عفان الزرافي: علامة مضيئة في جبين الرحمة

 

أحمد بن سيف الهنائي

 

في هذه الزاوية الصغيرة جداً، سأتناول شخصياتٍ شبابيةٍ مؤثرة في كل مرة، ممن تركوا لهم أثرًا مضيئًا، واستطاعوا أن يخطوا لأنفسهم هدفَا ورسالة، وعندما أبتدِئُ بشخصيةٍ هادئةٍ جدًا كـ عفان الزرّافي فإن المهمة صعبةٌ للغاية، لسببين: أولهما أن الرجل لا يهوى الظهور، يتوارى عن أعين الناس لكل عملٍ أو خدمةٍ يقدمها، وثانيهما: أنه لا يحب أن يذكّرَهُ أحدٌ بفضله، ويعيش تمازجًا روحيًا داخليًا، فهو ينتشئ بما يحققه في داخله فقط، ولا يحدث به أحدًا حتى الأقربين من نفسه.

   عندما قررت الكتابة عنه، تقافزت إلى ذهني الكثير من الصور والمشاهد والمواقف الإنسانية العظيمة بكل نبلٍ وتجردٍ من أغراض الحياة، لكن المعاناة تكمن في أنه لا يرتضي التشهير بخلاله الجميلة وعطاءته وبذله، إنما يعلمنا دومًا أن الإنسان في هذا العالم لا يعيش إنسانيته إلا إن تحول إلى مشاعر رقيقةٍ توصله إلى معاناة الآخرين، وحاجة البسطاء والمعوزين، فكم هم الأدعياء في محيطنا ممن لا يكترثون لآلام بني جلدتهم، بل أن بعضنا لا يدري عن حال أقربائه وخواصه.

كان للفترة التي قضاها في الهيئة العمانية للأعمال الخيرية كباحثٍ اجتماعي أثرها في شخصيته، ولعل ما كان يشاهده من حالاتٍ مؤلمة، وظروفٍ معيشيةٍ متعسرة، لها دورٌ بارزٌ في تهذيبه ورقيّه، يدرك هذا البعد السامي في شخصه أهله وأقرانه والمحيطون به، وكم من مرةٍ اقتسم مع أصدقائه ما يمتلك من مال، دون أن يطلبوا منه ذلك، أو قبل أن يلجأوا إليه لـضائقةٍ أو محنة، وهو يقدم كل ذلك والسرور يملأ رئتيه، وتفيض عيناه بماء الحمد والمحبة؛ ما يجبرك على أن ترى فيه رجلاً يندر وجوده.

إن نسيت، فلن أنسى الفترة التي تزاملنا فيها مدةً ليست بالقصيرة، والتي كانت مليئةً بالدهشة؛ لما يقوم به من أعمال، فلم أره يومًا يرد سائلاً مهما كان طلبه، حتى لكأنك تخاله ممن ملك القصور والضياع، وهو لا يعدو أن يكون كحال أغلبنا لا يبقى من راتبه شيء حتى نهاية الشهر، بيد أن الله يبارك له في رزقه ويهبه من واسع فضله.

الحديث عن عفان في حقيقته هو حديث عن كل القلوب النقية، التي تعطي بسخاء، وتمد يدها لتكمل البناء مع الآخر، وثَمَّة نماذج مشرقةٍ في هذا المجال، ممن يؤثرون الله والدار الآخرة على مغريات الحياة، وما أحوجنا اليوم إلى إشاعة هذه الصفات بيننا، خصوصًا وأن المعوزين كُثر، والمسحوقين ينتظرون يدًا حانيةً تنتشلهم من هذا الضياع، وأسرٌ يكاد لا تجد ما تأكله، وأحوال متباينة لا يعلم إلا الله بحالها.

تمر هذه الأزمة المالية كئيبة على الفقراء والمساكين والكادحين لأجل تأمين لقمة العيش في أدنى مستوياتها لذويهم. وتعظيم فعل الخير وبذل المال لمساعدتهم مشروعٌ إنساني لا خير فينا إن لم نتبناه جميعًا، أما ارتداء الأقنعة، وحب التبرع لأجل الكاميرات فهو عملٌ مرذول تأنفه النفوس وتزدريه العيون، من هنا نقول لعفان وأمثاله: بوركت أيديكم، فأنتم علامة مضيئةً في جبين الإنسانية والرحمة.

 

oman1995@hotmail.com