مدارات عربية

عُمان.. القوى الناعمة (1 - 2)

 

 

د. رفعت سيد أحمد

حين تعيش دولة ما، وسط أنواء عاصفة من الصراعات الدولية والإقليمية، وعندما يكون موقعها حاكما رئيسا في حركتها السياسية الدولية فإنّها لابد وأن تستخدم في إدارة الصراعات من حولها الحكمة، وكافة الأسلحة الداعمة لتلك الحكمة، وهي أسلحة لابد وأن تكون (ناعمة) وليست خشنة، لأنّ الأخيرة تؤدي إلى مزيد من الانهيار والدمار والصراعات، وتهدم ولا تبنى.

* وهذا الوصف تحديداً هو ما ينطبق على سلطنة عُمان، الدولة التي لعبت عبر تاريخها العريق والممتد، أدواراً للبناء، وإقامة الجسور بين الفرقاء، والمتصارعين، وبين الحضارات والأمم.

* إن (عُمان) امتلكت من الأسلحة الناعمة، ما أهلها لأن تعيش في انسجام وطني داخلي صار مثار حسد من القريب والبعيد، وفي تواصل عربي صار مضربا للأمثال في بناء النموذج والقدوة في الوحدة العربية الممتلئة بالقيم وليس بالشعارات الفارغة!

***

يحدثنا التاريخ أنّ "عُمان" عُرفت – كما تقول الموسوعة الدولية (ويكيبيديا) في المراحل التاريخية المختلفة بأكثر من اسم ومن أبرز أسمائها (مجان) و(مزون) و(عُمان) حيث يرتبط كل منها ببعد حضاري أو تاريخي محدد. فاسم (مجان) ارتبط بما اشتهرت به من صناعة السفن وصهر النحاس حسب لغة السومريين حيث كانت تربطهم بعُمان صلات تجارية وبحرية عديدة وكان السومريون يطلقون عليها في لوحاتهم (أرض مجان). أمّا اسم (مزون) فإنّه ارتبط بوفرة الموارد المائية في عُمان في فترات تاريخية سابقة، وذلك بالقياس إلى البلدان العربية المجاورة لها وكلمة (مزون) مشتقة من كلمة (المزن) وهي السحاب ذو الماء الغزير المتدفق ولعلّ هذا يفسر قيام وازدهار الزراعة في عُمان منذ القدم وما صاحبها من حضارة أيضاً، وبالنسبة لاسم (عُمان) فإنّه ورد في هجرة القبائل العربية من مكان يطلق عليه عُمان في اليمن، كما قيل إنّها سميت بعُمان نسبة إلى عُمان بن إبراهيم الخليل عليه السلام وقيل كذلك أنّها سميت بهذا الاسم نسبة إلى عُمان بن سبأ بن يغثان بن إبراهيم وكانت عُمان في القديم موطناً للقبائل العربية التي قدمت إليها وسكن بعضها السهول واشتغلت بالزراعة والصيد واستقر البعض الآخر في المناطق الداخلية والصحراوية واشتغلت بالرعي وتربية الماشية.

***

هذه الطبيعة، وذاك التاريخ العريق، هو واحد من أبرز أسلحة (عُمان) الناعمة فى فرض الدور السياسى والاضطلاع به عن جدارة.

* وإذا ما مددنا أفق التحليل إلى مداه نجد أنّ دولة تمتلك تاريخاً، تعبر عنه آثار خالدة، هي بالتأكيد تمتلك أسلحة حضارية، يصعب هزيمتها، إنّ التاريخ لا يباع ولا يشترى لكنه راسخ فى الأرض وفي شخصية الدولة عموماً، وإذا ما أسقطنا هذه المعانى على عُمان وعلى الشخصية العُمانية نجده حاضراً وفي الدور الإقليمي والدولي الذي تقوم به، إن إنشاء وزارة للتراث والثقافة (وليس للثقافة فحسب) لهو دلالة على أهميّة ذلك الموروث العريق والكبير من الآثار، الذى إن تمّ توظيفه جيداً فى إطار الأسلحة الناعمة للدولة لأضحى أحد أبرز تلك الأسلحة وأمضاها، إنّ التاريخ يحدثنا فى هذا الجانب أن (عُمان) تزخر بالعديد من المعالم الأثرية التي تروي قصة حضارات ضربت بجذورها في عمق النشأة الأولى للإنسان. ووفقاً لدراسة عن المعالم الأثرية فى (سلطنة عُمان) فإنّ المكتشفات الأثرية بعُمان تشير إلى أنّها تعود إلى الألف الخامس قبل الميلاد والمتواجدة في مناطق متعددة في السلطنة وغيرها من المواقع التي تم التنقيب فيها على فترات مختلفة. تشير كلها إلى العصور والحقب الزمنية المختلفة التي مرت بها عُمان على مدى التاريخ. وإبداع الإنسان العُماني وإسهاماته وتواصله مع الحضارات الإنسانية آنذاك.

وتقول الدراسة أيضاً: "وقد بدأت المسوحات الأثرية الأولى في سلطنة عُمان مع بداية الخمسينيات، حيث قامت البعثات العلمية بالتنقيب في مواقع متعددة بحثاً عن شواهد من الألف الثالثة قبل الميلاد، لتدخل البلاد بذلك مرحلة التاريخ المبني على المكتشفات الأثرية والحقائق العلمية بعد أن أرّخ لها في كتب الرحالة أمثال ابن بطوطة وبرترام توماس وماركو بولو وغيرهم. وبلغت الاكتشافات الأثرية ذروتها بعد إنشاء وزارة التراث القومي والثقافة في عام 1976م، حيث نظمت عمليات البحث والتنقيب والدراسة بتنسيق مع الجامعات والمؤسسات العلمية المتخصصة في العديد من دول العالم".

ولقد أشارت عشرات الدراسات العالمية ومنها الصادرة عن الهيئات المتخصصة في التراث وثقافاته، إلى امتلاك "عُمان" لأكبر مخزون تراثي فى المنطقة العربية الآسيوية، ومنها (آثار رأس المنز – آثار البليد – موقع شصر اربار الأثرى – خور روري سمهرم – عين حمران – آثار صحار – ومواقع مليئة بالآثار التاريخية مثل صور – صلالة – جعلات – بنى بوعلي وبني بوحسن، والقابل، وإبراء، والمضيي، ومنح، وبركة الموز، وسمد الشأن والأخيرة اهتمت بها الجامعات العالمية في بعثات شهيرة مثل بعثات جامعة هارفارد الأمريكية وبوكوم الألمانية، وهو موقع رابط للحضارات مع بلاد ما وراء النهرين وغيرها من المواقع والآثار والطرز المعمارية التى تمتاز بها عُمان دون باقي دول المنطقة).

 

 

E-mail: yafafr@hotmail.com