متى يتوقف العنف ضد المرأة؟

 

 

عبيدلي العبيدلي 

فيما كان العالم يتأهب للاحتفال باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، الذي يصادف 25 نوفمبر من كل عام، تواردت أخبار إعلان السلطات الأفغانية يوم الخميس الموافق 24 نوفمبر 2016 عن "حملة لمكافحة العنف ضد النساء، استنفرت لها القضاء ومختلف الوزارات والمنشآت الحكومية". 

وعلى ما يبدو، فإنَّ حملة حكومة كابول هذه تعود إلى تزايد تردي أوضاع المرأة في أفغانستان. فوفقا لإحصاءات مكتب المدعي العام الأفغاني "سجل خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2016، أكثر من 3700 حالة عنف ضد النساء، الذي يشير على ما يبدو إلى ارتفاع المعدل بالمقارنة مع 5000 حالة مسجلة على امتداد عام 2015". وهو أمر لا تستطيع الحكومة الأفغانية سوى الاعتراف به، كما جاء على لسان المدعي العام فريد حميدي، "خلال الاحتفال الذي نقل التلفزيون الأفغاني وقائعه مباشرة، (اعترف فيه بأن) أفغانستان ليست مكانا ملائما للنساء والأطفال". 

وعززت اعترافات حميدي مساعدة المدعي العام مليحة حسن، عندما قالت إنَّ "العنف ضد النساء يزداد وينتشر فيزداد الوضع سوءا على رغم الجهود التي تبذل... في كابل وحدها، قتل الشهر الماضي أربع نساء... لكن حالات كثيرة مماثلة قد أغفلت، خصوصا في المناطق النائية التي تحصل فيها أسوأ الانتهاكات".  ويؤكد ذلك تقرير نشره موقع الجزيرة الإلكتروني نقلا عن وكالة أنباء رويترز اعترف فيه "مسؤولان أفغانيان بأنَّ جرائم العنف ضد المرأة بأفغانستان سجلت مستويات قياسية وازدادت وحشية في العام 2013. كما سجل ارتفاع ضخم في عدد محاولات النساء الانتحار حرقا، وهو آخر ما تلجأ إليه المرأة التي تتعرض لسوء المعاملة، وفق حقوقيين". 

وتنقل تقارير أخرى ما يؤكد أنَّ "رغم أن السن القانوني للزواج في أفغانستان محدد بـ16 عاما للبنات، فإن 15% من النساء اللواتي تقل أعمارهن عن 50 عاما، قد تزوجن قبل بلوغهن الـ 15، ونصفهن قبل سن الـ 18، كما تقول المنظمة غير الحكومية". 

وكما هو معروف، فإن اختيار الأمم المتحدة في 17ديسمبر 1999، يوم 25 نوفمبر موعدا سنوياً لليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة ، هو بمثابة التقدير للأخوات ميرا بال، وهن "ثلاثة شقيقات دومنيكيات اغتلن من قبل مجهولين وبتوجيه حكومي في الخامس والعشرين من نوفمبر عام 1960 في عهد الدكتاتور رافاييل تروخيلو، واصبحن لاحقاً معلماً من معالم الحرية في الدومنيكان والعالم". 

لكن ما ينبغي التنويه له والتوقف عنده هو أن أفغانستان، كما يتوهم البعض منا، ليست الاستثناء الوحيد عندما يتعلق الأمر بمسألة العنف ضد المرأة، فالعديد من الدراسات الدولية تؤكد -معززة أقوالها بالأرقام- "أن العنف القائم على نوع الجنس واسع الانتشار. إذ تتعرض امرأة من ثلاث نساء للعنف الجسدي أو الجنسي في حياتها، وتتعرض واحدة من خمس نساء التجربة لمحاولة الاغتصاب أو الاغتصاب. ولا يُؤثر هذا العنف على النساء والبنات فقط، وإنما يهدد مجتمعات بأكملها، حيث إنه يُعيق النمو الاقتصادي، ويُغذي العنف والصراع". 

هذا فسر ربط الكثير من الدراسات بين العنف وتردي الأوضاع الاقتصادية. فقد "أظهرت دراسة حديثة للبنك الدولي أن العنف ضد النساء يتسبب في تكاليف اقتصادية كبيرة تشمل: تكاليف الرعاية الصحية، فقدان الدخل للنساء، انخفاض الإنتاجية وآثار السلبية عبر الأجيال".

ووفقا لتقارير دولية أخرى موثوقة "تتعرض 35% من النساء والفتيات على مستوى العالم لنوع من أنواع العنف الجنسي، وفي بعض البلدان، تتعرض سبع من كل عشر نساء إلى هذا النوع من سوء المعاملة. (وهناك) ما يقرب من 30 مليون فتاة أقل من سن الـ15 تحت تهديد خطر تشويه الأعضاء الجنسية، في حين تعرضت أكثر من 130 مليون امرأة وفتاة إلى تلك الممارسة على مستوى العالم. (حتى في الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة تعرض)30% من النساء الأمريكيات للعنف الجسدي من قبل أزواجهن. ويقدر عدد الفتيات اللواتي تزوجن مبكرًا بـ 700 مليون، منهن 250 مليون تزوجن دون سن الخامسة عشر، ومن المرجح ألا تكمل الفتيات اللائي يتزوجن تحت سن الثامنة عشر تعليمهن، كما أنهن أكثر عرضة للعنف المنزلي ومضاعفات الولادة".

وليست أحوال المرأة العربية بأفضل مما ينشر عن أوضع نظيراتها في بقاع أخرى من العالم ففي المغرب، على سبيل المثال لا الحصر، كشفَ التقرير السنوي الذي أصدره المرصد المغربي للعنف ضد النساء (عيون نسائية) في العام 2015 "عن تسجيل 38 ألفا و318 حالة عنف ضد النساء سنة 2014، مبرزا أن هذه الحالات تتوزع على 14 ألفا و400 حالة توضع في خانة (العنف النفسي) و8743 حالة في إطار (العنف الجسدي) و1770 حالة ضمن (العنف القانوني)، و12 ألفا و561 حالة في خانة (العنف الاقتصادي)، و844 حالة في إطار (العنف الجنسي). وأبرز التقرير -الذي استند إلى عمل مراكز الاستماع التابعة للجمعيات النسائية الوطنية- أنَّ أزيد من 80 بالمائة من النساء المعنفات تتراوح أعمارهن ما بين 19 و48 سنة، وأن أزيد من 46 بالمائة من النساء اللائي تعرضن لمختلف أشكال العنف متزوجات، وما يقارب 25 بالمائة أرامل، وأزيد من 50 بالمائة ليس لهن سكن مستقل و23 بالمائة تعشن بشكل مستقل". 

وفي مصر، وفقا للدراسة التي أجريت على 13500 سيدة في 27 محافظة مصرية، “فإن معدلات العنف الممارس ضد المرأة في تزايد مستمر عن الأعوام السابقة، كما أظهرت أيضا أن أقسى أنواع العنف هو العنف الجسدي الواقع على المرأة المتزوجة من قبل زوجها".

واليوم، ورغم مرور ما يزيد على عقد من الزمان منذ أن أعلن اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة، ما زلنا نشاهد ونلمس تزايد ذلك العنف ضدها وتنوع أشكاله. هذا يدفع من يدعي أنه يدافع عن المضطهدين في العالم أن يواصل رفع صوته متسائلا متى يتوقف العنف الذي نمارسه جميعا ودون أي حياء ضد المرأة؟