عَلى طَاولةِ الدُّكتُور الوَلِيد الهِنَائِيّ

 

سلطان بن خميس الخروصي

 

التربية هل اللَبِنة الأولى في بناء القاعدة المتينة لمجتمع فتيّ يسعى لتحقيق التكامل المعرفي والاقتصادي النَّوعي في خِضم مُتغيرات المرحلة الراهنة؛ فعالم اليوم لا ينظر إلى من يتفيقه في التربية المِثالية النمطية بل يشدُّ على يديّ الثاقب برؤيته نحو تجويد الاقتصاد المعرفي والمهني عبر مسارات التربية الناجحة؛ ولا يُمكن للأخيرة أن تتحقق ما لم تُبنى على مؤشرات علمية حقيقية قوامُها الفكر المُستنير، والعقل الرزين، والقلم المُستقل الرفيع، فهنا يُمكن القول إنّ انتقاء شخص بعينه لإدارة مؤسسة تربوية تسعى للتنافس وإبراز جديد التربية والتعليم ليس بالأمر الهين؛ فهناك من يتقلّد زمام القيادة بصورة نمطية عبر توجيه البوصلة إلى ما اعتادت عليه المؤسسة بعيداً عن ضخّ الدماء النوعية الجديدة، أو تسيير القرارات الهُلامية دون أن تكون له قَوَامة اتخاذ القرارات الناجعة في سلك التطوير التَّربوي، أو دون الاطلاع على حيثيات ما استجدَّ في عالم تربية المجتمع العالمي وإسقاط تلك التجارب على مؤسسته، بينما يمكن الإشارة بالبنان لمن يمتلكُ آفاقاً رحبة في قراءة مستجدات المجتمع والاحتياجات التربوية والتعليمية بما يواءم وطبيعة المواقف الحديثة التي أصبحت لا ترى في التعليم مجرد تلقينٍ في الصفوف الدراسية وتفريغ في الاختبارات فحسب بل مُمارسة وسلوك حياة عبر نافذة القناعة والاستيعاب المبنيّ على الإنجاز التدريسي للكوادر الكفؤ والتي ينبغي الاستفادة منها عبر رفدهم في الأقسام والدوائر المختصة بالحقل التربوي.

روي في الأثر "أعطي الأجير أجره قبل أن يجف عرقه" وقيل أيضًا "من لا يشكرُ الناس لم يشكر الله" فحينما نجد مؤشرات توحي بالإنجاز في مؤسسة ما فمن الضروري بمكان أن نُبارك مثل هذه الجهود، بل ونُصفق بحرارة وحفاوة لهكذا عطاءات مُتدفقة تُقدِّم الجديد بصورة متواترة، ومن خلال وجودي في هذه المؤسسة العريقة بمُحافظة جنوب الباطنة لستِّ سنوات متوالية ومع تعاقب من تقلّد زمام إدارة المؤسسة التعليمية بها، وجدتُ الكثير من المؤشرات التي تُنبئُ عن جِدِّية التطوير والتجويد النوعي في السلك التربوي، فطبيعة القلم الصحفي أن يقرأ ما وراء الخبر والمؤشرات ليُقدِّم طبقاً يوجز الإنجاز والنتائج للقارئ والذي قد يُتَفقُ معه أو دون ذلك، وحينما نتحدث عن الإنجاز النوعي لتعليمية جنوب الباطنة فإنَّ ذلك يُعطينا إشارة إلى درجة المُتابعة والتَّواصل من قبل المسؤول المُباشر للإجابة عن سؤالين رئيسيين لكل طموحٍ تطويري مُرتجى وهما: ماذا نُريد أن نُنجز؟، وأين وصلنا في هذا الإنجاز؟.

