أسامة.. بأي ذنب مات؟!

 

إبراهيم الهادي

كان يصرخ بأعلى صوته المتحشرج باحثًا عن نافذة أمل تنجيه، لحظات تصارعت معه فيها الأضداد مع الأضداد، أي حزن هو؟ بل أي ألم كان يواجه لتنتثر حسراته التي خنقت بقسوتها العبرات، كيف كان لعوازل الحافلة المدرسية أن تكون متوحشة أمام صوت رقيق بريء يصرخ، كيف لها أن تغتال براءة الطفولة، من أجل الإنسانية كان يجب أن تلين على الأقل! أو من أجل بياض قلب طفل لم تخدشه شطحات الحياة بعد، من أجل أصدقائه وصديقاته الطيور، أو حتى من أجل الصورة التي رسمها على كراسته، ترى كيف كانت أنفاسه وهو يصرخ بين أروقة الكراسي وكيف كانت دموعه قبل وفاته؟ وما هي الكلمات التي كان ينطقها قبل أن يلفظ طاقته الأخيرة وهو يحاول أن يتشبث بالحياة، أسامة ابن الأربعة أعوام لم تسعفه نعومة أظفاره للفرار من موت أوقف حياته.

كل هذه الصور لم تطرق في حادثته التي هزت القلوب في شبكات التواصل الاجتماعي خلال هذه الأيام، فما نقل فقط هو موت طفل في حافلة مدرسية، وكالعادة لا بيان من وزارة التربية والتعليم ولا من وزارة التنمية الاجتماعية ولا أي جهة مسؤولة أخرى، بل ولا إعلان عن قوانين جديدة تواكب الحدث كي لا يتكرر مثله! وليكون رادعا للإهمال الذي طالما تسبب في اغتيال الطفولة، فلا زال الإهمال كما يبدو متاحا!

الطفل أسامة كل ذنبه أنه فتح عينيه صباحا وأخذ معه حقيبته الصغيرة بما تحمله من أقلام ودفاتر، إلا أنّ النعاس كان كما نتوقع يخيم على أجفانه فغلبه النوم في حافلة المدرسة، ليخيم بعدها الحزن على أسرته وعلى كل من عرف بقصته ومصيره..

حادثة أسامة لم تكن الأولى من نوعها، فقد وقعت حوادث مشابهة لها وراح ضحيتها أطفال أبرياء، وفوق هذا وذاك لا ساكن يتحرك حولها، ترى ماذا يحدث!

المدرسة لم ترسل لولي أمره أنّه غائب اليوم، وقائد الحافلة لم يكلف نفسه المرور لثوان بين الكراسي قبل أن يغلق النوافذ والأبواب من الجانب الخارجي للحافلة! رغم أنه قطع عشرات الكيلومترات ومسافة خمس خطوات بأقدامه استثقلها رغم أنها من صميم واجبه الإنساني، والغريب أنّ مثل هذه الأحداث تتكرر دائما وتغتال ما تغتال من براءة الطفولة، ولم تكلف على صداها الجهات المسؤولة نفسها بوضع إعلانات توعية بمخاطرها!

وهنا والحق أقول إن موت طفل بريء بسبب الإهمال يعد جريمة لا تغتفر وكلنا مسؤولين عن جرائم الإهمال أمام الله والوطن، وعليه فإنني اقترح أن تصدر وزارتا التربية والتعليم والتنمية الاجتماعية قرارات جديدة للحد بل القضاء على هذه الأنواع البغيضة من الإهمال، وتكون قوانين إلزامية على إدارات المدارس وقائدي الحافلات بالتفتيش الدقيق لكل حافلة أثناء وقبل وبعد نزول الطلبة من الحافلات مع العقوبة الرادعة لأي إهمال سواء سبب أو لم يتسبب في خطورة. كما اقترح أن تضيف شرطة عمان السلطانية في قانون المرور معاقبة للإهمال بالغرامة والسجن تمامًا كالقانون المستحدث الأخير للذين يزجون بأنفسهم وأسرهم في أوساط الأودية، لتكون رادعا تحقق ضمان سلامة الأطفال، وأن يصاحب هذه القوانين توعية بها، خاصة ونحن نشاهد بين الحين والآخر من يقود حافلات بها عشرات الأرواح والسائق تركيزه الأكبر على هاتفه النقال دون إحساس بالمسؤولية العظمى المترتبة عليه، وكأنّ الأرواح التي يسير بها ليست سوى ألواح!

ibrahim@alroya.net