التعليم.. بين الخدمة والاستثمار

 

 

سالم العريمي

orimi.ssss69@hotmail.com

 

التعليم يعدُّ ركيزة أساسية لنهضة الأوطان والمجتمعات؛ كون غايته إعداد جيل كفيل بأن يصنع التنمية والتطور؛ فقد اتجهت الكثير من البلدان إلى جعل التعليم أولى أولوياتها وسخرت له إمكانياتها وطاقاتها إدراكا منها بأنه الحصان القادر على توجيه عربة التطور والنمو نحو اتجاهها الصحيح؛ فقضية التعليم أصبحت تمثل للبلدان التي تتطلع نحو تنمية مزدهرة وشاملة قضية وجود؛ فالدول التي خرجتْ بعد الحرب العالمية الثانية مكبلة بالكثير من القيود، استطاعت في فترة وجيزة أن تتصدر في الصناعة والاقتصاد، فأدركت أن من يعيدها إلى مجدها هو الإنسان المتعلم المسلح بالمهارات والمعرفة، وهذا الإنسان يأتي من خلال منظومة تعليمية ناجحة؛ لذلك سعت نحو الاستثمار في قطاع التعليم فسخَّرت مقوماتها الاقتصادية، وضخت الكثير من مواردها المالية؛ فأولت اهتماماتها في إيجاد منظومة تعليمية احترافية من خلال وضع رؤى واضحة وطموحه ترجمتها إلى إستراتيجيات منضبطة والتزمت بها وانتقت كوادر وكفاءات لإدارتها متجاوزة أيَّ اعتبارات لصالح اعتبار الوطن في مهنة التعليم، وجعلته مهنة لا تقل عن المهن الأخرى إنْ لم تكن أفضل؛ فوضعت أسسا ومعايير لانتقاء أفضل مخرجات التعليم العام لمن يلتحق بمهنة التعليم، وحدَّدت اجتياز رخصة لمزاولة المهنة، وضخت الكثير من الامتيازات لها، كما أنها أوجدت أنظمة في غاية الدقة والمعيارية والمحاسبية في صياغة المناهج وأنظمة التقويم، فوضعت مهنة التعليم في صدارة المهن من حيث الامتيازات؛ فخرَّج نظامها التعليمي كوادر مؤهلة فكريا ومعرفيا ومهاريا، تبوَّأت من خلالها الصدارة في التنمية والتصنيع واقتصاد اعتمد على ثروته البشرية التي لا تنضب. ومن هنا، فإنَّ تلك المجتمعات نظرت إلى التعليم كاستثمار بشري وليس خدمة، والفرق بين التوجهين كبير؛ فالأول ينظر إلى التعليم على أنه ضمن الخدمات التي تكلف الدولة موارد مالية ويظل عبئا على ميزانيتها، والآخر استثمر فيه من خلال تطوير برامجه؛ فركز على الابتكار والبحث العلمي وأوجد موارد داعمة له؛ فالدول التي تستثمر في التعليم تؤسس شبابها ليصبحوا قادة ورياديين في مجالاتهم؛ فالتعليم يُسهم في تمكين الأفراد في بلدانهم وحول العالم، ويعطيهم الأدوات الأساسية لإحداث التغيير الإيجابي من حولهم، وَمِمَّا لا شك فيه أنَّ السلطنة أولت اهتماما بالتعليم وأحدثت نقلة نوعية في مستوى انتشاره، وسخَّرت له الإمكانيات من أبنية مدرسية ووسائل وأدوات، وتوسَّعت فيه من حيث الكم، إلا أننا في مرحلة تتسابق فيها المجتمعات إلى إيجاد تعليم يهتم بالجودة، ويركز على المخرجات؛ بحيث تكون موائمًا لمتطلبات العصر ومستجداته؛ فالغاية من التعليم تنمية المهارات الوجدانية لتكريس هوية المجتمع وقيمه وموروثاته الحضارية والتاريخية والمهارات العقلية لبناء فكر مبدع قادر على التحليل والاستنتاج والمبادرات والمهارات الحركية التي تتعامل مع متطلبات العصر التكنولوجية، فتسخرها لخدمتها. ومن هنا، تُقاس المنظومات التعليمية الناجحة بمستوى امتلاكها وإتقانها لتلك المهارات، خاصة العقلية؛ لتلبِّي متطلبات سوق العمل، وتتفاعل مع محيطيها، فتؤثر فيه أكثر مما تتأثر به؛ فلابد من مراجعات لمنهجياتنا وخططنا بحيث تعتمد على رؤى ترتكز على تمهين التعليم لنقل وظيفة المعلم من كونها كوظيفة تؤدَّى بشكل روتيني إلى مهنه يقاس فيها أداء المعلم بالمستوى التحصيلي والثقافي للمخرجات متجاوزة البرامج الروتينية المعتادة واللجان الشكلية والمسابقات إلى التركيز على تعليم يتمحور حول المتعلم؛ كونه يركز على إستراتيجيات حل المشكلات والتفكير الناقد والتعلم التعاوني ولعب الأدوار والاستقصاء والمحاكاة، ومن خلالها يكتسب المتعلم مهارات التمييز بين الحقائق والتخطيط والتنبؤ وإجراء التجارب وجمع الأدلة وتحديد مصداقية مصادر المعلومات والاتصال والتواصل والتقييم والتحليل والتخيل، كما أنَّ تعليم القرن الواحد والعشرين يعتمد على مناهج متطورة ترتكز على التفكير الناقد وحل المشكلات والتعلم والابتكار والاتصال والتعاون والمعرفة المعلوماتية والمعرفة في مجال الوسائط ومعرفة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والمرونة والتكيف والمبادرة والتوجيه الذاتي والمهارات الاجتماعية والثقافية والإنتاجية والمساءلة والقيادة والمسؤولية، حتى نصل إلى مُخرجات تمتلك صفات خريج القرن الواحد والعشرين، والتي تتضمَّن مجموعة من المهارات؛ كالأصالة والانفتاح على الآخر والثقة بالنفس والشغف للمعرفة والقيادة والتأقلم مع المجتمع والإبداع، والتمكن من التكنولوجيا لنصل إلى منظومة تعليمية فاعلة وقادرة على إعداد جيل مؤهل فكريا ومهاريا ليكون الضامن لمستقبل زاهر.