فوَطنُكم يستحق..!

 

 

عمَّار الغزالي

وهَاكُم تباشير الخير تقترب، مُحمَّلة برائحة الإنجاز والنماء؛ إنجازٌ يبعثُ على الفخر، ونماءٌ يستنهض الهمم لمواصلة المسيرة المباركة، واحتفالات لا بد لها أن لا تتوقف عند التغنِّي بالمنجز، بل تتعدَّاه لاستشراف مُستقبل أكثر ألقا وتقدُّما في سباق البناء والتنمية، وسط عالم يمُور بالفتن وتتقاذفه الأزمات والمحن؛ لنجدِّد العهدَ للوطن والولاءَ للقائد بهِمَم أكبر، وعزيمة وطنية أعظم أثراً، لمواصلة المسير نحو آفاق جديدة من "التنمية الخلَّاقة".

فعُمان اليوم وهي تُطفئ شموعَ عامها السادس والأربعين، إحياءً لذكرى تُعيد للأذهان ميلاد نهضة مباركة، لتتدثَّر أثوابًا من العِزَّة والفَخَار، حَاكَتْهَا رُؤى نيِّرة وتوجيهات سديدة، ومُرتكزاتٌ سياسية تستمدُّ ثوابتَها من الخصوصية العمانيَّة الخالصة، والثقافة المنبثقة من إرثٍ إسلاميٍّ تليد، وقيم عربية أصيلة، تمكَّنتْ السلطنة بفضلها من تحقيق طرفي المعادَلة الصعبة والموازنة بين البناء على الماضي والاستشراف الواعي القويم للمستقبل، وفق موجِّه تنموي استهدفَ تهيئة الإنسان العُماني بكلِّ السُّبل لتوفير كافة مُقوِّمات التقدُّم والنجاح والارتقاء بالذات؛ ليكون شريكاً حقيقيًّا في تعبيد الطريق أمام "عُمان الحُلم".

وفيما هي ذاك حال نهضة الوطن، يقف العُماني في المقابل محاطًا بمسؤولية أكبر؛ اختصارُها: "ردُّ الجميل"، وتشمير سواعد الجد والاجتهاد ومواصلة البذل؛ فمسيرة البناء لا تزال طويلة، والمنافسة على لقب "العالمية" غايةٌ تحتاج انعتاقاً من أسر المفاهيم التقليدية، وتبنِّي أخرى تركِّز على الإمكانيات، وتوظِّف المقوِّمات في إطارٍ كُلِّي وشمولي؛ واقتناص مناسبة العيد الوطني لإعادة رسم الخارطة من جديد، وتحديد آلية التنفيذ؛ إذ ليس كافيًا للتطوير أنْ نمتلك إستراتيجيات للبناء وخطط للتنويع؛ فبدون الإيمان العميق بالمسؤولية الوطنية وتطبيق حقيقي لمفهوم "الشراكة المجتمعية"، ستذهب كل جهودنا أدراجَ الرياح، وستتبدَّد على محك التطبيق العملي؛ فالرِّهان اليوم على جهود أبناء هذا الوطن، وصَهْرها في بوتقةٍ العمل التكاملي الذي يُسهم فيه الجميع بتجرُّد وإخلاص.

وتستدعي تلك المناسبة الوطنية كذلك حديثاً عن التفكير الإستراتيجي، وضرورة إعادة النظر في منظومة التخطيط المنهجي المنضبط بآليات تنفيذ واقعية ومحَّددة؛ لا سيما وأننا لا نُعاني -ولله الحمد- قِلَّةَ الخطط، بل كل ما ينقصُنا مُتابعة التنفيذ، والتقيُّد بالإطار الزمني لتحقيق الأهداف، وتعزيز فرص كوادرنا الوطنية المتخصصة من حملة الشهادات العُليا والدكتوراه في التخصُّصات المختلفة لتضطلع بدورها في هذا الواجب، ولنستحضر من مُناسبة نوفمبر "دروس 1970م"؛ إذ لم يبنِ عُمان سوى أبناء عُمان، ولن تكتمل المسيرة إلا بهم، فهذا دَيْدَن الحضارات ومسلَّمات نظريات البناء.

