مستقبل عُمان.. مسؤوليتنا !

سَيْف المعمري

تتَّشح السلطنة في الثامن عشر من نوفمبر من كلِّ عام بأبهى الحلل، وتتغنى بأعذب الكلمات، وتلهج الألسن وترتفع الأصوات، وتنشد الحناجر بأعذب العبارات، بأن يحفظ الله لعُمان وشعبها الأمن والاستقرار والرخاء والنماء، وأن يُبارك لعُمان وشعبها قيادتها الحكيمة وابنها البار حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- فالثامن عشر من نوفمبر ليس كبقية الأيام بالنسبة للعُمانيين، بل هو ميلاد وطن، معه أشرقت شمس الحضارة، وأعاد لعُمان بريقها وثقلها الحضاري، فتبدَّدت غياهب الجهل، واكتحلت برؤية المستقبل ببصيرة التقدم والازدهار.

لقد مَضَى على مسيرة النهضة المباركة أكثر من أربعة عقود ونصف، ومعها اكتملت قواعد البناء، ولم يعد الحديث عن الماضي وما كنا عليه إلا لنتذكر قيمة العزيمة القوية والإرادة الصادقة التي تجعل من الإنسان قادرا على تغيير ملامح واقعه مهما تراءى له قتامته.

لقد كان طريق البناء للدول العصرية شاقًّا، لكن الإرادة القوية والعزيمة الصادقة ومواجهة التحديات والإصرار على تذليل الصعوبات والعقبات كانت معينات لتحقيق الغاية السامية في إعادة أماجد عُمان الضاربة جذورها في التاريخ، وقد أكَّد ذلك حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم في الانعقاد السنوي لمجلس عُمان 2011م، قائلا: "...وإذا كان التطور كما هو معلوم سُنَّة من سُنن الكون، إلا أنه لابد لتحقيقه من توفير أسباب عديدة؛ في مُقدِّمتها: الإرادة القوية، والعزيمة الصادقة، ومواجهة التحديات، والإصرار على تذليل الصعوبات والعقبات؛ لذلك كان على كل أمة ترغب في الحياة بكل ما تشمله هذه الكلمة من معنى أن تُشمِّر عن ساعد الجد، فتعمل بلا كلل أو ملل، وبإخلاص وتفانٍ، وحب للبذل والعطاء، مستغلة طاقاتها ومهاراتها، مستثمرة مواردها وإمكاناتها من أجل بناء حاضر مشرق عظيم، والإعداد لمستقبل زاهر كريم".

وفي الخطاب ذاته أكد جلالته أنَّ العُمانيين لديهم المقدرة على صيانة المنجزات التي تحققت على أرض عُمان والحفاظ عليها؛ فقال جلالته: "...وإنه لمن توفيق الله أن أمد العُمانيين بقسط وافر من هذه الاسباب فتمكنوا خلال العقود الاربعة المنصرمة من تحقيق منجزات ستظل خير شاهد لا ينكرها ذو بصر وبصيرة. فالشكر له سبحانه على ما أسدى وأعطى وأنعم وأكرم، والابتهال إليه تعالى في ضراعة وخشوع أن يهب هذا الجيل من أبناء عُمان وبناتها وكذلك الأجيال اللاحقة القدرة على صيانة هذه المنجزات والحفاظ عليها من كل سوء، والذود عنها ضد كل عدو حاقد أو خائن كائد أو متربص حاسد فهي أمانة كبرى في أعناقهم سيُسألون عنها أمام الله والتاريخ والوطن".

نعم.. المحافظة على المنجزات العُمانية هي أمانة كبرى، وهي مسؤولية عظمى وعلينا جميعا -مؤسسات وأفرادا- أن نكون بحجم الثقة التي أولاها لنا والدنا وسلطاننا المعظم -حفظه الله ورعاه وأمد في عمره الميمون- الذي نذر حياته الكريمة لبناء دولة عصرية وإسعاد أمة كريمة، فتحقق ما أراده لنا جلالته، فلم تزده تباين التضاريس العُمانية ولا وعورتها، ولا جسامة المشاريع التي يتطلع لها أبنائها، إلا الإصرار والعمل الدؤوب، فتحققت بعون الله وحكمة جلالته وبعد نظره الثاقب المكانة المرموقة لعُمان في العالم.

ولا يُمكن أن نزايد على وطنية أي إنسان يعيش على تراب هذه الأرض الطيبة، ولكن المرحلة المقبلة تتطلب منا جميعا مضاعفة الجهود وبذل مزيد من التضحيات من أجل مستقبل زاهر لوطننا ولأجيالنا؛ فالمطلوب من المؤسسات التخطيط السليم وأمانة التنفيذ، وأن يتم تقييد المشاريع والبرامج التنموية بجدول زمني، وأن تكون المحاسبة والرقابة والتقدير والتكريم على حجم المنجز، وأن لا يتم الإساءة في مفهوم الوطنية، فلا يجب أن نتخذ من المال العام وسيلة للثراء؛ بحجة خدمة المؤسسات الوطنية ودعمها بأموال الدولة، كما لا يجب على الشركات التي تستند إليها المناقصات لتنفيذ مشاريع تنموية في البلاد أن تبالغ في تقديم العروض إلا بحجم التكلفة الموضوعية للمشاريع المنفذة.

ولا يجب أن يتخذ المسؤول من المسؤولية حقا مكتسبا له لا يمكن أن يتزحزح عنها إلا برغبة منه، وتكون مبررا له يتصرف حيث يشاء وكما يحلو له، بل يجب عليه أن يتحلى بالأمانة أمام الله وأمام الثقة التي أوكلت له، فهي أمانة عظيمة.

وعلى المواطن أن يتحلى بمسؤوليته تجاه نفسه وأسرته ومجتمعه ووطنه، فليس من المستساغ أن يتذرَّع المواطن بأنَّ مسؤوليته مُقيَّدة بمن أوكل إليهم المسؤولية فقط، وأن يتعلل بالحاجة إلى مزيد من التشريعات والقوانين لتسيير مسلمات الحياة كما ينبغي؛ فالإنسان المسلم عليه مسؤوليات جسيمة جاء بها الدين الإسلامي الحنيف من منطلق "لا ضرر ولا ضرار"، "والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"، وهي المُثل النبيلة التي لو التزمنا بها جميعا لتحققت لنا السعاة ولوطننا وأمتنا.

فمستقبل عُمان هي مسؤوليتنا جميعا، وعلينا أن نولي تلك المسؤولية حقها من الرعاية والعناية والتدبير؛ من أجل أجيالنا القادمة لتعيش حياة السعداء في وطن الخير والنماء.. فبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت.

[email protected]