الاستثمار البشري

 

 

عادل السليماني *

 

يعد التَّوظيف من أكثر المُعوقات التي تواجه رواد الأعمال في السلطنة بشكل خاص والعالم بشكل عام، كون رائد الأعمال يعتقد أنَّ صرف الرواتب وفي مرحلة مبكرة من تأسيس الشركة قد يستنزفها مالياً، لذلك تجده يقوم بكل الأعمال الخاصة بشركته بما فيها الأمور المالية والتسويقية وغيرها من الجوانب التي تختلف باختلاف توجه الشركة ومنتجاتها.

والحقيقة أنَّه لا يُلام على ذلك فالاستثمار في الكادر البشري لا يُمكن أن ترى نتائجه على المدى القريب، لكن على المدى البعيد يُمكن أن تلحظ الفرق في الإنتاجية لأنَّ توزيع الجهد والعمل على أكثر من شخص يُقلل من الضغط وبالتالي يولد ارتفاعاً في جودة العمل المُقدم مما ينعكس بشكل إيجابي على الفرد والمؤسسة.

 

الأمر الآخر الذي قد يُواجه رائد الأعمال هو المُحافظة على الموظفين في مؤسسته رغم الإغراءات التي قد يجدها الموظف في سوق العمل والتي قد تُجبره على التَّخلي عن وظيفته، وهنا يكمن الدور الأبرز للقائد في خلق جو من الولاء والانتماء للمؤسسة، الأمر الذي يجعل الموظف يشعر بأنَّه فرد من هذه العائلة وليس مجرد عامل يؤدي عمله أثناء ساعات الدوام وينتهي بعدها كل شيء.

خلق هذا الجو العائلي في أيّ شركة لا يُمكن أن يحدُث بين يوم وليلة، بل يتطلب جهدا عظيماً في تعزيز وسائل التَّواصل بين الإدارة والمُوظفين وتفهم أحوالهم وأوضاعهم وظروفهم الشخصية وخلق جو عائلي بالاحتفال في المُناسبات الوطنية وحتى الخاصة، الأمر الذي يُزيل الحواجز بين الطرفين ويُعمق من مفهوم الأسرة الواحدة مما يجعل الفرد يشعر بالمسؤولية تجاه الشركة فيزداد جهده وعطاؤه وبالتالي تزداد إنتاجيته وإنتاجية الشركة ككُل.

إنَّ العمل على تطوير وتحسين مهارات الأفراد في أيّ شركة من أهم الجوانب التي يجب ألا يغفل عنها رواد الأعمال، فإلحاق الموظفين بدورات تُساعد على تنمية وصقل مهاراتهم وقدراتهم يُعتبر أكبر استثمار من المُمكن أن يخوضه رواد الأعمال، والمراهنة على قدرات فريقك والسعي الدائم لتنميتها وتطويرها يُساهم في خلق ثقة لدى الموظف كونه يشعر بالأمان الوظيفي وبحجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، كما أنّه سيسعى دائماً لتطبيق ما تعلمه أو استفاد منه في الدورات أو المؤتمرات التي شارك فيها وهذا سيكون له أثره الجيد للشركة على المدى البعيد كما ذكرت في بداية المقال، لذلك يجب ألا يستعجل صاحب الشركة نتائج هذا الاستثمار كما أنّه يجب أن يعي أنّه لا توجد خسارة مادية في هذا الجانب، فما دفعه اليوم سيجني ثماره بعد سنوات حين يرى أن كم المعرفة لدى موظفيه قد اتِّسع، وأن تسخير هذه المعرفة لإنجاز أعمال الشركة قد بدأ في الظهور.

 

لقد آمن صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد -حفظه الله ورعاه- بأهمية الاستثمار في الجانب البشري لذلك كانت من أهم أولوياته حين تولى الحكم قبل 46 عاماً هو الاهتمام بالتعليم والصحة، لأنّه كان يدرك تمام الإدراك أنّ الأمم والشعوب مهما بلغت من التطور الاقتصادي والعمراني فلن تصل إلى ما تصبو إليه بدون الاهتمام بالمعرفة والتنمية البشرية لأنّ هذا الشيء هو السلاح الوحيد الذي يمكن أن تواجه به الشعوب والأمم أيّ خطر أو انتكاسة. الأمر نفسه ينطبق على الشركات، فكلُ مؤسسة تؤمن بأنَّ الكادر البشري هو رأس المال الحقيقي الذي سيمكنها من تجاوز الصعاب والمشاكل هي التي ستنتصر في النهاية مهما كانت سيولتها المالية متدنية، وفي الجانب الآخر فإنَّ كل مؤسسة تهمل التنمية البشرية وتعتبرها جزءًا من الكماليات فإنّها

بهذا تكون قد بدأت برسم خط النهاية لها مهما كانت سيولتها المالية عالية.

 

 

 

*فني استزراع سمكي

 

تعليق عبر الفيس بوك