إننا في مسيس الحاجة لتفكير إستراتيجي يُعنى بمزيد من التخطيط لمضاعفة الإنتاج وتنويع مصادر الدخل، وتجاوز العقبات؛ وإجراء تعديلات وتحديثات -سواءً بالإضافة أو الحذف- لتواكب المستجدات، وتحديد قاطع لما تمَّ إنجازه من أهداف، والتوعية بمنطلقاتها وآليات تنفيذها؛ لتمهيد الطريق أمام تنمية تقودها قطاعات غير نفطية. وفي المقابل، تواجهنا الأرقام والإحصائيات بحقيقة مؤداها ضَعْف حجم الاستثمارات الأجنبية لدينا، رغم الحالة المتفردة من الاستقرار السياسي، مضافا إليها ما تحظى به سياستنا الخارجية من أصداء طيبة لدى كافة الدول الشقيقة والصديقة، وهو ما يشي بأن إستراتيجيات "الجذب الاستثماري" لا تزال تحتاج مزيدًا من الإيضاح والتحديد والتجديد، ووضعها تحت مجهر التقييم المستمر، وأيلولة رقابتها إلى مجلس الشورى ليكون أداؤها مُنضطبا بقواعد المهنية، ومجديا اقتصادياًّ، ومحتكما إلى أصول المحاسبية القانونية والشفافية.

كما تفرض تباشير تلك المناسبة الوطنية العلمَ بأنَّ إصرارًا على تضمين خططنا وإستراتيجياتنا التنمية لنفس المفاهيم، وما تؤول إليه من اجترارِ نفس المشكلات، يعكس في عدة جوانب منه ضعْفاً في ديناميكية الأفكار، وبطء حراكها لمواكبة المستجدات داخليا وخارجيا، خاصة في عصر يتسم بالسرعة والثورة الرقمية الهائلة، وهي سمةٌ ينبغي غرْسها في صميمِ مفاهيمنا خلال التعامل مع التحديات المتجدِّدة؛ فأزمة كانهيار أسعار النفط -كمثال واقعي- تفرض جُملة من الأفكارٍ الجديدة لتطوير اقتصادنا الوطني بمفاهيم حيوية تضْمن التوظيف الأمثل لما تتمتع به بلادنا من مُقوِّمات، وتحويلها إلى فرص حقيقية؛ وتبنِّي إجراءات وتحديد آليات تكفل الاستفادة القصوى من الموقع الإستراتيجي، والبيئة الاقتصادية الصحية وتكاملية البُنى الأساسية. كما تُحتم توْسيع آفاق الحلول والتفكير قليلا خارج الصندوق، وأن تواصل حكومتنا الرشيدة الأخذ بيد القطاع الخاص، وتحفيزه على القيام بدور الشريك التنموي القادر على النهوض باستحقاقات الشراكات العملاقة؛ وإدخال هذا القطاع كطرف أصيل في الشراكات التي تعقدها مع جهات دولية متمكنة؛ لتوطين التقنية والخبرات اللازمة، والتي تصب محصلتها النهائية في مصلحة اقتصادنا الوطني، والعمل وفق منهاج الحلول الاقتصادية الكلية الهادفة لتجديد حيوية الاقتصاد الوطني، وتطبيق مفاهيم الشراكة الدولية، والعائد على الاستثمار، والإنتاجية، والتقنية، واقتصاد المعرفة، والتوظيف الذاتي؛ لتعظيم الاستفادة من ثمار ومقوِّمات 46 عاماً من النهضة المباركة.

... إنَّ عَبَق مُناسبة العيد الوطني المجيد، الذي يَمْلأ أرجاء هذا الوطن الغالي، ليحمل بين نسماته دروسًا وعِبَر من الماضي؛ فحواها أنَّ الإنسان في التجارب الوطنية هو غاية التنمية: يجني ثمارها ويَسْعَد بمكتسباتها، كما أنَّ تنمية الأوطان تُبنى على أكتاف الرجال، وأنَّ التقدُّم لا يُقاس بكثرة السنين والأعوام، ولكن بالعزائم الوقادة والإرادة والعزيمة؛ فالكُرَة الآن في ملعبكم أيُّها العمانيون، فضعُوا نُصب أعينكم نطقا ساميًا بأن "عُمان اليوم غيرها بالأمس، فقد تبدَّل وجهها الشاحب، ونفضتْ عنها غُبار العزلة والجمود، وانطلقت تفتح أبوابها ونوافذها للنور الجديد".. فلنُرِي عُمان منا الجد، فوطننا يستحق

 

ammaralghazali@hotmail.com

 

.