شكرًا سيدي لأنك علمتنا

 

نجاة بنت صالح الكلبانية

 

شكرًا سيدي لأنك علمتنا 

أنّ بناء دولة عصرية لا يستدعي أن نتخلى عن هويتنا ومن أين جئنا وأن المزج بين العراقة والحداثة هو خيار قابل للتطبيق. 

شكراً سيدي لأنك علمتنا

أنّ الصمت هو أبلغ وأعمق وأعلى الأصوات وأنَّ الحكمة ليست في إطلاق الألسن فهذا أسهل ما يكون على الفرد فعله ولكن ما أصعب أن يُمسك أحدٌ منا لسانه في زمن التراشق بالتصريحات؟!. 

شكراً سيدي لأنك علمتنا

أنَّ عُمان أسمى من أن تدق طبول الحرب وأرقى من أن تكون إسفيناً يضرب بين الإخوة وأنها أعرق من أن تكون إلا حاملة لواء السلام في زمن تعالت فيه أمواج الفتنة.

شكرًا سيدي لأنك علمتنا

أنَّ المجتمع طائر قائم على جناحين ولا يستقيم إلا بقوة جناحيه وبتناغمهما. 

وجاءت كلماتك لتؤكد "ونحن ماضون في هذا النَّهج، إن شاء الله، لقناعتنا بأنّ الوطن في مسيرته المُباركة، يحتاج إلى كلٍ من الرجل والمرأة فهو بلا ريب، كالطائر الذي يعتمد على جناحيه في التَّحليق إلى آفاق السَّماوات، فكيف تكون حاله إذا كان أحد هاذين الجناحين مهيضا منكسرًا؟ فهل يقوى على هذا التحليق؟"

فباتت المرأة العُمانية بك وتحت قيادتك تتمتع بحقوق لا تحلم النساء في بعض المجتمعات بامتلاكها. فكنت منصفاً للمرأة ومعطاءً في منحها المكانة التي كفلها لها الدين الإسلامي في زمن لا زالت فيه بعض المُجتمعات تغلب عليها النظرة الذكورية التي تضع المرأة - بل والتي تفضل أن تراها- في درجات دنيا.

شكرًا سيدي لأنك بفراستك كنت على الدوام ترى أبعد مما يراه غيرك وبحكمتك يوجد للأمور ميزان لا يزن به إلا من يُضاهيك حكمة وهؤلاء هم قلة. ففي عام 1978 أعلنتها بأنَّ الجميع خدمٌ لهذا الشعب العزيز ووجهت أوامرك أن يضع المسؤولون هذا الأمر نصب أعينهم "وأن يؤدوا هذه الخدمة بكل إخلاص وأن يتجرَّدوا من جميع الأنانيات وأن تكون مصلحة الأمة قبل أي مصلحة شخصية، إذ إننا لن نقبل العذر ممن يتهاون في أداء واجبه المطلوب منه في خدمة هذا الوطن ومواطنيه، بل سينال جزاء تهاونه بالطريقة التي نراها مُناسبة".

وفي العام 1994 أخبرتنا وأخبرت العالم أجمع "‏أن التطرف مهما كانت مسمياته، والتعصب مهما كانت أشكاله، والتحزُّب مهما كانت دوافعه ومنطلقاته، نباتات كريهة سامة ترفضها التربة العُمانية الطيبة التي لا تنبت إلا طيباً، ولا تقبل أبدا أن تلقى فيها بذور الفرقة والشقاق." فجاءت كلماتك حكيمة تنم عن فراستك وبُعد نظرك في وقت لم يعِ فيه العالم بعد حجم الويلات التي سيجرها إليه التطرّف ودعاته وأتباعه وأدواته. 

وفي 1997 أكدت -حفظك الله- أنّ مسيرة التنمية في البلاد "لا تكتمل إلا بالتكاتف والتعاضد، والتعاون والتساند، بين الحكومة والمواطنين. لذلك فإن مسؤوليتكم في استمرار هذه المسيرة كبيرة وعظيمة. وهي مسؤولية وطنية سوف تحاسبون عليها أمام الأجيال القادمة. فهل أنتم مستعدون لحملها؟ إن ذلك يُحتم عليكم أن تبدوا آراءكم وأن تقدموا مقترحاتكم بكل تجرد وترفع عن المصالح الخاصة." فجاءت كلماتك باعثة لمشاعر الانتماء لهذا البلد الطيب ومحفزة للتضامن مع قيادته لأنّه وببساطة لا تستقيم مسيرة عجلة التَّنمية في البلاد دون وجود علاقة الشراكة بين الحكومة والمواطنين.

وفي العام 2008 جاءت كلماتك حاسمة قاطعة كالسيف البتَّار فلا تقاعس ولا تهاون ولا تطاول على القانون "أما إذا انحرفوا عن النهج القويم واعتبروا الوظيفة فرصة لتحقيق المكاسب الذاتية وسلماً للنفوذ والسلطة وتقاعسوا عن أداء الخدمة كما يجب وبكل إخلاص وأمانة فإنّهم يكونون بذلك قد وقعوا في المحظور ولابد عندئذ من محاسبتهم واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة لردعهم وفقاً لمبادئ العدل الذي أرسينا عليه دعائم الحكم والتي تقتضي منا عدم السماح لأي كان بالتطاول على النظام والقانون".

وفي عام 2011 أكَّدت مجدداً أنَّ الإنسان هو المركز الذي تدور حوله دائرة التنمية: "لقد أكدنا دائمًا اهتمامنا المُستمر بتنمية الموارد البشرية وذكرنا أنها تحظى بالأولوية القصوى في خططنا وبرامجنا فالإنسان هو حجر الزاوية في كل بناء تنموي وهو قطب الرحى الذي تدور حوله كل أنواع التنمية إذ إنّ غايتها جميعاً هي إسعاده وتوفير أسباب العيش الكريم له وضمان أمنه وسلامته ولما كان الشباب هم حاضر الأمة ومستقبلها فقد أوليناهم ما يستحقونه من اهتمام ورعاية على مدار أعوام النهضة المُباركة حيث سعت الحكومة جاهدة إلى إن توفر لهم فرص التعليم والتَّدريب والتأهيل والتوظيف".

وما هذه إلا بضع محطات انتقيتها من نطقكم السامي. كل محطة بمثابة مدرسة ننهل منها الحكم ونستقي الدروس وننتقي العبر.

شكرًا سيدي لأنك في كل مرة خاطبتنا فيها كنت تخاطبنا بصوت القائد الحكيم المُحنك تقدم نصحاً تارة وتوجيهاً تارة، وأمراً تارة وتحذيراً تارة أخرى. كيف السبيل لشكرك يا صاحب الجلالة؟ فأنت عُمان وعُمان أنت وقلوبنا تلهج لله بالدعاء لك على الدوام.

تقف كلماتي عاجزة عن التَّعبير عن حبٍ لقائدٍ كرس ستة وأربعين عاماً من عمره ليبني عمان فأجد نفسي ألتمس عوناً مما كتب الآخرون فتسعفني كلماتهم لأختم بها رسالة شكري هذه: 

للجود عنكم روايات وأخبار/ وللعلا عندكم حاج وأقطار/ تشتاقكم كل أرض تنزلون بها/ كأنكم لبقاع الأرض أمطار/ فحيث كنتم فثغر الروض مبتسم/ وإن سرتم فدمع المزن مدرار/ إن غبتم فلكم في كل جارحة/ منا قلوب تراعيكم وأبصار.

تعليق عبر الفيس بوك