"ودية الساموراي" كشفت عن ثغرات و"متلازمات" بين صفوف منتخبنا الوطني

"الأحمر" ولوبيز كارو .. منتخب يفقد بريقه تدريجيا ومدرب راحل يترك إرثا ضعيفا

تحليل- وليد الخفيف

كشفت المباراة الودية الأخيرة لمُنتخبنا الوطني لكرة القدم أمام اليابان عن مجموعة من الثغرات والمتلازمات المرضية التي بات يُعاني منها الفريق الأوَّل، فخطة المدرب الإسباني خوان لوبيز كارو الدفاعية وإستراتيجيته الفقيرة والفارق النوعي والتعاطي الخاطئ مع سيناريوهات المباراة، كلها أسباب أدت في النهاية لخسارة المنتخب برباعية بيضاء في مباراة ودية أزاحت ستار الرضا الجماهيري عن المنتخب والجهاز الفني.

الأزمة الحقيقية، لياسينت في لوبيز كارو، وهو الآن ضمير مستتر تقديره "قضي الأمر"، فالمدرب الذي لم يكمل عامًا واحداً مع الأحمر، لم ينجح في تحقيق الفارق الذي كان مؤملاً الوصول إليه، والحق يقال إنّ الأزمة مستمرة منذ 4 سنوات، منذ أن دخل الأحمر العماني نفقاً مظلمًا لم يصل إلى نهايته المضيئة بعد، وفي خضم هذه الرحلة القاسية فقدت كرة القدم العمانية الكثير من بريقها الذي حققته على مدار سنوات سابقة.

أخطاء بالجملة

فكل ما هو خطأ ارتُكب في موقعة طوكيو المُرة، فخطة لوبيز كارو التي اعتمدت على "تثبيت" 5 مدافعين على خط واحد تزامنًا مع تشكيلة يغلب على أصحابها المهام الدفاعية لم تأت أكلها، فتجاهل المدرب أن معيار قوة المنظومة الدفاعية يكمن في الكيف وليس الكم. فتواجد خمسة مدافعين على خط واحد وتكليفهم بمهام دفاعية بحتة دون القيام بأيّ دور هجومي على الإطلاق وبغطاء من لاعبين في ارتكاز خط الوسط ذي المهام الدفاعية، لم ينجح في وقف الهجوم الياباني الفعال. ونسي المدرب أن الدفاع الصحيح يعتمد على مقومات أخرى غير الزيادة العددية؛ مثل التمركز المناسب والرقابة الصحيحة والتوقع الحسن والتغطية الفردية والجماعية ودقة الانقضاض والقدرة على استخلاص الكرة دون أخطاء، مع انتشار جيد في خط الوسط، مدعوم بقيام كل اللاعبين بأدوار دفاعية مساندة، بنسب مختلفة، وفقاً لمراكزهم في الملعب.

هذه بعض مقومات العمل الدفاعي الصحيح.. أما الكم فليس مجدياً أمام منتخب متمرس على اللعب في المساحات الصغيرة، ويتمتع لاعبوه بمهارات عالية وتحركات فاعلة بالكرة وبدون الكرة أيضًا، تزامنًا مع حلول تكتيكية مختلفة لكسر التكتلات، وإن عاد الفضل في ذلك لاتباع طريقة "الهجوم المتنوع" الذي أربك لاعبي خط الوسط وشتت ذهن عناصر الارتكاز. الزيادة العددية للاعبي منتخبنا الوطني كانت حاضرة في الأهداف الأربعة التي هزت شباكه، فضلاً عن كل المواقف التي شكلت خطورة، لكنها كانت زيادة شكلية غير ناجعة لغياب الرقابة الصحيحة وعدم الضغط القوي على حامل الكرة من وسط الملعب، سواء ضغط فردي أم جماعي، وصولاً إلى حدود منطقة الجزاء التي كانت مسرحًا واسعًا لتمريرات قصيرة وسريعة مع تحركات بدون كرة، أثمرت في النهاية عن اختراق العمق العماني في كثير من المناسبات، ولولا براعة فايز الرشيدي لارتفعت نتيجة المباراة بأكثر مما انتهت عليه.

خط الوسط

أما عن خط وسط الأحمر العُماني الذي اعتمد على لاعبين في الارتكاز (ياسين الشيادي وحارب السعدي) فقاما بدور بارز، لكن الفارق النوعي والخبرة والضغط بزيادة عددية أكبر مدعومة من خط دفاع اليابان، كل ذلك أدى في النهاية إلى اختراقهم، إذ إنَّ الخبرة في هذا الموقع تحديدا تسهم بدور مهم، لكن يبقى عطاؤهم الكبير شفيعًا لمستقبل أفضل. في حين أن الطرفين رائد إبراهيم وسعود، فلم يظهر الأول إلا في مرات قليلة، ويبدو أن اللاعب نسي أنه يخوض مباراة دولية عندما حاول في كثير من المرات مراوغة وخداع المنافس في منطقة جزائه. ويمكن القول إنّ أداء اللاعب عمومًا غلب عليه الطابع الفردي.

