الطفل أسامة.. إنّا لفراقك لمحزونون

 

 

حمود الطوقي

 

 

كان الحداد هو لون اللغة التي أشعلت وسائل التواصل الاجتماعي وهي تنعي الطفل أسامة، الذي لم يتعدّ عمره السنوات الأربع، في حادثة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة من نوعها، حيث فارق الحياة مختنقا منسيّا في باص مدرسته التي يدرس فيها، وهي مدرسة مناهل المعرفة الخاصة في المعبيلة، ولم تشفع له أدوات الإنعاش التي قضى في غرفتها يوما كاملا، ليعلن بعدها رحيله الغاضب من الوضع الذي تمّ وضعه فيه، وهو لم يرتكب ذنبا ولا جريرة، سوى أنّه نسيه السائق؛ في دلالة واضحة على الإهمال..

استحضرت وأنا أتابع قصة ومأساة الطفل أسامة الحادث المأساوي الذي وقع للطفل "مهند" قبل سنوات، والذي بدلا من أن تذهب به إلى حيث سيتلقى العلم ويرسم خطوات المستقبل عجّلت برحيله إلى مثواه الأخير؛ عندما دهسته ذات الحافلة التي جاءت لإقلاله..

وغيرها، حكايات كثيرة قبل أسامة ومهند، وبالتأكيد سيستمر السيناريو بعدهما إذا لم تضع وزارة التربية والتعليم حدًا لمثل هذه التصرفات.

ننظر إلى أم أسامة التي فقدت ابنها.. فالسرير خال، واللعب في أروقة البيت صار صمتًا، والضحكات امّحتْ، والأسئلة البريئة ذهبت إلى غير رجعة، والكتب التي تجلس الأم يوميًا لتدارسها معه ما عاد لها لزوم.. فأصدقاء أسامة في المدرسة لن يرونه في باحة المدرسة من جديد.. لن تحادثه المعلمة في الفصل، ولن تقرأ له ولن تصحح واجباته، الحافلة لن تعود بعد اليوم لإقلاله من أمام البيت، فلا أسامة في هذه الأماكن كلها، ولا ظل له، ولا طيف..

أم مهند التي على الرغم من مرور عدة سنوات على رحيل طفلها المدعوس أمام ناظريها، لم تستطع أن تنساه، لا تزال تذكره وتبكيه.. لسنوات لم تسدّ باب الذاكرة، ولن تخط العين عن استرجاع الصورة الصادمة الكئيبة التي صارت جاثوما على صدرها، وعينيها تغرورقان في الدموع، ولا شيء يعود كما كان..

هل علينا أن نقول إنّه القدر المحتوم؟

نحن نؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره من الله تعالى، ونؤمن بأن (لكل أجل كتاب)، ونؤمن أن اللحظة التي تخرج فيها الروح من الجسد هي لحظة موقوتة في اللوح المحفوظ، ولكن الله خلق الأسباب، منحنا العقل، ثمة فرق بين أن تعوزنا الحيلة والإمكانية لتفادي الخطأ والكارثة، وبين أن نحققها غير مبالين ولا مهتمين..

نتساءل بوضوح وصميم سؤال:

من المسؤول عن وجود أمثال هؤلاء السائقين الذين يتم تسليمهم أرواح أبناء الناس وفلذات أكبادهم؛ وهم غير عابئين بما لديهم من أمانات؟ ولماذا لا تقوم وزارة التربية والتعليم بعمل حلول جذرية لما يحصل في الواقع المعاش؟ ما الذي يجعل المدارس تقبل من هبّ ودبّ ويقود حافلة ليكون هو المؤتمن على أرواح أطفال لا يزالون في مرحلة وردية من العمر؟

الأسئلة تتناسل وتتوالى، والأحداث تعبّر عن نفسها، والناس من كل حدب وصوب غاضبون وحانقون على ما يحدث في المدارس، لعلّ هذا الواقع يستدعي منّا التوقف عميقا وجديّا مع ما يحصل، لا يمكن لوالد أو والدة إرسال أطفالهما من أجل الجنازات بدلا من التعليم، ولا يمكن كذلك ترك الحبل على الغارب لكي يفعل كل من يفعل مثل هذه الأفعال المودية ما يشاء، حاملا إلى الموت أطفالا أبرياء، في ظل صمت رسمي لا يسمن ولا يغني من جوع..

نعتقد ونجزم أنّه آن الأوان لتتم إعادة النظر في وسائل النقل الخاصة بالمدارس، في طرائق الإشراف على ركوب ونزول الطلبة، في الاهتمام الكامل غير المنقوص والرعاية الوافرة لهؤلاء الأطفال.

لا ينبغي وأد الأحلام وقتلها بمثل هذه التصرفات الرعناء غير المسؤولة، ولا يمكن السكوت على آليات تشغيل الحافلات، ربما على لجنة التعليم في مجلس الشورى أن يكون لها رأي تشريعي في هذا الجانب، فقد صار ما يحدث مثل العادة التي لا تهزّ بدناً ولا توقف عقلا للتأمل والتفكير.

هؤلاء الأطفال هم أبناؤنا، حاملو الأحلام وبناة الطموحات ورافعو راية الوطن في المستقبل، ولا ينبغي التعامل معهم بهذه الشاكلة، وعلى وزارة التربية والتعليم أن يكون لها رأي رسمي فيما يحدث، وليس السكوت بِمُغْنٍ عن المساءلة..

أود هنا أن أنقل رسالة العديد من أصحاب المدارس الخاصة أنّ مشاكل كثيرة تواجه نقل الطلاب من بينها الفرض الإجباري على تعمين وظيفة السائق ولا نقلل من شأن التعمين، ولكننا نطالب أن يكون التعمين مقرونا بالخبرة والأمانة وألا يقل عمر سائق الحافلة عن ٣٥ سنة، كما نطالب أن يتم منح سائق الخافلة شهادة معترفة بها من قبل الجمعية العمانية للسلامة على الطريق كما هي الرخصة التي تمنح للسائقين العاملين في قطاع النفط والغاز.

أخيرا نتقدم بالتعزية لأسرة الطفل أسامة ونسأل الله أن يمنحهم الصبر والسلوان. وندعو الله القدير أن يبعد عنا هذه الحوادث التي أطلقت مع فراق الطفل أسامة جرس الإنذار.. فهل ستصحو وزارة التربية؟!