؤسسات هاذين القطاعين الحيويين في هذه المدينة ويتضح لنا مدى عمق هذه الأزمة إذا ما عرفنا الصعوبة التي تواجه المواطنين بداية من متوسطي الدخل وليس أصحاب الدخل المحدود وحدهم سواء في توفير أرض سكنية لبناء بيت العمر عليها وذلك بسبب الغلاء الواضح في قيمة الأراضي السكنية في مسقط، أو عند مواجهة الكلفة الباهظة لشراء بيت جاهز بدون أية مواصفات أو معايير مضمونة والذي أصبح يعرف في السوق بالبيت التجاري الذي يُعتبر من بين الحلول الصعبة التي لا مفر منها لمواجهة صعوبة توفير المسكن في مدينة ينافس فيها غلاء إيجار العقارات السكنية وارتفاع القيمة الباهظة لها أبرز المدن العالمية، فالتوين فيلا مثلاً الموزعة بشكل غير متكافئ مع مساحة 600 متر مربع للأرض أصبحت من أبرز الحلول العقارية المتاحة في السوق العقارية التي يضطر للجوء إليها الباحث عن امتلاك السكن للاستقرار له ولعائلته.

إنّ مسألة توفير الأرض بالأسعار الحالية للأراضي في السوق المبالغ فيها مازالت تعتبر عقبة كأداء في طريق تحقيق حلم البيت والمسكن للأسر العمانية، خاصة بعد تقليص نسبة السُّلف الممنوحة في البنوك وربطها بحد أقصى هو 50% من الراتب وهو الأمر الذي يعد قرارًا صائبًا من البنك المركزي ناحية الحد من تراكم السُّلف وتضخمها وبالخصوص السُّلف ذات الغرض الاستهلاكي، فبعد هذا التقليص باتت هناك صعوبة كبيرة تواجه الكثير من العمانيين في توفير ثمن الأرض السكنية تمهيدًا لبناء بيت، في ظل الغلاء المبالغ فيه لثمن الأراضي في السوق العقارية التي يتحكم بها أشخاص معينون من كبار المشتغلين ببيع الأراضي وترويجها في السوق المحلية.

إنّ على الحكومة التي تستشرف المستقبل بنظرة تنموية ثاقبة ألا تكل مسألة تعتبر مهمة وملحة في كل مرحلة من مراحل التنمية مثل مسألة توفير السكن إلى تجاذبات السوق العقارية وانتهازيتها التي تستغل الطلب المُلح للسكن من أجل التربح السريع على حساب الآخرين وحاجاتهم الملحة، فإنّ التَّدخل من جانب الحكومة من أجل تنظيم سوق الأراضي السكنية ووضع الضوابط واللوائح المنظمة لها، خطوة ضرورية لتحقيق الاستقرار في هذه السوق وخلق حالة من التوازن في أسعارها بما يفي بهامش معقول من الربح، فالسكن يبقى من الضرورة بمكان، ويعتبر بالنسبة للإنسان المعاصر أس الاستقرار والتجذر في المكان نقيض عادة التنقل والترحال اللذين لا يعنيهما المكان كمسرح يختمر من خلال التجربة المعاشة على خشبته كل ما هو ثقافي واجتماعي وحضاري في التجربة الحياتية للإنسان.