أما سعود فكان الحاضر الغائب، سواء على المستوى الهجومي أو الدفاعي، وتبقى مشاركته محل جدل. فيما عانى سعيد الرزيقي (الشلهوب) من عزلة حقيقية، نظرًا لتباعد خط المساندة، فكان وحيدا في "جيب" قلبيْ الدفاع الياباني، وإن بذل مجهودا كبيرا على مستوى الضغط على حامل الكرة، لكن لم تتح أمامه أيّ فرصة، لأن التسعين دقيقة في مجملها لم يكن للهجوم العماني أي نصيب منها. تصويبة يتيمة في المباراة حملت توقيع ياسين الشيادي، في غياب تام للعرضيات والجمل الفنية والتواجد المؤثر في نصف ملعب أصحاب الأرض. لذلك وجد لاعبونا صعوبة بالغة في الخروج من وسط ملعبهم، ونقل الكرة إلى ملعب المنافس، نظرًا للضغط المتقدم من الساموراي والمتبوع بدفاع عالي المستوى، ودلل على ذلك نسبة الاستحواذ الكبيرة التي آلت للساموراي على مدار الشوطين.

البداية فقط!

لكن والحق يقال، يحسب للمنتخب العماني الظهور بشكل جيد على المستوى الدفاعي في نصف الساعة الأولى من عمر اللقاء، إذ كان التركيز على درجة أعلى، والحماس بلغ منتهاه، بيد أنَّ الحلول التي جاءت على طبق من فضة إلى لاعبي الساموراي من المنطقة الفنية لم تجهضها تدخلات من منطقتنا الفنية تفيد ببدء سيناريو جديد يعتمد على آلية الهجوم الضاغط المتنوع، مع الزيادة العددية من لاعبي خط الدفاع، لا سيما من الطرفين الأيمن والأيسر، فاستمر لوبيز على نهجه دون التماشي مع القراءة الجديدة للسيناريو لتهتز شباكه في الدقيقة 32 .

كان بمقدور لوبيز أن يكتفي بأربعة لاعبين في خط الدفاع وأن يعتمد على اللاعب الخامس "كليبرو" لخط الوسط وأمامه لاعبي ارتكاز، فهذا التشكيل قد يكون الأفضل لمواجهة التمريرات القصيرة على حدود منطقة الجزاء. وكان لزاماً على لوبيز أن يوجه تعليماته لمحمد فرج وعلي سالم بسد الثغرات خلفهما لمواجهة الكرات الطولية التي اعتمد عليها الساموراي من خلفهم وشكلت خطرًا بالغاً على فايز الرشيدي فضلاً عن الانتشار الرباعي العكسي في مواجهة العرضيات.

تشكيلة لوبيز في مجملها حملت الطابع الدفاعي فلم تضم حامل الأختام أو صانع الألعاب ذا المهارة والقدرة على التَّسليم والتسلم تحت ضغط المنافس، فضلاً عن مهارته في الوقوف بالكرة وتهدئة وتيرة المباراة في محاولة لتقليل الضغط على المدافعين، فلم يكن هناك اللاعب الذي يمثل "محطة" ثبات وإسناد للقادمين من الخلف لبناء هجمات منظمة.

لم يحسن لاعبو خط الوسط الانتشار الفاعل الذي كان سيمنح لهم سرعة استخلاص الكرة، فلم يتبع لوبيز في أي سيناريو من سيناريوهات اللقاء طريقة الضغط على حامل الكرة، بل منح المنافس الحرية المُطلقة للتسليم والتسلم على حدود منطقة الجزاء بحثاً عن ثغرة الاختراق وهذا ما تحقق في كثيرٍ من المناسبات.

الهجوم الخاطف

إستراتيجية لوبيز اعتمدت على الهجوم الخاطف الذي ظن أنَّه سيكون مؤثرًا على منافسه، غير أنَّ ظنه لم يوفق لتفوق المنافس في عنصر السرعة؛ إذ كان هذا التفوق كفيلاً بإجهاض المساعي الخجولة في هذا الجانب، تزامناً مع بطء وخوف في التحول للحالة الهجومية، يضاف إلى ذلك خروج 5 مدافعين تماماً عن المساندة الهجومية فلم يغادر أحدهم خط الوسط.

ثبات 5 مدافعين خاصة الطرفين محمد فرج وعلي سالم لا يتفق مع كرة القدم الحديثة، فلكل لاعب دور هجومي بنسب مختلفة ووفق أدوار تبادلية، أما بقاءه في خط دفاعه بشكل ثابت فيخالف آلية عمل المنتخبات، فلاعب المنتخب لابد وأن يتمتع بالقدرة على القيام بحلول مختلفة وفقاً لظروف المباراة.. لكنها في النهاية تعليمات مدرب!.

تغييرات لوبيز لم تأت بجديد، فالفريق بدأ في البحث عن الطريق المؤدي للخروج من الملعب بأقل الأضرار، ويبقى تغيير مركز بمركز، إنه بكل بساطة فكر فقير فنياً غير ابتكاري، فتعديل طريقة اللعب كان أمراً بديهيًا بين الشوطين، وهو ما لم يحدث.

التجربة رغم مرارتها ودون النظر لنتيجتها الثقيلة، كشفت الواقع، فالأداء فقير، والتطور لم يحدث، والإرث يحمل الأشجان، وكل المؤشرات تؤكد أن الكرة العمانية ليست في الطريق الصحيح، وأن ما أُهدر في أربع سنوات لا يمكن تعويضه في بضع شهور.

تعليق عبر الفيس بوك