قبل فترة وجيزة كان هناك حِراكٌ اجتماعي من قبل مُعلمي السلطنة يُطالب بالإصلاحات التعليمية وإعادة النظر في المناهج الدراسية، ودراسة واقع المُعلم العُماني، ليتطور ذلك الحِراك بشكل مُباشر في محافظة جنوب الباطنة وكاد يوصلنا إلى مرحلة خطِرة، وبعد أن تقلّد الدكتور الوليد الهنائي زمام المسؤولية يلحظُ المراقب للمشهد التربوي تغييراً في بوصلة النَّظر إلى المحور الرئيس بالمؤسسة التربوية ونعني بذلك المُعلم، حيث سُنَّت حُزمة من القرارات والتوصيات التي تُطالب إدارات المدارس بضرورة الالتزام بالضوابط الاعتبارية لحقوق المُعلم الوظيفية والإنسانية، كما وأنَّه في يوم المُعلم العُماني للعام الدراسي المنصرم 2015/2016م، شهدنا احتفالية ذات نكهة خاصة يؤكد درجة اهتمام المُحافظة بكوادرها التعليمية متمثلاً في تجربة فريدة على مستوى المحافظة بالزُّهوِ على مروج الميلينيوم الفاخرة وبحضور رسمي رفيع المستوى كقيمة دلالة معنوية ثمينة، ناهيك عن الإنجازات المتواترة التي حصدتها وتحصدها المؤسسة التربوية بالمُحافظة بين الفينة والأخرى كإشارة حقيقية على الإصرار والعزيمة في تحقيق الإنجاز.

وأمام كل هذه العطاءات والإنجازات كان أن حظيتُ - كصحفي وباحث في الحقل التربوي والاجتماعي- بلقاء الدكتور الوليد الهنائي في أكثر من مُناسبة، فوجدت فيه الفكر المُتَّقد الذي يُصغي بكل جوانحه لأيّ فكرٍ أو موضوعٍ أو رأيٍ يُمكن أن يُضيف الجديد أو يُقيِّم ما هو قائم بهدف الوصول لدرجة معقولة في مسار التطوير والإنجاز، تجدهُ يُرحِّبُ بالإبداع والمهارات الشابة ونتاجهم الفكري والعلمي سواء كانوا باحثين أو صحفيين أو كُتاباً أو مُتخصصين في التربية أو شؤون المجتمع ليكونوا ضمن نخبة كوارد المُديرية، تجده لا يستصغرُ زوَّاره إطلاقاً بل يسعى لتحقيق مصلحة المؤسسة وضيوفه وموظفيه بكل ما أوتي من صلاحيات، وجدته يتفرَّسُ في وضع الشَّخص المُناسب في المكان المناسب للوصول إلى درجة من الإنجاز المرجوّ، لا يُخفي عليك سراً أنّ العمل لا يزال في بدايته وهو طويلٌ جداً وشاق، يُقدِّم رؤيته ومُقترحاته وينتقدُ ويعارضُ بخُلقٍ وأدبٍ ومعرفةٍ متخصصة ليس كما يفعل البعض والذين ينطبقُ عليهم القول "يهرفُ بما لا يعرفُ"، حينما يجد مُحاورهُ صريحاً ومتوقِّداً بالمهارة والمعرفة والسلوك الرزين يُبادر بطرح جميع الأوراق على الطاولة للنقاش والحوار والإفادة والاستفادة، دمثُ الطبعِ ورفيع الخُلق، وأهم من كل ذلك أنّه مُتضلِّعٌ بطموحٍ حقيقي للإنجاز وتجويد الحقل التربوي بالمُحافظة.

نحنُ بحاجةٍ لمثل هذه العقول التي تتحمّل مسؤولية المؤسسات لتقديم التنازلات الشخصية والفئوية لمصلحة العمل والوطن، نحن بحاجة لمن يجعل مكتبه طريقا سالكاً لموظفيه ومراجعيه بما يخدمُ الصالح العام، نحن بحاجة لمن يقرأ ويطَّلع حول مستجدات عالم التربية الذي أصبح اقتصاد العالم بلا مُنازع.

دمتم بود